ربما لا يتوقف الكثيرون عند المسار الذي تتخذه حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين، لأن الجميع مشغولون بالتطورات السياسية التي جاءت بحماس الى السلطة عبر الحكومة والمجلس التشريعي، ثم الانشغال بتطورات الاختلاف والاقتتال بين فتح وحماس. وربما يعتقد البعض ان حركة الجهاد حركة محدودة القوة العسكرية والانتشار الشعبي، وهذا صحيح الى حد ما، لكن هذا لا ينفي ان لها رؤية ومسارا يستحقان المراقبة والقراءة.
حركة الجهاد في فلسطين حافظت على موقفها السياسي من اتفاق اوسلو وعملية السلام فلم تدخل في مسارات التفسيرات والتبريرات، وبقيت تنظر الى السلطة ومؤسساتها باعتبارها افرازا لاتفاق اوسلو، هذا الاتفاق الذي كان من وجهة نظر الجهاد وحماس اتفاق تنازل وتفريط بالحقوق الفلسطينية. ورفض الجهاد لافرازات اوسلو رافقه موقف اتخذته حماس سابقا وهو عدم الدخول في اقتتال فلسطيني داخلي كطريقة لرفض الاتفاق، وحافظت حركة الجهاد على هذا الموقف فتعاملت مع قيادة السلطة لكنها حافظت على مسافة سياسية واضحة عن افرازات اوسلو، ولهذا لم تشارك في اي انتخابات للمجلس التشريعي منذ اوسلو وحتى اليوم، اي ان موقفها رفض اوسلو وعدم دخول مؤسسات قامت على اتفاق ترفضه، لكنها تجنبت تبني موقف عنيف ضد القوى الفلسطينية التي وافقت على التسوية مع اسرائيل.
ورغم ان الامكانات العسكرية محدودة لحركة الجهاد الا انها حافظت على استمرار عملها العسكري ضد الاحتلال، وهنا لا يكون القياس بعدد العلميات بل بالحفاظ على النهج. وعندما كانت الفصائل توافق على هدنة من طرف واحد كانت توافق ولم تخرج عن اجماع الفصائل، لكن مشاركتها في الهدنة لم تكن طريقا او تمهيدا للاندماج في عملية سياسية تجبرها على هدنة طويلة ووقف للعمل العسكري ثمنا للوجود والتواجد في مؤسسات السلطة.
وخلال الشهور الطويلة من الاقتتال بين فتح وحماس استطاعت حركة الجهاد ان تكسب موقعا ونقاطا ايجابية كثيرة، ففي احدى مراحل الاقتتال بين الاشقاء نفذت الحركة عملية استشهادية داخل المجتمع الصهيوني، بل ان وصية منفذ العملية كانت نداء الى المتقاتلين من فتح وحماس بان يتوقفوا عما يفعلون. وحركة الجهاد مع الفصائل الاخرى باستثناء فتح وحماس مارست ادوارا توفيقية لاصلاح ذات البين وحل المشكلة القائمة، وبهذا وضعت نفسها في اطار المرجعية الاخلاقية والوطنية وحافظت ما امكنها على استمرار المقاومة حتى وان كانت بشكل محدود، لكن الامر يتعلق بالحفاظ على النهج.
وحتى في الايام الاخيرة، حينما اندلعت عمليات الاقتتال بين فتح وحماس، كانت سرايا القدس، الجناح العسكري للجهاد، تقصف بعض المستوطنات بالصواريخ، والرسالة واضحة ان حركة الجهاد ما تزال تحافظ على اولوياتها من دون تشتيت او بعثرة، وتريد ان تقول للشعب الفلسطيني انها حركة تحفظ طريقها واهدافها وان السلاح لا يوجه الا للعدو المحتل. وربما لم يسمع او يقرأ الكثيرون خبر هذه الصواريخ لانه خبر ضاع تحت كثافة أعداد القتلى نتيجة الاقتتال الداخلي، التي وصلت الى اكثر من 42 قتيلا وعشرات الجرحى.
وعلى صعيد الصورة العامة في الداخل الفلسطيني؛ فإن فتح وحماس تضررت صورتيهما لدى الشعب الفلسطيني، كما اهتزت كثيرا لدى الرأي العام العربي والاسلامي، باستثناء المتحمسين لكل طرف ومن يرون ان هذا التنظيم على حق والاخر على باطل، لكن الجهاد التي كانت تشترك مع حماس في الموقف السياسي والعقائدي من التسوية لم تدفع ثمنا من نهجها ولم تتلوث باقتتال داخلي وهدر الدم الفلسطيني، ولهذا فانها على صعيد السجل التاريخي كسبت نقاطا كثيرة وعديدة. وربما لو كانت حركة الجهاد ذات حضور سياسي وعسكري اكبر لاستطاعت ان تتقدم الى الامام خطوات كبيرة على صعيد مكانة الفصائل داخل الاطار الفلسطيني.
الجهاد كانت مع حماس تتعامل مع الامر من منظور ديني اضافة الى البعد السياسي، وبالتحولات التي طرأت على الموقف السياسي لحماس تبدو حركة الجهاد تقف في مربعها القديم الا اذا تم استدراجها بعد حين الى ما ذهب اليه الآخرون.
المصدر: صحيفة الغد