اوليفر مايلز- "الغارديان"
الحرب الجارية في غزة بين "اسرائيل" وحماس هي الثالثة خلال ست سنوات. وقضية فلسطين منفصلة عن مشكلات العراق وسوريا، التي تتصدر عناوينها الصحف اليوم، لكنها تواصل نشر السم.
"اسرائيل" تريد نزع سلاح غزة وحماس تريد انهاء الحصار وكلا الهدفين غير واقعي. ليس هناك وسيط فاعل، فكل من الاميركيين والمصريين يعتبرون حماس ارهابية. ان اميركا تسلح "اسرائيل" ومصر تتعاون مع "اسرائيل" في فرض الحصار. من العجب ان نرى طرفا يقبل بالتحدث الى طرف اخر. لقد طلب الفلسطينيون من السويسريين الوساطة لكن السويسريين لا يبدون متحمسين لذلك. من جهة اخرى، لا حماس ولا "اسرائيل" تكسب شيئا من القتال. في النهاية، سيثبت وقف اطلاق النار وتنتهي الحرب تدريجيا.
اعلن وزراء خارجية اوروبا ان الوضع الراهن في غزة ليس خيارا. هذا يتضمن حدوث تغيير. اي تغيير؟ لا نرى الا القليل منه على الصعيد الداخلي. فمعظم "الاسرائيليين" لا يتواصلون- ولا يفكرون بالتواصل- مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، ناهيك عن غزة. لقد تغير ذلك بالفعل قليلا مع سقوط الصواريخ من غزة الى مسافات ابعد، رغم ان فاعليتها العسكرية لم تتغير. حتى الان، تمثل الاثر التفسي في توحد "الاسرائيليين" وراء الحرب، لكن قد تتغير الامور على المدى البعيد مع احتمالية ان تزداد دقة الصواريخ.
على الصعيد الخارجي، نشهد تغيرا كبيرا. ألقت وسائل الاعلام الجديدة الضوء على الزلزال الذي صنعه الانسان في غزة. مع وجود كاميرات الهواتف الذكية في كل مكان، تصدمك مشاهد الرعب الان مباشرة. في اخر جولة، كانت معظم التعليقات متساوية على نحو مؤلم، اما هذه المرة لا تزال بعض الالسنة تتذرع بحاجة "اسرائيل" الى الامن ولكن حتى الرئيس اوباما وصف بعض الممارسات "الاسرائيلية" بان الدفاع عنها مستحيل. كما انطلقت احتجاجات في كل العالم على ممارسات "اسرائيل".
سيؤدي ذاك الى عواقب. منذ 2012، اعترفت الامم المتحدة بفلسطين بلدا مراقبا غير عضو. ولابد انها ستسعى اليوم لمحاكمة "اسرائيل" في المحكمة الجنائية الدولية. لن يكون هذا سهلا، نظرا للمعارضة الاميركية والدعم غير المؤكد من اعضاء مجلس الامن الاخرين، ومنهم المملكة المتحدة، لكنها لن تكون تجربة مفرحة لـ"اسرائيل".
حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، التي تهدف الى وضع ضغط سلمي على "اسرائيل"، حققت انتصارات ضخمة في العام الفائت، بدعم من النجوم والاكاديميين والكنائس وحتى خبراء المال- فقد سحب صندوق تقاعد هولندي كبير استثماراته من خمس بنوك "اسرائيلية". وخضع التعاون العسكري مع "اسرائيل" للمراجعة، رغم ان اميركا تواصل تزويدها بالسلاح- حتى اثناء القتال. واقفل النشطاء مصنعا قرب بيرمنغهام تملكه "إلبيت سيستمز"، التي تصنع طائرات دون طيار ليستخدمها جيش الدفاع "الاسرائيلي" في غزة، واحتل الناشطون الاستراليون لفترة وجيزة مصنعا اخر لـ"إلبيت" قرب ملبورن.
مقارنات الاحتلال "الاسرائيلي" مع التمييز العنصري في جنوب افريقيا تتضمن ان عملا دوليا قد يجري ضد "اسرائيل" كما حصل في جنوب افريقيا. مع هذا ليس ثمة دليل قوي على ذلك. تعتمد "اسرائيل" كثيرا على الدعم الخارجي في جانب واحد فقط: تواصل المعونة العسكرية والمالية من الولايات المتحدة، وهي تقدر باكثر من 3 مليارات دولار سنويا في الاوقات العادية وتزداد في اوقات الازمة. وهذا رهن بالكونغرس، الذي يظل اجمالا مواليا لـ"اسرائيل" (اكثر من ولائه للولايات المتحدة، على حد زعم النقاد). فالتصويت الاميركي على اعتماد حزمة بقيمة 255 مليون دولار لاعادة تموين القبة الحديدية، وهي نظام الدفاع الصاروخي الذي يعترض الصواريخ المطلقة من غزة، اجيز بواقع 395 صوت الى 8 اصوات، وحتى تلك الثمانية لم تنتقد "اسرائيل" علانية.
في "اسرائيل"، تم تنحية معسكر السلام والاغلبية تؤيد استعمال الحكومة للقوة، ان لم يكن شيئا اشد وطأة. لكن القوة لن تحل المشكلة، وحدها السياسة والدبلوماسية والتسوية ستفعل ذلك. فقتل قادة حماس وزوجاتهم واولادهم يضاعف حدة الازمة فقط. حاليا، يجد جميع الاطراف- "اسرائيل" وحماس واميركا وحلفائها- في تصور الوصول الى تسوية ضربا من المحال. فالمستقبل لوقف اطلاق النار، يتبعه عام او اثنان من الصدام خفيف الوطأة، ثم حرب اخرى وهلم جرا.