/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

تحديث الأزياء الشعبية لحث الجيل الجديد على لبس المطرزات الفلسطينية

2014/09/25 الساعة 08:36 ص

بيت لحم – «القدس العربي»: لا شك في أن الزي الشعبي الفلسطيني، وهو جزء من الأزياء الشعبية لبلاد الشام عامة، يعد من الإرث التاريخي، وجزءا من حضارة الفلسطينيين. فالتطريز الفلسطيني، بنقشاته المتعددة، وألوانه المختلفة، يعود لآلاف السنين، وخلال السنوات الخمس الأخيرة، جرى تحديث الكثير من هذه الأزياء، وأُدخلت إلى عالم التطريز الفلسطيني مجموعة من التقنيات والتصاميم الحديثة، حيث تم صنع قطع حديثة مطرزة تتناسب مع مختلف الأذواق، والأعمار، ولم يعد الأمر مقتصرا

على الأثواب فقط
ورغم أن التطريز يعود للعصر الكنعاني في فلسطين، إلا أن الأثواب الفلسطينية والمطرزات، تلقى رواجاً كبيراً في فلسطين وخارجها، ويزداد الطلب عليها يوماً بعد يوم، خاصة وأن كل مدينة أو قرية فلسطينية، كانت تُعرف من ثوب نساءها ونقشاته المختلفة، وألوانه الخاصة، ونوع قماشه.
وكان الثوب الفلسطيني يميز كل منطقة عن الأخرى، ما يجعلك تعرف طبيعة سكان المنطقة، وحتى وضعهم المادي والاقتصادي، فمنطقة الساحل، بحسب الكتب التاريخية التي كُتبت عن فلسطين وتاريخ الأزياء والتطريز الفلسطيني فيها، يمتاز ثوبها بخليط يوناني، فيما يخلو الثوب الجبلي من التطريز بسبب عمل النسوة في الزراعة وعدم توفر الوقت لديهن للتطريز، بينما يمتاز ثوب منطقة بئر السبع ووسط فلسطين بغزارة التطريز بسبب توفر الوقت.

الزخارف والألوان ودلالاتها
أما الزخارف المختلفة في التطريز، والألوان بشكل عام، فتدلل على المدينة الفلسطينية الخاصة بهذا الثوب أو ذاك، فالأحمر النبيذي لمدينة رام الله، والأحمر البرتقالي لبئر السبع، والزخارف والتطريز الموجود على كل ثوب تعكس البيئة المحيطة من أشجار وجبال وتراث لكل مدينة فلسطينية.
ورغم تنوع الأثواب من منطقة إلى أخرى، إلا أن بيت لحم امتازت بالتنوع الكبير لأثوابها، فهناك الثوب الفلاحي البسيط، الذي يتميز بالتطريز على منطقة الصدر، فيما هناك ثوب العروس، الذي يمتاز بكونه مصنوعا من الحرير، ويمتاز بكثافة التطرير، من صدره، وعلى الجوانب، وأكمامه الواسعة المليئة بالتطريز.
أما أكثر ما يميز ثوب بيت لحم، فهو غطاء الرأس الطويل الذي يسمى «الشطوة»، ويكون عادة مرصعاً بالعملة الذهبية والفضة، حيث كانت المرأة الفلسطينية تتزين بوضعه على الرأس وقت عرسها وهو جزء من المهر المقدم لها. ورغم كل هذا التاريخ، ورغم السنين الطويلة التي مرت على الزي الشعبي الفلسطيني، إلا أن الحداثة، لا بد أن ترافق وتواكب هذا التاريخ، كي لا يندثر، ورغم صعوبة وعوائق التجربة، إلا أن الفكرة تستحق المغامرة، وهو ما قامت به مصممة الأزياء الفلسطينية الشابة خولة الطويل وهي من بيت لحم، حيث بدأت بتطوير تصاميم الثوب الفلسطيني، ليلائم كافة الفئات العمرية، مع المحافظة على التطريز الفلسطيني الأصيل، بلمسته الجمالية، وألوانه الزاهية، وبالإبقاء عليه كزي يومي يستخدم في كل الأوقات والمناسبات.

الثوب الفلسطيني بلمسة محدثة
«القدس العربي» زارت مصممة الأزياء الفلسطينية، وتحدثت معها عن هذه التجربة التي تعد فريدة من نوعها، خاصة وانها لاقت رواجاً كبيراً ليس في بيت لحم وحسب، وإنما في مختلف المدن الفلسطينية، وحتى في حيفا ويافا وعكا والناصرة، وغيرها من المدن الفلسطينية التي تعشق تراثها، وأصالة حضارتها.
خولة تعمل في مشغل ضّيق شُيد فوق منزلها، لكن المساحة لا توقف خيالها الواسع، ولا تخفي حلماً لطالما أرادت أن تعيشه، فهو إرث كبير جداً، لكن أي شيء دون تحديث بالنسبة لها قد يموت في نهاية المطاف، فتمردت على التفاصيل، والألوان، وأخرجت لوحات تتنافس الإناث على الفوز بها في هذه المناسبة أو تلك.
عاشت خولة كباقي الفلسطينيين إبان الانتفاضة الأولى، والدها كان قد اعتقل ودخل سجون الاحتلال ثلاث مرات متتالية، وكانت الحياة آنذاك صعبة للغاية، وتربت بين ثلاث أخوات وأخ هو الأصغر، ورغم الحياة المحافظة التي عاشتها، إلا أنها وبعد الإنتهاء من دراستها الثانوية التحقت بأول معهد للأزياء في الأراضي الفلسطينية، ما كان يعتبر شيئاً شديد الغرابة، وخروجاً عن المألوف، أو على الأقل بعض العادات والتقاليد، خاصة أنه افتتح بعد الانتفاضة الأولى، لكنها أصرت على وجود موهبة، وأرادت صقلها بكل الطرق الممكنة، مبقية على فلسطينيتها أمام أعينها حتى في هذا العمل الفني البحت، الذي يجب أن تواكب فيه تطور العالم وأزيائه وألوانه، بينما تريد لهذه الأزياء أن تلبس في مجتمع فلسطيني محافظ.
أرادت خولة أن تضع لتجربتها اسماً، يليق بتاريخ الأزياء الفلسطينية، ويؤكد أنها تنتمي لهذا التاريخ العريق، فاختارت أن يكون اسمها «بنت البلد»، ولأنها لا تمتلك إمكانيات مادية لإفتتاح دار للأزياء بمعناها الحقيقي، تعمل في غرفة لا تزيد مساحتها عن عدة أمتار، وهي متزوجة ولها ثلاثة أطفال. خولة الطويل تحدثت عن تجربتها، والخوف الكبير الذي تملكها في بداية إنطلاق حلمها، لأنها كانت تنوي الدخول إلى سوق يكون فيه الإرث التراثي غنيا جداً، لكنه للأسف ومع تطور الحياة والأزياء خاصة بالنسبة للفتيات، أصبح الزي التراثي الذي عرفت به فلسطين بأثوابها المطرزة بكل الألوان أمرا شبه مفقود من المعنى الإستلاكي في المجتمع، حتى أنه يكاد يختفي من المناسبات الخاصة جداً قبيل الزفاف، وخاصة اليوم المعروف «بالحناء» الذي يقام للعروس قبل زواجها وتوجهها إلى بيت الزوجية.
وتقول خولة «أردت أن أعيد للتراث رونقه كما عندما كان في عصره الذهبي» ولهذا بدأت أولاً بتصميم أحدث الملابس بحسب الموضة العالمية، وألوانها الخاصة بكل فصل، بعد ذلك، قمت بإدخال اللمسة الفلسطينية على هذه التصاميم، ما يمكن أي فتاة أو إمرأة فلسطينية أو عربية من لبس هذه الأزياء، التي من الممكن ان يجري ارتداؤها يومياً أو في المناسبات الخاصة، نهاراً أو ليلاً، لكن جميعها تحوي لمسة «التطريز» اليدوي، مستعينة بذلك ببعض النساء اللواتي ما زلن يعملن في هذا المجال، لكسب رزقهن وقوت عائلاتهن في ظل صعوبات الحياة اليومية في فلسطين، وسوق البطالة الكبير، وتحديداً في مناطق الريف الفلسطيني، حيث ورثت نساء الريف حرفة التطريز من الأمهات والجدات، ويقمن حالياً بتوريثه للأجيال الجديدة.

ثوب «الحناء» يعود مجددا
ردة فعل الأهل وبعض الأصدقاء من حولها، وقبولهم بهذه التجربة، أدخلت السعادة الكبيرة لقلب خولة، وكانت أكثر سعادة عندما بدأت تبيع بعض القطع التي أنتجتها، خاصة المتعلقة بأثواب «الحناء» التي أصرت على إعادة انتاجها بطريقة محدثة ومعاصرة، ما جعل معظم الفتيات من اللواتي على وشك الزواج، يأتين إليها ويطلبن تصاميم خاصة لهن، كل حسب رغبتها وما يناسبها.
النقلة النوعية الأولى مثلما تحدثنا خولة، كانت عندما جرت دعوتها، لتقديم فقرة كـ»عرض للأزياء» ضمن أمسية رمضانية قبل عدة أعوام في مدينة رام الله، وكان الخوف سيد الموقف، فالحضور سيكون من كافة الأعمار والخلفيات الثقافية والاجتماعية في البلد، إلا أنها أصرت أن تعرض ما هو متعلق بالتراث الفلسطيني وبشكله الحديث، رغم أنها كانت تعتبرها مغامرة لأنها لا تزال في أول الطريق. ومع بدء ظهور العارضات من الشابات الفلسطينيات، اللواتي يلبسن تصاميم خولة «بنت البلد»، المطرزة والحديثة، حتى بدا الجمهور متفاجئاً إلى حد كبير، لكن الصدمة كانت عندما رأوا ثوب العروس الأبيض وهو يحمل «تطريزا فلاحيا» مصنوع يدوياً، ليبدأ التصفيق الحار، وتظهر الإبتسامة على وجوه الحاضرين، وسط الإندهاش لما شاهدوه، ما جعلها ترتاح قليلاً وتؤمن بنجاح تجربة كانت الأولى في فلسطين في مجال تحديث التراث على مستوى الأزياء.
ابتكارات مصصمة الأزياء الفلسطينية خولة الطويل، لم تتوقف عند تحديث الأثواب والفساتين، بل تعدتها إلى أقمشة «الجينز» إضافة الى تصاميم خاصة بالحقائب النسائية بكافة أشكالها وألوانها، بلمسة من التطريز تناسب كل ما قد تفكر به المرأة في يومها العادي، خلال العمل أو في المنزل، أو في مناسباتها خاصة، فيما ذهبت أيضاً نحو الاكسسوارات، مثل «قرط الأذن» و»الأسوارة» ما شكل تمرداً إلى حد بعيد.
ورغم أن خولة تريد لمنتجاتها أن تكون فلسطينية بشكل كامل، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي، يقف مجدداً في الطريق، فأحياناً لا تتوفر كافة أنواع الأقمشة في السوق الفلسطيني، والحصول عليها أو استيرادها من قبل التجار الفلسطينيين، بحاجة للدخول إلى إسرائيل، والحصول على تصاريح خاصة لهذا الأمر، وهو ما يعطل عملها في بعض الأحيان، أو يجبرها على التوجه شرقاً باتجاه الأردن، رغم تكلفة الرحلة وعنائها، وإن كانت ليوم واحد فقط.
وقارنت خولة ما يتاح لمصممي الأزياء العرب بشكل خاص، ويحرم منه مصمم الأزياء الفلسطيني، فقط لأنه يريد أن يبدع وسط عالم مغلق تماماً، فرض واقعه الاحتلال الإسرائيلي على أي نوع من الإبداع الفلسطيني. وخولة كغيرها من الفتيات الفلسطينيات، بَنت لنفسها حُلماً، ويتلخص بالوصول إلى «العالمية» وأن تستطيع الوصول لسوق مفتوح كل شيء فيه متاح، بدون تعقيد أو تقييد، فيه كل ما يلزم هذه المهنة أو هذا الفن كما تصفه، وأن تحصل على فرصة واحدة تستطيع فيها عرض ما إبتكرته من أزياء في إحدى عواصم الأزياء العالمية.

نبذة عن التطريز الفلسطينيِ
في دراسة نشرتها مؤسسة القدس للثقافة والتراث جاء ان فن التطريز الفلسطيني يعتبر أحد الفنون الشعبية التي مارسها الإنسان الفلسطيني في المراحل المختلفة، وتوارثته الأجيال وما زالت مضيفة ومجددة ومحسنة، فالتطريز الذي شكل جزءا هاما من حياة المرأة الفلسطينية، تستعمله لتزيين الأقمشة والثياب.
وقد تكرست مع الوقت مجموعة من وحدات التطريز التي شكلت في الغالب حديقة من الورود والأزهار والطيور منثورة على قبة الثوب والقماش. وتنوعت وحدات التطريز من حيث الشكل والخيوط، وهي بجملتها آية في الجمال وتدل على حضارة عريقة تمتد حتى الكنعانيين؛ إذ تتشابه وحداتهم الزخرفية حسب الصور القديمة والتي تصور الناس، وتعتمد الوحدات التطريزية وطريقة تنسيقها على الثوب، الموروث التي تتعلمه الأجيال من الأجيال التي سبقتها.

تطريزات فلسطينية
لكل تطريز فلسطيني خصوصية باللون أو الشكل أو الاستعمال، فقد كان للثوب الفلسطيني أكثر من مجال استعمال وتستطيع أن تميز بينها من اللون وشكل التطريزات ومن الأثواب الفلسطينية: ثوب العمل، ثوب الصبية، ثوب العجوز، ثوب المواسم والأعياد.

ثوب الخليل:
اشتهر في مدينة الخليل الثوب «القروي» المنسوج يدويا بالنول الذي يصبغ بالنيلة الزرقاء خاصة في القرى، حيث كان القرويون يأتون المدينة للتسوق وشراء الأقمشة من سوق الجمعة، وقد اشتهرت قرى الخليل بأثوابها وتطريزها المتميز بكثافته وتعدد ألوانه ورسوماته. ومن أشهر قرى الخليل: يطا، دورا، السموع، إذنا، حلحول وبيت جبريل.

الثوب التلحمي:
ثوب عريق حيث كان خاصا بملكات فلسطين الكنعانيات. وهو ثوب مخطط بخيوط داكنة ومعظمها يميل إلى اللون البني المحمر، تعرض هذا الثوب العريق في وقتنا الحاضر إلى السرقة والتزييف من قبل المؤسسات الغربية وإسرائيل.

ثوب يافا:
ثوب يافا غاية في الإتقان والدقة والأناقة، حيث نلاحظ وحداته الزخرفية محاطة برسومات شجر السرو التي تحيط بيارات البرتقال، وقد اشتهر ثوب بيت دجن بتطريزه الرائع، وقد اشتهر الثوب باسم الدجني نسبة إلى المدينة. وقد ضم التقليد عددا من القرى المجاورة منها: سلمة، السافرية، يازور، النعاني وصرفند.

ثوب بئر السبع:
نسوة بئر السبع ناسجات ماهرات، فهن يغزلن الصوف ويلوننه ويحكنه، ويغزلن على النول الأرضي خياما، وبسطا وحقائب مزخرفة بأنماط هندسية مثلثة. وتخاط أثواب نساء القبيلة من قماش أسود وهو أعرض بكثير من أثواب المناطق الأخرى؛ حيث يزين القسم الأسفل من واجهته الأمامية بالتطريز الفلاحي؛ بحيث يعكس الحالة الاجتماعية للمرأة السبعاوية؛ فالعروس البكر تزين ثوبها باللون الأحمر، والأرملة تزين ثوبها باللون الأزرق، ومن مميزات الثوب السبعاوي الحاشية العريضة لأسفل الثوب المحلاة بغرزة «المد» من الأزرق والأحمر، ويطرز غطاء للرأس، والوسائد. من أشهر قبائل بئر السبع: النباهين، والرمادين، وأبو مدين.

الثوب الغزي:
اشتهر الثوب الغزي برسوماته التطريزية المميزة، ذو الوحدات الهندسية الكبيرة، حيث كانت مدينة المجدل مركزا للنسيج، تزود به كافة قرى فلسطين لغاية سنة 1948. وكان للقماش الغزي المصنوع من القطن والكتان كناراً وحاشية مميزة من الحرير الملون المخطط، حيث كانت الأقمشة تسمى بألوان خطوطها، حيث سمي القماش المقلم بالأخضر والأرجواني ًالجنة والنار. ً ومن ضمن قرى غزة التي اشتهرت في التطريز: أسدود، حمامي، كوكبة، المسمية، بيت لاهية، جباليا، وهربية.

 

المصدر: القدس العربي
 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/64674

اقرأ أيضا