القدس للأنباء - خاص
كشف مؤتمر "إعادة إعمار غزة" الذي عقد في القاهرة يوم أمس الاحد عمق الهوة بين ما يطلبه الغزيون، وبين ما يتوخاه المانحون الذين شارك معظمهم بالعدوان "الإسرائيلي"، عمليا من خلال تقديم السلاح والمساعدات المالية "لإسرائيل"، ومعنويا من خلال التغطية والصمت المريب طوال 51 يوماً.
***
بعد نحو شهرين على وقف إطلاق النار الذي أنهى عدوانا "إسرائيلياً" تدميرياً استمر 51 يوما على قطاع غزة، أدى لاستشهاد أكثر من الفي شهيد، وجرح نحو 12 الف مواطن فلسطيني، جلهم من النساء والاطفال والشيوخ، وتدمير عشرات آلاف الشقق والمصانع والمؤسسات والمساجد والمدارس، وتشريد نحو نصف مليون من سكان القطاع الذين واجهوا حر الصيف وسيواجهون لاحقاً برد الشتاء بدون مأوى...
بعد نحو شهرين من توقف العدوان، التأم عقد "مؤتمر الدول المانحة" في القاهرة يوم امس الاحد، برعاية مصرية نرويجية، وبحضور أكثر من 50 دولة و20 منظمة دولية، شارك معظمها بالحضور الميداني المباشر وبالصمت المطبق في تدمير القطاع وسقوط هذا العدد الكبير من الضحايا على مدى 51 يوماً...
وقد كشفت التصريحات المتعددة الجنسيات المواكبة للاعمال التحضيرية لمؤتمر "إعادة إعمار غزة" والكلمات التي القيت في جلسات المؤتمر، عمق الهوة بين ما يريده ويطمح اليه الغزيون، وما تضمره الدول المانحة، عامة، وتلك المتحكمة بمسارات المؤتمر ونتائجه القريبة والبعيدة، والتي وضعت "إسرائيل" "مبادئه وضوابطه، لجهة ضمان أن يكون وفق إيقاع وآلية تضمن بموجبها "إسرائيل" عدم استفادة المقاومة من المواد المفترض دخولها الى القطاع" على حد زعم وزير خارجية "اسرائيل" افيغدور ليبرمان.
فما يريده الفلسطينيون واضح وضوح الشمس وعبَّرت عنه تصريحات كافة المسؤولين أثناء العدوان الصهيوني وخلال جولات المفاوضات غير المباشرة التي رعتها القاهرة، وهي تختصر برفع الحصار عن قطاع غزة؛ وإعادة إعمار ما دمره العدوان؛ إضافة الى إنشاء الميناءين الجوي والبحري، وتوسيع مساحة الصيد البحري لعمق 12 ميلا؛ وإيجاد ممر آمن بين القطاع والضفة المحتلة؛ وإطلاق سراح أسرى صفقة "شاليط"...
في حين أن الادارة الاميركية، ومعها الإتحاد الأوروبي والمنظومة الدولية فتسعى لتعزيز التهدئة وفق المفهوم "الاسرائيلي"، واستثمار المؤتمر وربط نتائجه المتوقعة من إعادة بناء وإعمار وفك حصار بضرورة استئناف مفاوضات التسوية بين الجانبين: "الإسرائيلي" والفلسطيني، وتعزيز "بيئة مؤاتية للسلام" كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بكلمته.
وهذا المحور الدولي و"الإسرائيلي" و"العربي" يراهن إضافة لما تقدم، على مقايضة وقف توجه محمود عباس وسلطته إلى المؤسسات الدولية مقابل عودتها الى قطاع غزة، وإشراف أجهزتها الأمنية على المعابر، واستعادة سلطاتها كاملة، واعتمادها ركنا اساسيا في إدارة عملية إعادة البناء والإعمار!.. في محاولة خبيثة لمحاصرة القوى المقاومة ووقف تسليحها وتحجيمها، وهو ما عجز عن تحقيقه عدوان الـ51 يوماً. وهذا الامر كان عنوان ومضمون التصريحات التي أطلقها العديد من رؤساء ومسؤولي "العالم" ابتداء من باراك اوباما إلى اصغر مسؤول في الاتحاد الاوروبي، والتي واكبت وقف إطلاق النار والحديث عن إعادة البناء والإعمار. والتي أكدت على ضرورة وأهمية توأمة غزة ما بعد العدوان بوضع الضفة الغربية لجهة سريان حالة من الامن والاستقرار الذي يضمنه التنسيق الامني "الاسرائيلي" "الفلسطيني" ويرعاه الجنرال الاميركي دايتون!..
حضور "إسرائيل" في المؤتمر
صحيح أن لا وجود لوفد "إسرائيلي" داخل أروقة المؤتمر، إلا أن حضورها كان واضحا في مجمل الخطابات والكلمات التي أطلقت، والتوجهات التي شددت على اهمية تعزيز التهدئة وفق المفهوم "الاسرائيلي"، وربط إعادة البناء والإعمار بآليات وصيغ يتم الاتفاق بشانها مع العدو الصهيوني، وبما يحول دون وصول مواد البناء الى قوى المقاومة... وهو ما يعني بالمحصلة النهائية مساواة الضحية بالجلاد، بما يكرس المنطق الذي أطلقه بعض قادة الدول وعبرت عنه بعض القرارات الاممية التي ساوت بين المحتل وعدوانه ومجازره البشرية التي طالت الآلاف من المدنيين وتدميره الممنهج للأحياء والمؤسسات والمساجد، وبين مقاومة الشعب الفلسطيني التي منحتها الشرائع الدينية والدنيوية الحق في الدفاع عن نفسها ومقاومة الإحتلال بكافة الاشكال بما فيها السلاح لتحرير أرضها.
إضافة لذلك فقد كشفت صحيفة هآرتس، أن الغياب "الاسرائيلي" عن مؤتمر القاهرة جاء "بطلب مصري من أجل إنجاح المؤتمر وعدم التأثير على حضور دول عربية...". علما ان "إسرائيل" كانت قد شاركت في الجلسات التي سبقت المؤتمر، وتحديداً حينما قدمت حكومة "التوافق" خططها للإعمار في نيويورك.
وكان القيادي في "حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين" خالد البطش قد دعا في تصريح له الى "عدم المساواة بين الضحية والجلاد، كما يسوق وزير الخارجية الاميركية". مؤكدا ان الدول الحاضرة اليوم في القاهرة هي التي غطت بصمتها العدوان "الاسرائيلي" ... وهي التي اعطت الفرصة للعدو لتدمير عشرات آلاف الشقق والمصانع والمؤسسات... وحذر من تحويل الاموال الى الخزينة "الإسرائيلية" من خلال شراء مستلزمات غعادة الإعمار ومواد البناء"!..
وعود كثيرة... ولكن
كثيرة هي الوعود التي يطلقها رؤساء الوفود المشاركة بمثل هذه المؤتمرات، إلا أن القليل منها ما يصل إلى ميادين فعلها والى مستحقيها... ولنا في عشرات المؤتمرات التي عقدت من اجل القدس ومقدساتها، ودعم الفلسطينيين تحت الاحتلال النموذج والمثل، إلا أنها ظلت في معظمها حبرا على ورق، لا بل إنها لم تساوِ قيمة الحبر الذي كتبت به.
لذلك فإن الغزيين، الذين مضى على حصارهم وقهرهم اليومي المتواصل أكثر من سبع سنوات، وتعرضوا خلالها لثلاثة حروب "إسرائيلية" تدميرية قاتلة، من حقهم تغليف تفاؤلهم بطبقة كثيفة من الشك والريبة، وأن "لا يقولوا فول حتى يصير بالمكيول"، خاصة وأن التجارب السابقة غير مطمئنة، والمبالغ المرصودة اليوم والتي قدرت حتى الآن بمليار و400 مليون دولار هي أقل من نصف الكلفة المقترحة لاعادة البناء والاعمار...
وجاءت الوعود الجديدة على لسان وزير خارجية قطر خالد العطية، بتقديم مساعدات قدرها مليار دولار لتكون بذلك أكثر المانحين سخاء حتى الآن. واعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي ان الدول الاعضاء فيه ستقدم في الإجمالي 450 مليون دولار خلال العام 2015 للفلسطينيين. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ان بلاده ستقدم 212 مليون دولار مساعدات إضافية للفلسطينيين. وتعهدت الكويت بتقديم 200 مليون دولار على 3 سنوات (!...) غير ان المانحين أعربوا بوضوح عن مخاوفهم من ان تذهب مساعداتهم سدى مرة اخرى اذا لم يتم التوصل الى تسوية دائمة للصراع.
إن قطاع غزة الخارج من ثلاثة حروب "إسرائيلية" تدميرية، في سباق محموم بين ما يريده ويسعى إليه الغزيون، وبين ما يتوخاه المجتمع الدولي، الذي كان ولا يزال يغطي العدوان والمجازر "ألإسرائيلية" وهو اليوم مشغول، ويضع كل إمكانياته وجهوده المادية والمعنوية ، العسكرية والسياسية، وإلى أجل غير مسمى بالحرب المفتوحة على "داعش"، والتي يتوقع لها الضالعون فيها أن تستمر عشر سنوات بحدها الأدنى!..