القدس للأنباء- خاص
النار التي أشعلتها الولايات المتحدة وأوروبا، في قلب الشرق الأوسط، امتدت هذه المرة لتكوي أيادي الذين أوقدوها، من خلال العملية التي استهدفت صحيفة "شارلي إيبدو" في وضح النهار في باريس، واتساع دائرتها لاحقاً لتشمل مناطق فرنسية أخرى.
البعض وصف العملية بـ "الحدث الكوني" وبدأت المخاوف الفرنسية تحديداً والأوروبية عموماً، ليزداد قلق المجتمعات الراعية والمسّوقة للإرهاب، لإن ارتدادات العنف المتنقل لن يستثني أحداً، وكلمات الرئيس الأميركي باراك أوباما المتناقضة اليوم مع الفرنسيين، وتأكيده بأن "الإرهاب لن ينتصر على الحرية"، مجرد عبارات جوفاء، لن تقدم أو تأخر شيئاً.
تغيُّر معالم التسويات
وأفادت صحيفة" البناء" في مقال كتبته روزانا رمال، أسباب التدهور الأمني في فرنسا، إلى استراتيجية الحكومة وتعاطيها مع "الإرهاب" في الشرق الأوسط، خصوصاً في ما يتعلق بسوريا، ففرنسا لم تختر مواجهة يوماً سوى بانتقائية. فهي بعدما دخلت التحالف الدولي لمكافحة "داعش" كانت تتعاطى مع الملف السوري طرفاً داعماً لها.
وقالت: "انتهى وقت الترف الفرنسي، وحان وقت السياسة، فما حصل في " شارلي إيبدو" مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشرق الأوسط، ورأت أن "الجريمة ستغير معالم التسويات".
معادلات جدية
ورأت "النشرة" في مقال كتبه جورج عبيد، أن بعض الفرنسيين والأوروبيين، اعتقدوا بأن بصراعهم في سوريا وعليها، يصدرون الشباب الجهادي الأوروبي أو الجزائري والمغربي، فيتحررون من ثقلهم، ليستوردوا مسيحيي العراق وسوريا من أجل تأمين التوازن إلى فرنسا والمجتمعات الأوروبية بالمسيحيين المشارقة والعرب المهاجرين إلى هناك، غير أن هذه السياسة فشلت فشلاً ذريعاً، وسقطت سقوطاً مريعاً، لم تقرأ فرنسا منذ ساركوزي حتى هولاند، أن الاستراتيجية القائمة في العقل التكفيري قد فاقت ببعض مضامينها، قدرة السلطة الفرنسية على الإمتصاص، وتلك هي الخطورة بالذات، وذلك أن نجاح التكفيريين باختراق الجدار الفرنسي، سيؤمن بالمقابل نجاح اليمين الفرنسي المتطرف، والحركات الإسلامية التكفيرية.
فنظر كبار المحللين بريبة فائقة إلى هذا الحدث، وتخوف بعضهم من استلحاق فرنسا ومعها أوروبا، بركب الصراع الديني والمذهبي.
وانطلقت رؤية هؤلاء، بأن فرنسا وبعض الدول الأوروبية، لم تأخذ على محمل الجد، إدراج شبابها بالتطرف الديني المتشدد، لم تدخل في تحليل عميق بالمعايير السياسية والإجتماعية والأخلاقية والإنسانية، للأسباب الموجبة التي أوحت أو الهمت هؤلاء بالإنخراط في الجهاد، ختمت النشرة.
ويرى الكثيرون أن مسألة تنفيذ الهجوم على "شارلي إيبدو"، لا يقتصر دافعها فقط خلف مسألة الانتقام ممن رسم ونشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة التي طالت نبي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل عملية كهذه في وضح النهار نابعة من تخطيط إستراتيجي هادف، يتخطى عملية الإنتقام للبلوغ إلى وضع فرنسا أمام معادلات جديدة، تلك المعادلات كما يراها الكثيرون قد تسقط الحكومة الفرنسية.