استفاد الإعلام الفلسطيني المُقاوم من دروس الحروب السابقة، خصوصاً بعد العدوان على غزّة العام 2008. ولم يعد عمله يقتصر على نشر تفاصيل العمليَّات الفدائيَّة، وصور الشهداء، ووصاياهم على مواقعه الالكترونيّة، بل بات أشبه بـ«سلاح ناعم»، خصوصاً خلال الحرب الأخيرة.
بدأ الإعلام المُقاوم مُتواضعاً مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر الثمانينيات، وبإمكانات بسيطة للغاية. كان يُرسل رسائله عبر شعارات وكلمات يخطّها على جدران المنازل، إلى جانب نشر إشارات وبيانات خاصة بالمجاهدين بألوان مُعينة على جدران المنازل والمدارس والمُستشفيات. وكان يهنئ الجماهير بالأعياد والمناسبات أيضاً عبر الجدران، ومن ثم انتقل إلى البيانات الورقيّة، ومن ثم إلى المؤتمرات والإذاعات المحليّة، وليس أخيراً الفضائيّات والشبكة العنكبوتيّة.
من أبرز المنابر المقاومة الإعلاميّة، إذاعة ومرئيّة «الأقصى» التابعتين لحركة «حماس»، وقد تعرّضتا للقصف "الإسرائيلي" خلال الحرب، لكنّهما واصلتا تغطية الأحداث الميدانيّة من مقار «سريّة». تمتلك الحركة وسائل إعلام أخرى، سخّرتها لإدارة الشق الإعلامي في معركة «العصف المأكول»، ومنها صحف «الرسالة»، وصحيفة «فلسطين»، وموقع «المجد الأمني». يتولّى الأخير مهمّة التوعية حول مخاطر جهاز المُخابرات "الإسرائيلية" (الشاباك)، ومحاولاته الحثيثة لتجنيد عملاء جُدد له في غزّة، وطرق الإسقاط المتنوعة، وكيفية تجنبها والإفلات منها. في حين يتولّى المكتب الإعلامي لـ«كتائب القسّام» نقل أخبار المجاهدين، وإنجازاتهم على أرض المعركة، والبيانات العسكريّة.
أبو حمزة
يقول العامل في مكتب «القسّام» الإعلامي أبو حمزة لـ«السفير» إنّه بالرغم من ضراوة المعركة، إلا «أنَّ جنود الإعلام المُقاوم تمكّنوا من نقل رسالة المُقاومة والقيادة العسكريّة من الميدان إلى الجمهور الفلسطيني والعربي، بالصورة والكلمة الصادقة، وفق خطّة مُحكمة تم إعدادها قبل المعركة». ويوضح أنَّ أغلب الاشتباكات والمهام العسكريّة خلال الحرب، «مُوثّقة بالصوت والصورة، خصوصاً عمليات إطلاق الصواريخ، والاشتباكات من المسافة صفر مع جنود الاحتلال، وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو ومنها عمليّة «نحال عوز» الشهيرة»، مُشيراً إلى أن «القسّام» زوّدت المجاهدين بكاميرات عصريّة مُثبّتة على رؤوسهم، لتصوير العمليات.
ويضيف أبو حمزة: «دورنا في المكتب الإعلامي التابع لـ«القسّام» هو ترجمة ما يحدث في أرض المعركة للجمهور، ونعمل كخليّة نحل كلٌّ في موقعه ومهمته، فجزء يهتمّ بمتابعة الإعلام "الإسرائيلي" وترجمة ما يُنشر فيه، وجزء آخر يختص بمونتاج الأفلام التي يتم بثها بين الحين والآخر، إضافة لأقسام الحرب النفسيّة، وتعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية، وكشف العملاء".
أبو البراء
تمتلك حركة «الجهاد الإسلامي»، عدّة وسائل إعلاميّة، منها إذاعة «القدس»، وشبكة «فلسطين اليوم» الإخباريّة، وصحيفة «الاستقلال»، بالإضافة إلى مكتب «الإعلام الحربي» التابع لـ«سرايا القدس»، الجناح العسكري للحركة.
يقول أبو البراء، وهو أحد العاملين في الإعلام الحربي لـ«السفير»: «نُجاهد من أجل عكس الصورة الحقيقيّة لواقع المعركة التي تخوضها المُقاومة مع الاحتلال، ورغم ضعف الإمكانيّات، إلا أننا تمكنّا من إيصال رسالة مُؤلمة للعدو، نكشف فيها زيفه وخداعه لجبهته الداخليّة الهشّة، عبر فيديوهات حصريّة لإنجازات المُقاومة، والتي كان الرقيب العسكري يحاول إخفائها، ومنعها عن الجمهور الإسرائيلي".
ويُضيف ابو البراء: «للإعلام الحربي أهميّة خاصة، فهو المُكمّل لدور المجاهدين في أرض المعركة، ولولا عمليّات التوثيق التي نقوم بها، لضاع الجهد الذي يبذله المجاهدون. إضافة إلى ذلك، فالمواد التي ننشرها من صوت وصورة تُعطي حافزاً قوياً للمجاهدين للثبات في المعركة، ومواصلة القتال، والتأثير في نفسيّة العدو".
ويُشير أبو البراء إلى أنّ الاحتلال "الإسرائيلي" أيقن بالدور البارز الذي يقوم به الإعلام الحربي التابع لـ«سرايا القدس» خلال المعركة، فأقدم على اغتيال القيادي صلاح أبو حسنين، وهو مسؤول الإعلام الحربي في مدينة رفح، في محاولة لإضعاف الجهاز أو زعزعته.
بتصرف عن صحيفة السفير اللبنانية