لا زالت الفلسطينية كفاح جندية تستذكر لحظات الموت المحقق الذي عاشت تفاصيله هي وأسرتها في منطقة القُبة بشارع المنصورة شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة، بعدما بدأت إسرائيل المرحلة الثانية من عدوانها الذي استمر لـ52 يوماً وهي مرحلة الدخول البري، الذي دمّرت خلاله أحياء كاملة في مختلف مناطق قطاع غزة الشرقية.
فقد نجت عائلة جندية التي من الموت بعدما قصفت مدفعية الاحتلال منزلها المكون من طابقين، إذ تقول "أم حلا" البالغة من العمر 43 عاماً، إنها في بداية الأمر لم تلق اهتماماً هي وأسرتها لتحذيرات وتهديدات الاحتلال للمواطنين الفلسطينيين التي كانت تصلهم عبر هواتفهم النقالة، والتي تطالبهم بالخروج من منازلهم والدخول إلى وسط مدينة غزة لأن الاحتلال سيدخل المنطقة "إذ إننا اعتدنا على الاحتلال وتهديداته مرّات عديدة، خلال الحروب السابقة التي شنها على غزة".
لكنّ جندية تداركت حقيقة هذه التهديدات عندما جاءت أسرة أقاربها من منطقة أخرى توغل فيها الاحتلال برياً شرق الشجاعية، ليحتموا في منزلهم قبل أن يُقصف، وتضيف: "حينها أيقنت أنّ الاحتلال بدأ بتنفيذ تهديداته التي أطلقها مراراً، وأصبحنا 30 شخصاً في المنزل، فبدأ الخوف والرعب يدب في الأطفال، ومساء الأحد 20 تموز 2014، بدأ الاحتلال يقصف المنطقة بشكل عشوائي وجنوني من الدبابات والطائرات، وأصبحت المنازل كلها مستهدفة".
وتتابع جندية: "جمعنا أنفسنا في زاوية صغيرة في الطابق الأول من المنزل رجالاً ونساءً وأطفالاً وشبانًا، وصارت الشظايا تتطاير في كل مكان في المنزل، أمام أعيننا، والصواريخ تتساقط على منازل جيراننا ولم نعلم عنهم شيئًا"، وتضيف: "صرنا نستمع لأصوات المدافع والصواريخ التي كانت تتساقط كالمطر في كل مكان".
وفي منتصف ليل الأحد، قصفت طائرات الاحتلال بصاروخين طائرة حربية من طراز F16 منزل جيرانهم الملاصق لمنزلهم تماماً، ودمرته بشكل كامل، وعائلة جندية لا تزال متواجدة في المنزل، وتقول: "قصفوا منزل جيراننا ونحن داخل المنزل، لا أعرف كيف أصف لك شدة صوت الانفجار، لكن الصواريخ أحدثت ارتجاجاً في منزلنا علاوة على الشظايا التي تطايرت في كل غرفة، حتى شعرنا أنه سينهار علينا من شدة القصف".
وتضيف كفاح التي استشهد زوجها في استهداف تعرض له عام 2011: "حينها كنا نعتقد أن منزلنا سيقصف ونحن بداخله وسنصبح في أعداد الشهداء، لكن مع اشتداد القصف قررنا الخروج من المنزل في الساعة السابعة صباحاً، وقسمنا أنفسنا إلى مجموعتين، كل مجموعة 15 شخص".
وتتابع: "بدأت أنا وأطفالي الثلاثة إضافة إلى 11 شخصاً من أفراد الأسرة أسلافي وأبنائهم وزوجاتهم الخروج، وسلكنا طريقاً فرعياً غير شارع المنصورة الرئيسي، إلا أننا تفاجأنا بقذيفة مدفعية تُلقى بجابنا، فعدنا إلى المنزل مرة ثانية، وبعد ساعات قررنا الخروج ثانية، وسلكنا طرقًا ترابية فرعية متعددة، وكنا نحتمي في بعض البيوت التي لم تقٌصف بعد حتى تمكنا من الخروج خارج حي الشجاعية، وبعد ذلك لحقت بنا المجموعة الثانية".
وتصف كفاح لحظات خروجهم من المنزل بالجنونية، إذ شاهدوا الشهداء وهم ملقون على جوانب الطرقات، والمنازل التي قُصفت وأصبحت أثرًا بعد عين، لكن ما لفت انتباهها قول طفلتها الصغيرة "حلا" التي لم تتجاوز الأربعة أعوام والتي لم تجد التحدث بعد حينما قالت: "حسبنا الله ونعم الوكيل" وهي تسير بجانبها بعد مشاهدتها لجثة طفل ملقى على جانب الطريق وقد فُصل رأسه عن جسده.
وتضيف: "لا أعرف كيف نطقت ابنتي بذلك وكنت مندهشة، لكن ما تعرضنا له في كل قطاع غزة، ربما يجعل الحجر ينطق".
وفي أحد مراكز الإيواء احتمت عائلة جندية التي عاشت تفاصيل معاناة التشريد بحذافيرها على مدار 52 يوماً من العدوان على غزة، حتى أُعلن عن وقف إطلاق النار، إذ عادت إلى منزلها لكنها وجدته مدمّر.
هذه التفاصيل، واحدة من روايات الناجين من مجزرة الشجاعية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين، صباح يوم الأحد 20 تموز 2014 وراح ضحيتها مئات الشهداء في أعنف هجوم إسرائيلي منذ سنوات، من بينهم أطفال ونساء ورجال ومسنين وشبان، ومئات الجرحى.
المصدر: النشرة