لم يتوان فلسطينيو 48 يوماً عن المشاركة أو التضامن مع أهلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، فمن تقديم المساعدات والتظاهر دعماً لأهلهم في الضفة وغزة خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وصولاً إلى المظاهرات التي عمّت المدن والقرى في المناطق المحتلة عام 1948 تضامناً مع أهل غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي بدأ فجر يوم الثلاثاء 7/7/2014، حيث اعتقل الجيش الإسرائيلي العشرات من الشباب الفلسطيني في داخل الخط الأخضر دعماً لأهلهم في غزة، وطالب العنصري ليبرمان بتطبيق حكم الإعدام على أي شخص عربي فلسطيني يتظاهر في داخل الخط الأخضر لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة. ويمكن الجزم بأن الحراك الشعبي والحزبي العربي في داخل الخط الأخضر تضامناً مع غزة رغم محاولات أسرلة الأقلية العربية -، أكد بأن ثمة وحدة وطنية فلسطينية تترسخ على الدوام في مراحل الكفاح الوطني كافة على امتداد فلسطين التاريخية وصولاً إلى مخيمات اللجوء المختلفة.
لقد واجهت الأقلية العربية داخل الخط الأخضر مخاطر جمّة، أقلها الحكم العسكري الإسرائيلي في عقد الستينات من القرن المنصرم، والآن باتت تواجه هجمة عنصرية آخذة بالصعود من قبل أحزاب وشخصيات إسرائيلية عنصرية. وقد اتبعت السلطات الإسرائيلية منذ عام 1948 سياسات استهدفت قطع أوصال الأقلية العربية في إسرائيل مع محيطها العربي، كما حاولت في الوقت نفسه استيعابهم ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي، ولكن على هامشه، وعملت تلك السلطات جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وأخرى غربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.
مرّت الأقلية العربية في داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2014، وتميّزت الفترة الأولى (1948-1966) وهي فترة الحكم العسكري الإسرائيلي باستصدار إسرائيل أربعة وثلاثين قانوناً لمصادرة الأراضي العربية سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو من أصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرون الغائبون، والذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها، فعلى سبيل المثال لا الحصر: جزء من أهالي قرية صفورية في قضاء الناصرة يقطنون بالقرب من قريتهم التي طردوا منها عام 1948 ويمنعون من العودة إليها، ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين بنحو 250 ألف عربي فلسطيني. وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في آذار 1976 حيث تمت مصادرة إسرائيل لنحو 21 ألف دونماً من قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث في العام المذكور، وعلى خلفية ذلك قامت الأقلية العربية في أرضها بانتفاضة يوم الأرض في الثلاثين من آذار 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من القرى المذكورة، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة في داخل فلسطين التاريخية والشتات، تتجسد فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض وضد مصادرتها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وتبعاً للاستمرار في مصادرة الأراضي العربية من قبل الجيش الإسرائيلي تحت حجج وضرورات الأمن وغيرها تراجعت ملكيات الفلسطينيين، وعلى الرغم من ارتفاع مجموعهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون وخمسمئة ألف فلسطيني في عام 2014، يمثلون نحو 20 في المئة من سكان إسرائيل، بيد أنهم لا يملكون سوى 3 في المئة من الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل. هذا في وقت تعاني الأقلية العربية من تمييز إسرائيلي واضح، في مجالات العمل والتعليم وموازنات البلدات العربية، ففي حين بلغت معدلات البطالة بين اليهود في سوق العمل الإسرائيلي إلى ما بين 8-9 في المئة خلال الأعوام الأخيرة، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب لتصل إلى نحو 20 في المئة، وبسبب ضعف الخيارات، فإن 44 في المئة من الأطفال العرب يرتادون رياض الأطفال، في مقابل 95 في المئة للأطفال اليهود في سن ثلاث سنوات، ويعاني أكثر من ربع الأطفال العرب داخل الخط الأخضر من ظاهرة الفقر المدقع، وفي السياق نفسه يحرم العربي من العمل في القطاعات الإسرائيلية الاستراتيجية، خاصة العسكرية منها، ونتيجة التمييز في موازنات التعليم ارتفعت معدلات الأمية بين العرب خلال الأعوام الأخيرة لتصل إلى 12 في المئة، مقابل 5 في المئة بين اليهود، ومحاولة منها لتهويد الأراضي العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل بغية كسر التركز العربي في المنطقة المذكورة، وذلك عبر مسميات مختلفة في المقدمة منها ما يسمى مشروع تطوير منطقة الخليل، ومشروع نجمة داود لعام 2020، حيث تهدف تلك المشاريع وغيرها إلى الإخلال في التوازن السكاني لصالح المستوطنين اليهود في المنطقة الشمالية، التي تضم مدن الجليل، مثل الناصرة وحتى وادي عارة.
لقد أرّق التمركز الشديد للأقلية العربية في تجمعات محددة من المنطقة التي أنشئت عليها إسرائيل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كافة منذ عام 1948 وحتى العام الجاري 2014، حيث بقي التمركز على حاله كما كان سائداً في الخمسينات من القرن العشرين.
وبالنسبة للتوزع الجغرافي للأقلية العربية، فإن الدراسات المختلفة تشير إلى توزيع العرب داخل الخط الأخضر على ثلاث مناطق رئيسة هي: الجليل والمثلث والنقب، ويقطنون في تسعين قرية وبلدة، وأربعة مخيمات وذلك بعد هدم نحو 385 قرية عربية بشكل كامل، وهناك نحو 260 ألفاً من العرب داخل الخط الأخضر هم لاجئون في أرضهم، في حين كان عددهم نحو 45 ألفاً في عام 1950، وفق معطيات تقارير الأونروا عند انطلاق عملها.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر شارك في مراحل العمل الوطني الفلسطيني كافة وفق تعبيرات مختلفة ممكنة، كان من أهمها التعبير عن الوحدة الوطنية في بداية انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول 2000، وقبل ذلك خلال الانتفاضة الأولى التي انطلقت في نهاية عام 1987، وكذلك خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة التي ما تزال فصوله مستمرة منذ فجر يوم الثلاثاء 7/7/2014.
المصدر: نبيل السهلي، المستقبل