/مقالات/ عرض الخبر

الإستيطان وقدس موحّدة... على وقع الانتخابات!.. كتب ماجد الشّيخ

2015/01/28 الساعة 08:29 ص

يراوح الخطاب السياسي "الإسرائيلي" عند عتبات عقيدته الايديولوجية، ولا يتخطاها إلا نحو شعارات تعكس مشهداً انتخابياً، لا يعبر إلا عن تجسيم وجود أزمة حكم ونظام سياسي، ومجتمع يزداد تطرفاً على وقع الاستيطان وبروز كتل يمينية متطرفة. ففي سياق المعركة الانتخابية المحتدمة هذه الأيام في "إسرائيل"، زج رئيس الحكومة "الإسرائيلية"، بنيامين نتنياهو بـ «القدس» في المعركة الانتخابية، وأكد أنها ستبقى «موحدة وتحت السيطرة "الإسرائيلية" إلى الأبد»!، متهما منافسيه باستعدادهم للتفريط بها.

ولعل أبرز الاستنتاجات التي استخلصها الإعلام "الإسرائيلي" مع نهاية العام الماضي، هو أن حكومة نتنياهو لم تنجح في حسم ملفات استراتيجية، أهمها الفلسطيني والإيراني. والأمر الثاني هو حدوث طفرة في الفكر والسياسة الصهيونية، بعد وصول اليمين المتطرف المتمثل بالتيار الصهيوني الديني إلى مراكز صناعة القرار السياسي الأمني، ومحاولاته فرض الانتقال من «إسرائيل الدولة» إلى «إسرائيل المملكة اليهودية»، عبر طرح «قانون القومية»، وعبر محاولات المتطرفين للسيطرة على الحرم القدسي وتصاعد الدعوات إلى بناء الهيكل.

لهذا رأى محللون "إسرائيليون" كثر، أن وصول حكومة نتنياهو إلى نهاية ولايتها، عبر التوجه إلى انتخابات عامة مبكرة، كان نتيجة حتمية لتركيبتها والتناقضات بداخلها. ففي بداية طريقها، برز التحالف بين رئيسي حزبي «ييش عتيد»، يائير لبيد، و"البيت اليهودي"، نفتالي بينيت. لكن منذ بداية العام الماضي، أخذ هذا التحالف يتفكك تدريجياً، في اعقاب سلسلة خطوات ضد المتدينين (الحريديم)، وضربات اقتصادية جعلت بينيت يبتعد عن هذا التحالف.
وهكذا يسعى نتنياهو إلى تحويل المعركة الانتخابية الراهنة، إلى منافسة بين ما يسمى «معسكر اليسار» ومعسكر اليمين على قضايا سياسية، واللعب على وتر التطرف الذي يجتاح المجتمع "الإسرائيلي"، وهو المكان الذي يبرع فيه، ولا يمكن لمنافسيه مجاراته به.

من هنا سعي نتنياهو إلى تصوير منافسيه، رئيس "حزب العمل"، يتسحاق هرتسوغ، ورئيسة حزب
«هتنوعا» تسيبي ليفني، اللذين شكلا معاً معسكراً يحمل اسم «المعسكر الصهيوني» تفادياً لعدم وصمهما بالـ «يسار»، بأنهما مستعدان لمنح القدس الشرقية للفلسطينيين في إطار اتفاق سياسي.

ووجه انتقادات لهما من دون أن يذكرهما: «سمعت أن أحدهم، إحداهن، يعرب عن استعداده لمنح الفلسطينيين عاصمة في القدس. سمعت أحدهم، إحداهن، يقول إن الجبل سيبقى بأيدينا، كيف سيبقى بأيدينا؟ كجيب في المنطقة الفلسطينية؟ وكيف سنصل إليه؟ بقوافل، بالطائرات العامودية، بالمدرعات؟ لم نعد إلى الجبل بعد ألفي عام كي نصل إليه بالمدرعات».

وبعد خطاب نتنياهو، ما كان من "الليكود" إلا أن أصدر بياناً هاجم فيه هرتسوغ وليفني، داعياً إياهما إلى أن يكشفا أمام الجمهور "الإسرائيلي"، الحقيقة التي يخفونها: «هل سيوافقان في إطار حل سياسي على إقامة عاصمة فلسطينية في القدس؟ هل سيكونان مستعدين لتسليم مناطق في شرق القدس للسيادة الفلسطينية؟ وهل سيدعمان في المستقبل تقسيم القدس؟ من حق مواطني "إسرائيل" أن يعرفوا إلى أي حد هما مستعدان للانسحاب».

وردّ هرتسوغ وليفني على نتنياهو بالقول: «مرة أخرى يستغل نتنياهو القدس للمناكفة، الجمهور فقد الثقة بنتنياهو ونحن سنستبدله». وفي مراسم احتفالية بتوسيع ساحة الحائط الغربي، قالت ليفني إن «السيادة الإسرائيلية هنا، في هذا المكان في القدس، هي تعبير عن الرابط التاريخي بين الشعب وأرضه، والتي تحققت بفرض السيادة على القدس. في هذا المكان الذي نحن فيه نحن موحدون، وهكذا سنبقى، في هذا المكان المقدس والتاريخي، المكان الذي نحن متعلقون به في أعماق روحنا، سيبقى تحت سيادة "إسرائيل" إلى الأبد»!.

هذه المناكفات الحزبية الانتخابية، لا تعبر عن الوجهة الحقيقية لجميع أطراف العملية الانتخابية في "إسرائيل"، فالاستيطان له قصب السبق على الدوام، والمزايدات الانتخابية لا تمنع من الإعلان عن مصادقة ما تسمى بـ «اللجنة المحلية للتخطيط والبناء» في القدس المحتلة، أواخر العام الماضي، على بناء 380 وحدة سكنية استيطانية خارج الخط الأخضر. حيث يشمل المخطط بناء 307 وحدات سكنية في مستوطنة «راموت» شمال القدس، و 73 وحدة سكنية في مستوطنة «هار حوماه» المقامة على جبل أبو غنيم جنوب شرقي القدس. كما أن البناء الاستيطاني في «راموت» يشمل بناء مبان سكنية تضم 47 و 26 وحدة سكنية. وبعد مصادقة اللجنة اللوائية على المخطط، فسيكون بإمكان المقاولين الفائزين بالمناقصات مباشرة البناء.

في المقابل وفي محاولة لفضح هذا المخطط، قالت جمعية «عير عميم» إنه «في الوقت الذي كان يتحدث فيه نتنياهو عن الوحدة المزيفة للقدس في إطار حملته الانتخابية، كانت البلدوزرات تحدد الحقائق على الأرض بهدف تخريب إمكانية التسوية السياسية المستقبلية». وأشارت إلى أن «استمرار البناء الاستيطاني خارج الخط الأخضر أضر بشكل كبير بمكانة "إسرائيل" في العالم في السنوات الأخيرة». وأكدت أن «وقف البناء الاستيطاني والسعي إلى المفاوضات هو مصلحة "إسرائيلية" واضحة، يفترض أن تكون أمام ناظري كل زعيم، يرى نفسه جديراً برئاسة الحكومة».

وما يجدر ذكره هنا، أن «اللجنة المحلية للتخطيط والبناء» في القدس المحتلة، صادقت الشهر الماضي على مخططين لبناء 78 وحدة سكنية في المستوطنات ذاتها، حيث تضمن المخطط الأول بناء مبنى سكني يتألف من 15 طابقا، ويحوي 50 شقة سكنية في مستوطنة «هار حوماه»، بينما يتضمن الثاني بناء مبنيين سكنيين يتألفان من 28 وحدة سكنية في مستوطنة «راموت». كما تجدر الإشارة إلى أن المخطط المذكور هو جزء من مخطط أكبر يشتمل على بناء 156 وحدة سكنية. وجاءت المصادقة عليه بعد أسبوعين من المصادقة على مخطط لبناء 200 وحدة سكنية في إطار مخطط كبير يشتمل على بناء 600 وحدة سكنية.

وبعد يوم واحد من قرار وزير الأمن موشي يعلون إخلاء مناطق عسكرية لأغراض استيطانية، كشفت مصادر "إسرائيلية" أن يعلون، كان قد أصدر تعليمات خلال الأسبوعين الأخيرين بتنفيذ مشاريع استيطانية ضخمة في الضفة الغربية، تشمل شق شوارع وإقامة مبان عامة في العديد من المستوطنات. كذلك وبإيعاز من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أصدر يعلون تعليمات في الأسبوعين الأخيرين بدفع مخططات لشق شوارع استيطانية منها: التفافي حوارة، والتفافي العروب، وبناء مبان عامة في العديد من مستوطنات الضفة الغربية.

يذكر أن هذه التعليمات جاءت بعد اجتماع عقد بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وقادة المستوطنات، الذين طالبوا بوقف «تجميد الاستيطان»، والدفع بمخططات جديدة. وجاءت على خلفية ضغوط من قيادة الحركة الاستيطانية، وهي تأتي في أجواء الانتخابات الداخلية لليكود، حيث يتمتع قادة المستوطنين بتأثير واسع على الأعضاء الذين سيقررون بعد أيام قائمة الليكود الانتخابية. وأن كان الإعلان عن البناء الاستيطاني عادة ما يثير إدانات دولية، إلا أنه وفي هذه الفترة الانتخابية بالتحديد، لا يبدو أن نتنياهو ويعلون، يحفلان بانتقادات أو إدانات دولية في هذه الفترة الحساسة.

وبالتوازي مع ذلك، كشف النقاب اخيرا، أن يعلون أمر بنقل قاعدتين عسكريتين في الضفة الغربية إلى موقعين آخرين لاستخدام الأراضي المقامة عليها لتوسيع المستوطنات، وهي سياسة باتت سلطات الاحتلال تستخدمها على نحو واسع. وذكرت تقارير "إسرائيلية" أن تعليمات يعلون صدرت في الأيام الأخيرة، وتقضي بنقل معسكر لحرس الحدود بالقرب من مستوطنة «كريات أربع» في الخليل، ونقل معسكر قرب مستوطنة «عيلي زهاف»، بهدف تنفيذ أعمال بناء وحدات سكنية جديدة مكان المعسكرين وتوسيع المستوطنتين.

وفي تسجيل مسرّب، كشف النقاب أيضا، أن يعلون قال خلال لقاء مع طلاب مدرسة دينية الأسبوع الماضي، «إنني أرغب كثيرا في المصادقة على مخططات، والبناء أكثر (في المستوطنات)، لكن هذا الأمر يثير ردود فعل أولها من الأميركيين، وبعد ذلك تأتي التهديدات من جهات أخرى. لذلك نحن حذرون جداً بعدم شد الحبل أكثر مما ينبغي». وأضاف يعلون «آمل أن هذا الوضع مؤقت، بسبب وجود الإدارة الأميركية الحالية، لكنها ليست دائمة».

وهذه هي «لعبة القط والفأر» التي يبرع فيها "الإسرائيليون"، ويمضون في استخدامها، كلما احتاجوا للمزايدات الشعبوية، وهذه المرة لأهداف انتخابية داخلية (داخل حزب الليكود) وتشريعية عامة، حيث الاستيطان يشكل الحجر الأساس للبقاء عند حدود التطرّف، والقدس هي الأخرى تشكل حجراً أساسياً آخر، للقفز عن حقوق الفلسطينيين في ظل استبعاد أي حل أو تسوية سياسية، يراها أغلبية "الإسرائيليين" بعيدة جداً، وهم يعملون على استبعادها من أجندتهم..
المصدر: صحيفة المستقبل اللبنانية
 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/69820

اقرأ أيضا