تجاوزت أنباء غرق "عبَّارة الموت" التي أقلت لاجئين فلسطينيين من مخيمات لبنان وسوريا، وأشخاص أخرين من جنسيات عربية وأفريقية مختلفة، وهي في طريقها من ليبيا إلى ايطاليا، وما نجم عنها من سقوط ضحايا، من بينهم فلسطينيين... تجاوزت كل الأخبار الأمنية والخطط التي تعد للمخيمات، انطلاقا من المية ومية القريب من صيدا، كحلقة ثانية بعد عين الحلوة...
ومع توارد أخبار مأساة العبارة وما تركته مشاهد الجثث المنتشرة على سطح مياه المتوسط من انعكاسات بالغة وعميقة على أهالي الضحايا خاصة واللاجئين عامة، تقدم ملف اللاجئين الى الواجهة مجدداً، خاصة حين تردد على ألسنة الكثيرين من أبناء المخيمات أن ما جرى يعتبر باباً من أبواب تصفية قضية اللاجئين، وبالتالي إنهاء حق العودة الذي يعتبر جدارا صلبا بمواجهة تصفية القضية الفلسطينية.
ولا شك ان موجات التهجير التي تحدث في فترات الازمات والشدائد العسكرية والأمنية والإجتماعية تأخذ في طريقها المئات لا بل الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، كما حصل في وقت سابق إبان الغزو "الإسرائيلي" للبنان في العام 1982، وما تخلله من مجازر في صبرا وشاتيلا، وما تلاها من توترات أمنية، دفعت الكثيرين لركوب رحلات الموت للإفلات من الدوامة...
وقد تكرر هذا الأمر خلال الحرب العدوانية الأميركية المدمرة على العراق، التي دفعت أحداثها الإليمة بمعظم اللاجئين الفلسطينيين للهجرة القسرية بعيدا آلاف الكيلومترات إلى بلدان في أقاصي المعمورة من أيسلندا إلى البرازيل إلى التشيلي وغيرها، عاشوا ظروفا قاهرة، دفعت بالعديدين للتفكير بالعودة مجددا الى المنطقة المتخمة بالتوترات الامنية... وهي اشارة دالة على حجم الماساة والمعاناة التي عاشها اللاجئون في تلك الدول...
واليوم، نشهد فصلا جديدا من فصول تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، بالتهجير الذي طال فلسطينيي سوريا، الذين باتت أغلبيتهم العظمى خارج البلاد العربية...
إن "عبارة الموت" التي مونتها بالركاب الضحايا شركات وسماسرة باتت معروفة لدى الأجهزة الأمنية، وكشفت تفاصيلها كل وسائل الاعلام اللبنانية والعربية، ما كانت لتجد ضحاياها لولا الحالة المزرية التي تلف حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان...
ويلخص أحد الناجين من الموت المحقق مأساته بالمثل القائل: "ما الذي أجبرك على المر إلا اللي أمر منه"... فالهجرة هي "نتيجة للأوضاع الاقتصادية والامنية الصعبة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وتفشّي ظاهرة البطالة خاصة لدى الفئات الشبابية منهم"، كما تقول صحيفة "النهار" اللبنانية . وقد شُكِّلت لهذه الظاهرة مكاتب لسماسرة تحت عناوين مكاتب سفر وسياحة، يقوم أصحابها بمعاونة أُجراء بتسهيل سفر كل من يرغب بالهجرة الى الخارج مقابل مبالغ مالية اضافية. وحادثة غرق المركب الذي كان يقلّ مسافرين لبنانيين وفلسطينيين من ليبيا باتجاه ايطاليا مؤخراً، سلّطت الضوء على هذه الظاهرة وفرضت على القوى الأمنية المعنية فتح هذا الملف".
إن معالجة ملف "عبارة الموت" لا يبدأ بالبكاء على الضحايا وبذرف الدموع على أوضاع المخيمات، ولا ينتهي باعتقال صاحبات شركة السفر والسياحة، وغيرهن من السماسرة، وانما بفتح ملف اللاجئين ومخيماتهم، التي تحتوي على كم هائل من المشاكل والعقد التي تستوجب حلولا، تضع حدا للمآسي اليومية، وتفتح بعض نوافذ أمل في وجه الشباب الباحث عن عمل وحياة كريمة، وتحد من هذه الهجرات العشوائية، التي تكلف اللاجئين من ابنائهم وفلذات اكبادهم، ومن أموالهم التي تتحول الى وقود لانعاش مكاتب سماسرة الموت...
ومما لا شك فيه فإن أول الخطوات بطريق المعالجة والحل تبدأ بـ "توحيد الموقف الفلسطيني بما يـفيـد تحريك ملـف حق مـزاولـة الفلسطينيين العمل في لبنان" وحق التملك، كما جاء في بيان اللجنة الشعبية بمخيم عين الحلوة "باعتبارها من العوامل التي تساند اللاجئين الفلسطينيين بتمسّكهم بحقّ العودة!..