غزة – القدس للأنباء - خاص
"الجهاد الإسلامي" تدعو "التوافق" إلى تحمل مسؤولياتها... وتشكل فرق طوارئ لإغاثة المتضررين
اللجنة الشعبية: نرفض تسييس عملية الإعمار
خرج المواطن أبو كمال جبريل تحت المطر هاربا وأسرته من البرد القارس الذي يعصف ببيتهم المهدم بشكل جزئي الواقع في حي الشعف شرق مدينة غزة. وقال جبريل إنه لم يعد قادراً على تحمل العواصف والأمطار ويخشى سقوط كامل المنزل المتآكل من جراء الحرب الأخيرة على غزة، فوق رؤوس ساكنيه، نظرا إلى تعرض أعمدته لأضرار بالغة جراء قصف بعض أجزائه.
وقد عاد المواطن الخمسيني بعد 51 يوما من الحرب إلى منزله للإقامة فيه، رغم حجم الخطورة المحدقة بهم، وبخاصة أنه يميل إلى السقوط، لكنه أرجع الأمر إلى عجزه عن استئجار شقة تأويه وأسرته.
وينتظر هذا الرجل المتعطل عن العمل البدء الجدي بعملية إعمار القطاع حتى يعيد ترميم منزله، معبرا لـ "القدس للأنباء" عن سخطه على الإجراءات المتبعة في إيواء النازحين.
أما المواطن أسامة أبو جهل، فحاله لم تختلف كثيرا عن سابقه، إذ يعبر عن أسفه اتجاه "سياسة الازدواجية" في التعامل مع متضرري الحرب، وخاصة أنه لم يحظ بعد بكيس من الإسمنت، في الوقت الذي رأى فيه بعض الجيران يعيدون ترميم منازلهم المدمرة جزئيا، كما قال.
واتهم أبو جهل (42 عاما) الأطراف المسؤولة (الحكومية والدولية) بالتآمر على "المنكوبين"، وقال: "هناك سياسة تهدف إلى خلق طبقات في المجتمع الفلسطيني، وتعمل على الفتك بالنسيج الاجتماعي بمنح البعض أموالا لإعادة الإعمار، وتجاهل آخرين".
هجرة الشتاء
تزامنت شكاوى متضرري الحرب في مدينة غزة، مع إخلاء بعض المواطنين الكرفانات الإغاثية التي تأويهم في بلدة خزاعة شرق محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، لأن تلك الكرفانات لم تصمد في وجه المنخفض الجوي الذي ضرب القطاع في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني/نوفمبر.
في السياق، عبر المواطن تيسير قديح عن تحامله على الحكومة الفلسطينية والأمم المتحدة، متهما الجهتين بأنهما يتاجران بآلام ضحايا الحرب والمتضررين. وقال قديح (37 عاما): "الكرفان الذي نعيش فيه لا يقوى على صد برد ولا حرارة، ولا يكفي للأسر التي يزيد عدد أفرادها عن خمسة أفراد، لهذا قمت بإعداد غرفة صفيح مواز للكرفان لإيواء باقي أفراد أسرت المكونة من تسعة أفراد".
وأشار الرجل الثلاثيني إلى أن الكرفانات شهدت غرقا مع زخات المطر الأولى على غزة، معبرا عن استيائه جراء تعزيز المكان المحيط بالكرفانات برمال تحوي هياكل عظمية وجماجم!، وهو "ما يعكس فضيحة جديدة تتعلق بسرقة رمال المقابر"، كما قال، فيما أكد آخرون هذه الحادثة ووثقوها بالفيديو.
وكان من الأصل أن تقام الكرفانات كإغاثة عاجلة للمدمرة بيوتهم، حتى إتمام مؤتمر اعادة إعمار غزة، لكن المؤتمر الذي عقد الشهر الماضي في القاهرة قد خصص نحو 2.7 مليار دولار للإعمار، فيما استحوذت خزينة السلطة على حصة مماثلة، دون أن تدور حتى اللحظة، أكثر من ثلاثة أشهر بعد الحرب، عجلة الإعمار الحقيقي.
وقامت حكومة الوفاق التي يترأسها الأكاديمي رامي الحمدالله، بتوزيع الاسمنت على 894 مواطناً من المدمرة بيوتهم جزئيا، فيما كان من المقرر أن تبدأ الجولة الثانية من الإعمار في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، لكنه لم يحدث أي جديد رغم عرض كشف بأسماء ألفي مواطن، وذلك على ضوء الهجمة الشعبية ضد خطة مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، روبرت سيري، التي تحتوي على آليات مراقبة على توزيع الاسمنت، خشية من استغلاله من الفصائل لأغراض أخرى (يقصد عملية تشييد الأنفاق الأرضية).
محاباة في التوزيع
وضاح بسيسو، وهو عضو اللجنة الشعبية لمتابعة إعادة الإعمار، قال إن جميع الجهات التي أعلنت برامج الدفع العاجل للمتضررين، أثبتت تضليلها وافتراءها، وبخاصة أن المتضررين لم يتسلموا الإسمنت بشكل شفاف، وبعض الشخصيات حصلت على التعويض بحكم الانتماء التنظيمي، "وهذا أمر ننظر إليه بعين الخطورة".
وعبر بسيسو، في حديث مع "القدس للأنباء"، عن استيائه نتيجة "عدم توفر الشفافية" لدى الاطراف المسؤولة، مطالبا بضرورة وجود مرجعية واحدة مسؤوليتها اعادة الإعمار، "وصندوق واحد يوحد ويعزز فرص الشفافية والنزاهة في تعويض المتضررين والمهدمة بيوتهم".
وكشف في الوقت نفسه عن نية وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الاونروا، عمل كرفانات خرسانية بدلا عن الصفيحية "التي أثبتت فشلها في احتواء المتضررين، على أن يكون الكرفان بمسافة 91 مترا للأسرة الواحدة"، وهو أمر مرفوض بالنسبة لهم، لأنه كما قال يهدف إلى تقويض فرص الإعمار.
وعبر عضو اللجنة الشعبية لمتابعة إعادة الإعمار، عن رفض لجنته للسياسة المتبعة في التعامل مع المتضررين والنازحين من جراء الحرب، مؤكدا أن خطة "سيري" مرفوضة لاحتوائها بعض المعيقات التي تقف حائلا ضد الإعمار.
ومضى يقول: "نتطلع لإعادة فتح المعابر كليا وفق ما جاء في اتفاق التهدئة بالقاهرة، وما تبعه في عقد مؤتمر إعادة الإعمار"، مشيرا إلى أن المانحين لا يزالون ينتظرون أمرين لإعادة الإعمار، أحدهما يتعلق بدور الاحتلال في وضع العقبات ومدى التزامه بفتح المعابر، "والآخر بأخذ الحكومة صلاحياتها على الأرض وإتمام ملف المصالحة".
أرقام جديدة
وكان وزير الأشغال العامة والإسكان، مفيد الحساينة، قد صرح بأن نحو 88 ألف أسرة فلسطينية تعاني من عدم وجود مأوى حقيقي، وبعضها يقبع في مراكز الإيواء.
في غضون ذلك، كشف بسيسو عن احتواء خطة المتابعة لديهم على برنامج إقراض من البنوك المحلية تقوم عليه الحكومة، لتمويل الإعمار بضمان أموال المانحين المقرر إرسالها، مطالبا الحكومة بتفعيل هذا البرنامج. وأعاب أيضا على الحكومة صرف كابونات للمتضررين تتعلق باستلام اكياس اسمنت بدلا من الاموال، قائلا إنها فتحت فرصة لانعاش السوق السوداء، وخلقت أجواء احتكارية سيئة، معبرا عن رفضهم المطلق لـ"تسييس عملية الإعمار".
في الوقت نفسه، أكد رفض اللجنة الشعبية استخدام الكرفانات في حيي خزاعة والشجاعية، مؤكدا أن مكان إقامتها غير مناسب لأنه يبعد عن الحدود 800 متر، وهو مكان مكشوف ومعرض للهدم، كما أن تضاريس المنطقة غير مناسبة خاصة في فصل الشتاء.
دور الجهاد الإسلامي
تعقيبا على ذلك، أعاب الشيخ خضر حبيب، وهو مسؤول لجنة الطوارئ في حركة الجهاد الإسلامي، على الحكومة الفلسطينية تقصيرها بحق متضرري الحرب وعدم تحمل مسؤولياتها تجاه الحصار الذي يعاني منه القطاع.
وقال حبيب لـ"القدس للأنباء" إن حركة الجهاد الاسلامي لم تتوان عن دعم متضرري الحرب، "فهي منذ اعلان دخول المنخفض الجوي باشرت في تشكيل لجنة طوارئ للالتفاف حول المواطنين وتشكيل حلقة من حلقات التكاثف الاجتماعي".
وأضاف: "المنخفض الجوي والمنخفضات القادمة، تهدد حياة مئات المواطنين في غزة على ضوء ضعف البنية التحتية، وقد تكشف ذلك خلال منخفض اليكسا العام الماضي حين تعرض حي بأكمله في غزة للغرق يدعى حي النفق، فضلا عن أن الحرب جاءت لتزيد الاعباء على المواطنين الذين أصبحوا بلا مأوى".
وأشار حبيب في ختام حديثه إلى أن لجنة الطوارئ التي شكلتها حركته ستعمل في كل المناطق طوال فصل الشتاء لإغاثة المنكوبين والمتضررين.