القدس للأنباء – خاص
لطالما عوّل الإحتلال على أنَّ الكبار سيموتون وأنَّ الصّغار ببساطة سوف ينسون. لكن رهانه سقط. فرغم المأساة التي عاشها الفلسطينيون منذ عام 1948 حتى هذا اليوم، بعد أن هُجِّر مئات الآلاف منهم قسراً من مدنهم وقراهم، بقي حلم العودة ماثلاً وحيّاً ينبض في عقول وقلوب وأرواح الأجيال المتعاقبة، شيباً وأطفالاً.
هنا في روضة أبناء القسّام، في مخيم برج البراجنة، تبذل المدرسات ما بوسعهن لشرح اخطار وابعاد النكبة، وترسيخ مفهوم العودة في أذهان الأطفال الناشئة، من خلال فعاليات تلائم أعمارهم، من رسومات وتمثيليات ومسرحيات من شأنها أن تنقل حب الوطن إلى أفئدة الصغار.
يقول أب طفلة ترتاد هذه الروضة: "كان بإمكاني وضع ابنتي في أي روضة أخرى خارج مخيم برج البراجنة، ولكن لن أكون أكيداً أن فلسطين وحبها سيصل إلى عقل وقلب ابنتي كما يجب. أنا وأمها نقوم ما بوسعنا لنكمل مسيرة جدودنا وآبائنا، وإن لم نستطع أن نقاوم الإحتلال بشكل مباشر، لكن ما نفعله هنا بحد ذاته قتال."
حتى بعد مضيّ ست وستين عاماً، يبقى صوت اللاجئين يصدح عالياً، وتبقى الذكريات والحكايات والروايات قابعة في النفس تتناقل عبر السنين. يأتي الخامس عشر من أيار لينكأ الجراح مجدداً، جراح اللاجئين البعيدين عن وطنهم القريب. تكاد لا نجد عجوزاً لا يمتلك مفتاحاً لبيته في فلسطين، وأوراق ملكية الأراضي التي هُجِر منها وعمل الإحتلال "الإسرائيلي" على ازالتها من الوجود، محاولاً طمس معالمها المحفورة في ذاكرة الفلسطينيين وخاصة اللاجئين منهم.
الحاج أبو محمد، لم يتخلَّ ولو لثانية واحدة عن حلم العودة، ذاك الحلم الذي لم يغادر وجدانه وقلبه. يقول الحاج أبو محمد من قرية (إجزم) قضاء حيفا، والذي يسكن الآن مخيم برج البراجنة: عندما هاجمنا الإحتلال الصهيوني، استخدم المدافع والرشاشات التي حصلوا عليها من الانجليز، في الوقت الذي لم نملك فيه سوى عدد قليل جداً من البنادق الخفيفة، حوالي 15 بندقية. "كنا يا عمي نبيع ذهب نساءنا لنشتري سلاح".
اضاف: "كان الإحتلال يستخدم مكبرات الصوت مهددين ويقولون "عليكم الخروج من القرية وإلّا ستجدون نفس مصير القرى الأخرى"، ولكن لم نخف من تهديداتهم ولم نخرج، كنا نشجع النساء والأطفال على البقاء.." ويكمل حديثه ودمعة تترقرق في عينه: "لو كان لدينا أسلحة كافية، لما خرجنا بل بقينا وحاربنا حتى آخر رجل.."
"لكنني أعلم أننا سنعود، ولو كنت أنا سأموت قبل أن نعود، لكنني أعطيت إبني محمد كل أوراق منزلنا وأرضنا في فلسطين، وإن مات هو سيورثها لابنه. في الأسبوع الذي يقترب به ذكرى النكبة، أبدأ بتذكير أحفادي بكل ما جرى في ذلك اليوم المشؤوم. أروي لهم قصصي و قصص أصدقائي، كل سنة لتعلق في أذهانهم، وينقلوها لأولادهم في ما بعد."
فشلت كل وسائل الترهيب ومحاولات الطمس والتهويد، بقي شعبنا صامداً، متمسكاً بحقه وتاريخه وهويته، وتراب وطنه، حاول "الإسرائيليون" منذ ستٍ وستين عاماً تطبيق مقولة "بن غوريون" ويقنعون أنفسهم أن الكبار بالفعل يموتون وأن الصغار بالفعل ينسون. لكن لا يبدو أن هؤلاء الصغار نسوا وطنهم وبلادهم، فالفلسطيني بقدرته استطاع أن يلوي ذراع المحتل والغاصب وأن يعدّل المقولة لتصبح "الكبار يورثون، والصغار سيعودون."