بدأ الدفء يعود تدريجياً إلى العلاقات اللبنانية - الفلسطينية بعد مرحلة من الفتور، وبعض المحطات الدامية التي شهدتها العقود الماضية، والتي لا تزال هواجسها تسيطر على الشارع الفلسطيني، رغم تأكيد قياداته رفض الانجرار إلى أزمات الداخل اللبناني.
ومنذ مدة قريبة بدأ الطرفان يخطوان خطواتٍ إيجابية، نحو بناء علاقات ثنائية راسخة، بعيداً عن النظرة التي تحاكم المخيمات وفق مفهوم أمني، رغم أنهما يقران أن العلاقة تسودها بعض الثغرات، إلا أن تصويبها وتحسينها ضرورة تستوجبها ظروف المرحلة ومتطلبات العيش المشترك.
كيف تنظر القيادات اللبنانية والفلسطينية إلى العلاقات الثنائية وأفق تعزيزها وتطويرها؟ سؤال طرحته "الجهاد" على عددٍ من الشخصيات السياسية والدينية الفلسطينية واللبنانية، فكانت الإجابات التالية:
رأى مسؤول العلاقات السياسية في "حركة الجهاد الإسلامي" في لبنان الحاج شكيب العينا، أن القواسم المشتركة بين اللبنانيين والفلسطينيين تدفع إلى بناء علاقات سليمة، "خاصة أن الطرفين يواجهان عدواً واحداً هو إسرائيل"، مشدداً على ضرورة أن تبادر الدولة اللبنانية إلى ترسيخ علاقتها مع الفلسطينيين على أساس الحقوق والواجبات.
وقال العينا: "على الدولة أن تكف عن التعاطي الأمني مع المخيمات الفلسطينية، فوجود شعبنا في لبنان وجود قسري ناتج عن الاحتلال، لذلك من الظلم أن تراهن الحكومة اللبنانية على تسويةٍ ما، في ما يتعلق بالفلسطينيين قبل تقرير حق العودة".
ونبّه إلى أن القوى الفلسطينية حريصة على أمن واستقرار لبنان وسلمه الأهلي، "وقد برهنت عمليا أنها ليست طرفاً في الخلاف اللبناني الداخلي، لذا لا داعي للهواجس في مسألة التوطين واتخاذها ذريعة لحرمان الفلسطيني حقوقه الإنسانية والمدنية".
قوة أمنية فلسطينية
وأوضح عضو المكتب السياسي لحركة "أمل" ومسؤولها في منطقة صيدا بسام كجك، أن "تعزيز العلاقات يحتاج إلى آلية واضحة بين الفصائل الفلسطينية والدولة اللبنانية، وذلك بعد إيجاد قيادة فلسطينية موحدة في لبنان، لافتاً إلى أن "المبادرة الموحدة التي أطلقت منذ شهرين ونيف في المخيمات، كانت خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن لم يرد بعضهم النجاح لها.
واقترح كجك إنشاء قوة أمنية فلسطينية شرعية مهمتها الحفاظ على أمن المخيمات، وأخذ دورها اتجاه الدولة اللبنانية المضيفة، وفي المقابل على الدولة تأمين الغطاء الأمني والقضائي لهذه القوة، كما يجب عليها تحسين ظروف العيش في المخيمات".
وشارك ممثل حركة "حماس" في صيدا، الحاج أبو أحمد فضل، سابقه في تأكيد وقف التعاطي مع الملف الفلسطيني بطريقة أمنية، "فمن حق الفلسطيني أن يعيش بكرامة حتى العودة إلى وطنه، كما علينا أن نكون على قدر المسؤولية في حماية أمن المخيمات والجوار اللبناني".
ورأى فضل أن "المبادرة الفلسطينية الموحدة" التي اتفقت عليها الفصائل الإسلامية والوطنية الفلسطينية والقوى اللبنانية هي مدخل لتعزيز العلاقة وتطويرها، وقال: "المبادرة هدفها قطع الطريق على الفتنة وأي إشكال داخلي أو اقتتال مع اللبنانيين".
تضارب المصالح
وشرح إمام مسجد "القدس" في صيدا الشيخ ماهر حمود، "أن العلاقات اللبنانية-الفلسطينية مرّت بمراحل متفاوتة بسبب تضارب المصالح وتناقض المرجعيات الداخلية والخارجية، وأكد "أن الغالبية العظمى من اللبنانيين تحب لهذه العلاقة أن تكون طيبة ومتكاملة، وهذا الأمر ينطبق على الجمهور الفلسطيني الذي عانى خلال مدة ماضية ظلم الدولة وقسوة الأجهزة الأمنية".
وأضاف حمود: "العلاقة الوثيقة بين المؤسسات الرسمية تساهم في تقليل الآثار السلبية للمراحل السابقة، ولكن على المستوى السياسي والأمني يحتاج الأمر إلى تنسيق أكثر".
ولفت أمين سر فصائل منظمة التحرير وقائد الأمن الوطني الفلسطيني في صور الحاج توفيق عبد الله، إلى الاتصالات المكثفة بين الجانبين، مبيناً أن هناك مخططاً يستهدف الجميع، "ومن هنا انطلقنا إلى كل القوى الفلسطينية والجيش اللبناني للتنسيق بين هذه الأجهزة".
ويرى عبد الله ضرورة وجود عمل جماهيري ولقاءات ثنائية، ذاكراً أن جزءاً من التعزيز يكون بمشاركة الأندية الرياضية ودخولها المخيمات. وأعطى مثالاً على خطواتهم بافتتاح قوسٍ رُفع عليه العلمان اللبناني والفلسطيني على مدخل مخيم الرشيدية بالتنسيق مع البلدية والجيش اللبناني.
ضرب العلاقة
وقال القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي" الحاج أبو سامر موسى: إن "صور تنعم بالأمان والعلاقة المميزة مع الجوار، وهذا ليس متعلقاً برؤيتنا في الجهاد فقط بل تشاركنا فيه كل الأحزاب والأجهزة التي تتابع القضايا وتشرف على التواصل الدائم بين الفصائل".
ورأى موسى ضرورة المشاركة في المناسبات الاجتماعية والحرص على تفعيل لجنة التنسيق الفلسطينية-اللبنانية التي استطاعت قلب النظرة المغلوطة لدى بعض الأطراف عن المخيمات، "وكذلك تعميم ثقافة المقاومة والابتعاد عن الفتنة تحت أي شعار".
وأضاف: "نعيش هذه الأيام أخطر مراحل القضية الفلسطينية، وإحدى أهداف هذه المرحلة ضرب العلاقة الفلسطينية-اللبنانية تحت عناوين مختلفة كالطابع المذهبي، لكننا نستطيع القول إننا لن ننجر إلى مربع الفتنة وأعلنا رداً واضحاً باستنكارنا أعمال التفجير والتبرؤ من مرتكبيها ورفع الغطاء عن كل من يحاول مسّ استقرار لبنان".
وأوضح المسؤول الإعلامي لحركة "أمل" في جبل عامل صدر داود، أن "أمل" تسعى إلى تمتين هذه العلاقة تحت شعار المقاومة، وأشار إلى أهمية العوامل الاجتماعية كالمصاهرة بين الشعب الفلسطيني واللبناني، ودورها في تعزيز الثقة بين المخيمات والجوار.
وقال: "في الخلافات الأخيرة جرى تعاون كامل بين جميع الفصائل مع السلطات اللبنانية والأجهزة الأمنية، كما رُفع الغطاء السياسي عن أي مخل بالأمن"، وأضاف: "نثمَّن بدورنا هذه الجهود التي وَأَدت الفتنة في المخيمات".
ورأى أمين السر لمجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ هشام عبد الرازق أن العلاقة الفلسطينية-اللبنانية اليوم على قدر التطلعات، "وهذا ما لمسناه في زيارة عدد من القرى الجنوبية والترحيب الذي يليق بفلسطين وشعبها (...) العلاقة انتقلت من كونها رابطاً عادياً حتى أصبحت وحدة حال ومصير".
وقال: "ما جرى في الآونة الأخيرة داخل مخيم عين الحلوة (المبادرة الفلسطينية الموحدة) خطوة جامعة ولافتة من الفصائل الفلسطينية في سبيل تعزيز العلاقات، ما يشير إلى وعي العقلاء من الطرفين بخطورة ما يحاك للمنطقة ولاسيما ضد الوجود الفلسطيني في لبنان".
ودعا إلى أن يكون هناك رد رادع في وجه كل أبواق الفتنة المأجورة، التي تريد الدمار ليس للفلسطينيين فحسب، بل للقضية المركزية، وتشتيت الفكر العربي في حروب دموية وطائفية وشغلها في أمور بعيدة عن صورة الإسلام الحقيقي".
إحباط الفتنة
أما عضو قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي (منفذية صور) محمود أبو خليل، فذكر أن القضية الأساسية بالنسبة إليهم هي فلسطين، والنضال في سبيل التحرير والعودة، "وتحت هذا العنوان المحوري يندرج كل عمل مهما كان نوعه أو حجمه".
وقال: "لا نميز بين لبناني وفلسطيني، فجميعهم أبناء قضية واحدة، لذلك نرى أن الواجب الوطني يحتم تمتين الأواصر، ليس رسمياً فحسب، بل على المستوى الشعبي"، ودعا إلى توحيد الطاقات لإحباط مشاريع الفتنة التي يدفع العدو الصهيوني اتجاهها.
وطالب بمنح المخيمات الحقوق المدنية والاجتماعية، "لمنع استغلال بعض الحالات لأوضاع معينة لإحداث خرق في المخيمات يصب في خانة الفوضى والفتنة".
وعبّر عضو القيادة السياسية لـ "حماس" جهاد طه عن موقف حركته الداعي إلى منع العبث بالملفات الأمنية، "لأن ذلك يؤثر على الاستقرار في الواقع اللبناني"، لافتاً إلى أن العلاقات تأخذ المنحى الإيجابي "في معادلة مفادها أن المجتمع اللبناني حاضنة لشعبنا الفلسطيني".
وما يعزز هذه الرؤية من وجهة نظره الرؤية المشتركة التي تتمسك بمشروع المقاومة والوقوف في وجه التحديات التي تحاك ضد قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. وخلُص طه إلى القول: "نحن -اللبنانيين والفلسطينيين- في مركب واحد وحريصون حتى الآن على حماية هذه العلاقة وصيانتها بما يخدم الشعبين".
أخيراً، أعرب رئيس بلدية صور حسن دبوق عن اعتقاده بأن الوجود الفلسطيني أصبح جزءاً أساسياً من نسيج المجتمع اللبناني والنسيج المقاوم أيضاً، قائلاً: "نتمنى للإخوة الفلسطينيين العودة إلى بلادهم لأن إقامتهم في لبنان إقامة مؤقتة حتى تحصيل حقهم".
المصدر: نشرة الجهاد