يشكل وجود البدو بين سفوح الأغوار وتلالها ووديانها عائقا امام مشاريع التوسع الاستيطاني والسيطرة على الأرض ومصادر المياه في الأغوار، سلطات الاحتلال "الإسرائيلية" طرحت بدائل تعتبر الأخطر ضد الوجود الفلسطيني في الأغوار، بخطة ظاهرها تطويري وجوهرها سيطرة "ا
سرائيل" ومستوطنيها على المزيد من الأرض الفلسطينية ومصادر المياه، عبر تهجير مخطط للبدو من مناطق تواجدهم التي ينتشرون فيها منذ مئات السنين، و”اسكانهم” في بلدات ستكون اشبه بـ“المحميات الطبيعية” التي كانت من نصيب “الهنود الحمر” في أمريكا وهي مناطق معزولة عن المجتمع الأمريكي الأبيض ضمن سياسة عنصرية لم يعرف التاريخ البشري نماذجا شبيهة له (الا في اسرائيل المعاصرة طبعا) وسيكون مصير البدو نسخة اخرى للإستيطان “الأمريكي الأبيض” في فلسطين، كل الدلائل تشير الى انه اكثر بشاعة من سابقه التاريخي – الأمريكي!! الاحتلال لا يستعمل اصطلاح “محميات طبيعية” يعزل فيها البدو الذين يشكلون حجر عثرة في طريق التوسع الاستيطاني والسيطرة على المزيد من الأرض الفلسطينية. عقلية الاحتلال اوجدت اصطلاحا جديدا “خطة اعادة التموضع″ التي تم اقرارها في عام 2011.. وتنفذ على مراحل كي لا تثير ضجيجا يكشف عمق الخطط الاستيطانية للاحتلال، المضحك ان سيطرة "اسرائيل" على مصادر المياه، لا يثير نفس موجة الغضب الذي يثار من السيطرة على الأرض ومشاريع البناء.. رغم ان للمياه قيمة استراتيجية أكثر خطورة من احتلال الأرض!! تقوم جرافات الاحتلال منذ سنوات وبحراسة حرس الحدود والجيش وبوجود ممثلي الادارة المدنية، بتنفيذ عمليات اخلاء تهدم فيها منازل البدو وخيامهم، ويلحقون الصرر بأطفالهم خاصة، ويضيقون عليهم مناطق المراعي للمواشي، ويصادرون خيم الطوارئ التي تتبرع بها منظمة الصليب الحمر الدولية ومنظمات مساعدة انسانية أخرى. ويفرض جيش الاحتلال حصارا، لمنع وصول المساعدات الانسانية الأولية، تفحص كل المركبات التي تعبر الشوارع المحاذية لمناطق البدو التي تتعرض للهدم للتأكد من خلوها من أي مواد مساعدة للمهجرين عنوة.. وحتى خزانات المياه توقف وتسكب الماء على الأرض. الحجة المعلنة لتغطية هذه العملية هي “تدريبات عسكرية”. منذ عام 2012 تكررت هذه التدريبات ثماني مرات، كان الجيش يأمر الرعاة والمزارعين ترك المنطقة “مؤقتا” حتى “لا يلحق بهم الأذى”؟! حسب تقارير مختلفة صدرت عن مركز القدس للمساعدة القانونية؛ تعمل الادارة المدنية "الإسرائيلية" على بلورة خطة الاقتلاع منذ العام 2011، البعض أطلق على هذه العملية صفة “عملية تطهير”، هناك مؤشرات لتطبيقها الفوري، اوقفت العملية مؤقتا وقت المفاوضات و”الإستجداء” الأمريكي من "اسرائيل"، الى جانب تعرض سلطات الاحتلال لضغوطات من قبل المحاكم "الإسرائيلية" والاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية لايجاد بدائل للبدو الذين يتم ترحيلهم (تطهير ارضهم منهم) وهدم منازلهم بعد ان فقدوا حق التنقل، مركز القدس للمساعدة القانونية أوضح في وقته ان الادارة المدينة للإحتلال طرحت بدائل لتجميع البدو في مساحات محددة ضمن المناطق المصنفة “ج”، الا انها لا تلبي احتياجات البدو ونمط حياتهم. بغض النظر عن موعد العودة لتهجير البدو، التي يعلن عنها في هذه الأيام ، حيث وضعت المسالة الفلسطينية بالثلاجة بانتظار الانتهاء من الحرب ضد (داعش)، يمكن القول ان المرحلة الاولى تشمل تطهير ثلاث مناطق، الأولى قرب منطقة العيزرية المعروفة بمنطقة مكب النفايات التابعة لبلدية القدس، الثانية منطقة بالقرب من اريحا بما يعرف بتجمع النويعمة والثالثة في منطقة الفصائل الفوقا. هناك مناطق اخرى لنقل البدو اليها لم تعرف بعد. تشمل الخطة ترحيل 4 الاف مواطن في المرحلة الأولى، ولكن تبين ان الأماكن المقترحة لا تتسع لأكثر من 500 عائلة المزمع ترحيلها وتفتقد تلك المناطق لنمط الحياة البدوية ، مثل تربية المواشي والمراعي ومساحات للزراعة. المثير في الأمر ان ما يسمى مناطق نيران باتت تشكل 46% من مساحة الأرض في الغور، "اسرائيل" لا تكتفي بذلك، اذ اعلن الاحتلال عن 20% من الأراضي الفلسطينية في الغور منطقة طبيعية محمية، أي يمنع الدخول اليها وزراعتها او الرعي فيها او الاقامة فيها. حسب تقارير سبق نشرها في صحيفة “هآرتس″ جرى زرع الاف الألغام في المنطقة، هذا الى جانب مصادرة 2500 دونم زراعي من الفلسطينيين من اجل بناء السور الأمني. في الفترة الأخيرة أعلن عن مصادرة 4 الاف دونم باعلانها “اراضي دولة” النتيجة انه من مساحة 1.6 مليون دونم في الغور، تسيطر "اسرائيل" على 78% من الأرض. الجدير ذكره ان الغور هو أكثر المناطق هدوءا وأمنا للمستوطنين ولا يقوم الفلسطينيون “بمضايقات” للمستوطنين الذين أخذوا الأرض وسيطروا على أغلبية مصادر المياه ليطوروا زراعة نموذجية في ارض محتلة، بينما المزارع الفلسطيني يفتقد لمياه الري، مياهه، ويضطر للإنتقال للزراعة البعلية مما أضر برزقه أيضا وبالإقتصاد الفلسطيني عامة. بالمناسبة، نشرت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية قبل فترة غير بعيدة شكوى المزارعين الفلسطينيين بالقرب من المنطقة “ج” من القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال "الاسرائيلي" وضآلة مصادر المياه مما تعرقل النهوض بالزراعة وانه لا بد من ازالة هذه العوائق لتمكينهم من التحكم بارضهم ومزارعهم واقتصاد بلادهم. وكان البنك الدولي قد نشر تقريرا عن واقع المجتمع الفلسطيني تحت عنوان “المنطفة (ج) ومستقبل الاقتصاد الفلسطيني” جاء فيه ان "اسرائيل" تتحكم بقطاعات واسعة من اراضي الضفة الغربية، وهذا يحمل الفلسطينيين اعباء اقتصادية تقدر بـ 3.4 بلايين دولار في السنة، او ما يعادل 35 % من الناتج المحلي الاجمالي، حسب ما جاء في تقرير للبنك الدولي. جاء في التقرير ايضا ان رفع القيود على دخول المنطقة وعن مصادر المياه سيعزز كثيرا الزراعة. وتعود ملكية معظم الاراضي الزراعية في المنطقة “ج”، 326400 دونم، للفلسطينيين، مقابل187 الف دونم الحقت بالمستوطنات "الاسرائيلية". وقد اقيمت كل المستوطنات "الاسرائيلية"، التي تعتبر غير مشروعة بموجب القانون الدولي، في المنطقة “ج”. جدير بالتذكير أن ترحيل المواطنين الفلسطينيين من أماكن سكناهم تشكل خرقاً ومخالفة للشرعة الدولية لحقوق الإنسان ولبنود القانون الدولي الإنساني خاصة المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه “يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه “. ان تجاهل سياسة التطهير العرقي للإحتلال "الاسرائيلي" في فلسطين والتعامل الدولي معه بايدي ناعمة، سيقود الى ظواهر أكثر خطرا من (داعش) على الأمن العالمي!! ملاحظة: نفس السياسة تطبق كما يبدو ضد بدو النقب، والجدير بالذكر ان بعض القبائل البدوية في الأغوار هم لاجئين شردوا من وطنهم في النقب الفلسطيني عام 1948!! • كاتب فلسطيني من الناصرة المصدر: صحيفة راي اليوم الالكترونية
رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/64538