أمضى الجيش “الاسرائيلي” أشهراً طويلة قبل حربه البربرية على قطاع غزة في تدريب وحدات من قواته على أساليب القتال داخل الانفاق، وتدربت وحدات الهندسة في الجيش "الاسرائيلي" على أفضل الطرق لتدمير الانفاق وتخريبها. وكشفت مصادر مطلعة لـ (المنــار) نقلا عن دوائر عسكرية وأمنية "اسرائيلية"، أن الأجهزة الاستخبارية في "اسرائيل" قامت بجمع معلومات استخبارية هائلة حول شبكة الانفاق التي استطاعت حماس والمجموعات المسلحة اقامتها خلال السنوات الماضية، وبالتحديد منذ العام 2006. وتقول هذه الدوائر العسكرية والأمنية أن تبني المقاومة في القطاع اسلوب اقامة وبناء الانفاق ينبع بشكل اساسي من الهدف الذي وضعته المقاومة الفلسطينية من أجل تدعيم وتطوير قدراتها والبحث عن وسائل واساليب قادرة على الحد من التفوق الجوي "الاسرائيلي" ومحاولة محاكاة نموذج حزب الله في الحرب التي خاضها الحزب مع اسرائيل في العام 2006.
لكن الدوائر تتحدث عن أن حماس والمجموعات المسلحة الاخرى قامت بتطوير نموذج حزب الله وذلك من خلال اقامة العديد من الانفاق والمخابىء لاهداف وغايات مختلفة من بينها توفير المخابىء الفردية والمخابىء الجماعية واماكن آمنة لتخزين الوسائل القتالية بانواعها المختلفة وايضا أنفاق لحماية منصات اطلاق القذائف الصاروخية بالاضافة الى الأنفاق الخاصة بالتسلل الى داخل العمق "الاسرائيلي" والمواقع العسكرية "الاسرائيلية" الموجودة في محيط قطاع غزة.
وتضيف هذه الدوائر أن "اسرائيل" وعشية توغلها البري في أطراف قطاع غزة امتلكت معلومات استخبارية من مصادر مختلفة حول شبكة الانفاق الموجودة في قطاع غزة، وأن القوات "الاسرائيلية" التي تم تاهيلها للتعامل مع هذا الخطر الأمني تفاجأت من عدم مطابقة ما لديها من معلومات مع الواقع الموجود على الارض في القطاع. وأشارت هذه الدوائر الى أن الجيش اصطدم بواقع خطير حيث تبين أن عدد الانفاق هو أضعاف ما تحدثت عنه المعلومات الاستخبارية والخرائط الموجودة بحوزة الجيش.
وحسب الدوائر فان "اسرائيل" ستحتاج لتعميق توغلها في قطاع غزة والبقاء لعدة اشهر من أجل الانتهاء من مهمة تدمير الانفاق في قطاع غزة، وأن أي اعلان "اسرائيلي" عن الانتهاء من "معالجة" الانفاق لن يكون الا اعلانا فارغا من أي مضمون ولا يعكس حقيقة الواقع في الميدان، ومثل هذا الاعلان الوهمي سيسقط سريعا بعد أول خرق امني يكون مصدره الانفاق.
ورغم سخونة الجبهة مع قطاع غزة، الا أن هاجس ما حدث مع "اسرائيل" في حرب لبنان الثانية في العام 2006 ما زال يسيطر وحاضرا في عقلية القيادات العسكرية، ومن هذا المنطلق هناك من يتحدث عن تعاظم وارتفاع "حائط الخوف" لدى القيادات العسكرية "الاسرائيلية" من أي مواجهة محتملة مع حزب الله في اعقاب العملية العسكرية على قطاع غزة وحجم الخسائر التي لحقت "باسرائيل" سواء على مستوى قواتها العسكرية أو حالة الخوف التي تسيطر على العمق "الاسرائيلي" من جنوبه الى شماله.
ونقطة اخرى مهمة تشير اليها الدوائر العسكرية في "اسرائيل"، وهي حقيقة أن الجيش "الاسرائيلي" فشل في كل استعدادته وتدريباته التي خاضها بناء على الدروس التي استفاد منها في اعقاب اخفاقات حرب لبنان الثانية، كما ان "التماسك الظاهر" الذي تحاول "اسرائيل" أن تعكسه فيما يتعلق بجبهتها الداخلية، هو تماسك غير حقيقي والمعلومات التي تحاول الرقابة العسكرية في "اسرائيل" اخفائها بالتعاون مع المؤسسات الاعلامية المختلفة التي تم تجنيدها منذ بداية العملية العسكرية وأصبح هناك تناغما واضحا وتسريبا للرسائل، سواء تلك التطمينية الموجهة الى الجبهة الداخلية في "اسرائيل" أو تلك الموجهة الى القارىء الفلسطيني والعربي من أجل بث الشائعات أو اطلاق بالونات الاختبار لما تحاول المؤسسة السياسية والعسكرية تمريره.
وبالاضافة الى مفاجأة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والهاجس الدائم من مواجهة متجددة مع حزب الله، هناك تحدٍ خطير يواجه المؤسسة العسكرية في "اسرائيل" التي أثبتت المواجهة الراهنة مع المقاومة الفلسطينية ومواجهة 2006 مع حزب الله، أنه جيش لا يستطيع القتال على الأرض ويفضل دائما الاعتماد على "العمود الفقري" للجيش "الاسرائيلي" وهو سلاح الطيران، الذي تم اخراجه هو الاخر من معادلة حسم القتال سواء في جنوب لبنان أو في حرب غزة الدائرة حاليا. وهذا التحدي هو ما ينتظر الجيش "الاسرائيلي" في أي مواجهة قد تندلع بينه وبين الجيش السوري، فهذا الجيش اكتسب خبرة ميدانية غير مسبوقة في قتال حرب العصابات الى جانب حزب الله الذي تفاعل بصورة ملفتة في الميدان العسكري وهذا النوع من القتال تفتقر "اسرائيل" الى الخبرة والتفوق فيه.
المصدر: المنار المقدسية