قائمة الموقع

ما الجديد في اتفاق غزة! .. كتب: محمد ياغي

2014-04-25T12:52:29+03:00

أمامي نصوص ثلاثة اتفاقات بين "فتح" و"حماس" وإعلان، اتفاق مكة في شباط 2007، اتفاق القاهرة في أيار 2011، اتفاق غزة في نيسان 2014، وإعلان الدوحة في شباط 2012.
بحثت في النصوص عن كلمة هنا أو هناك قد تكون مفتاح التسوية التي مكنت الطرفين من إنجاز الاتفاق الأخير ولكني لم أجد شيئاً، اللهم إلا خلو النص الأخير من أسماء الأمراء والملوك والرؤساء الذين رعوا الاتفاقات السابقة.
اتفاق مكة تحدث عن حكومة وحدة وطنية وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين.. تطوير وإصلاح منظمة التحرير وتسريع عمل اللجنة التحضيرية لها استناداً لتفاهمات القاهرة ودمشق، اتفاق القاهرة كان أكثر تفصيلاً، لكنه لم يبتعد عن حكومة الوحدة وتطوير المنظمة.. الحكومة في اتفاق القاهرة سميت حكومة توافق وطني انتقالية مهمتها تنتهي بإجراء انتخابات جديدة للتشريعي.. والمنظمة يجري تفعيلها وفق اتفاق القاهرة العام 2005، واللجنة المكلفة بالتفعيل تصبح إطارا قياديا للمنظمة إلى أن يتم عقد انتخابات المجلس الوطني.. في اتفاق القاهرة أصبحت الانتخابات للتشريعي والرئاسة تحتل جانبا مهما من الاتفاق بسبب انتهاء المدة القانونية لشرعية هذه المؤسسات وأضيف لها بالطبع المجلس الوطني، إعلان الدوحة تحدث عن حكومة توافق وطني من كفاءات مهنية مستقلة برئاسة الرئيس أبو مازن، وأعاد التذكير بالتوافق على إجراء الانتخابات للمؤسسات الثلاث بشكل متزامن.
اتفاق غزة تضمن التأكيد على ما تم الاتفاق عليه سابقاً في القاهرة والدوحة، والنقطة الوحيدة الجديدة التي توحي "بجدية الاتفاق" هذه المرة هي مهلة الخمسة أسابيع التي أعطيت للرئيس لتشكيل حكومة التوافق الجديدة.
ما الجديد إذن، في هذا الاتفاق غير الجديد؟
يجري دائماً الحديث عن نقاط الاتفاق ولا يجري الحديث مطلقاً عن نقاط الاختلاف التي منعت إلى الآن تنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه مراراً وتكراراً. لذلك قبل الحديث عن الجديد قد يكون من المفيد التذكير بأن الذي عطل تنفيذ الاتفاقات السابقة هي مسائل لا زالت محل خلاف وهي قضايا مركزية ثلاث:
الأولى هي عقدة الأمن والمقاومة.. كيف سيجري التعامل مع قوات "حماس" المسلحة في غزة ومع مسألة التنسيق الأمني في الضفة. هل يمكن الجمع بين الضدين.. وكيف سيتم حسم العلاقة بين تشكيلات "حماس" المسلحة و"الجهاد الإسلامي" وغيرها من التنظيمات في غزة وبين الأمن الفلسطيني الرسمي. هل بإمكان هذه التنظيمات جميعها وأولها "حماس" الموافقة على إعطاء مسؤولية الأمن للسلطة في الوقت الذي تسعى فيه هذه الأطراف لتطوير قدرات ردعها؟.
الثانية هي عقدة تفعيل منظمة التحرير.. هل يمكن القبول بإطار قيادي جديد للمنظمة يشرف على سياساتها وهياكلها.. أو بشكل أدق.. هل بإمكان "فتح" أن تقبل لجنة لا توجد لها فيها أغلبية تفرض تصورها فيما يخص سياسات المنظمة ومؤسساتها.. وهل يمكن حقاً إجراء انتخابات للمجلس الوطني في ستة شهور حتى لو خلصت النوايا.. هل فلسطينيو الأردن سيشاركون في هذه الانتخابات.. "حماس" ترغب بمشاركتهم.. "فتح" لديها تفاهمات في عمان تمنع مشاركتهم.. وماذا بشأن لاجئي سورية ولبنان.. هل حقاً الظرف السياسي في البلدين يسمح بمشاركتهم؟
الثالثة هي عقدة التفاصيل.. وهي كثيرة.. تبدأ بآليات تشكيل الحكومة والعقدة المصاحبة لكلمة "توافق" عندما لا يكون هنالك فعليا "توافق" والإفراج عن معتقلي الطرفين والمصالحة المجتمعية ومصير الجمعيات الأهلية للطرفين وتمتد لتشمل آليات عمل لجنة الانتخابات المركزية وغيرها.
ما الجديد إذن، إن كانت قضايا الخلاف لا زالت في مكانها؟
الجديد لا تجدونه في "فتح" أو "حماس".. الجديد تجدونه في تغير البيئة السياسية التي يعمل فيها الطرفان.
مشروع السلطة التفاوضي مأزوم.. وصل إلى نهاية مأساوية بسبب سياسات إسرائيل التي تستخدم المفاوضات غطاء لتكثيف الاستيطان وتهويد القدس والقضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية على أرض الضفة وغزة والقدس العربية.
هل أدركت قيادة "فتح" أن المفاوضات لا فائدة منها وأنها تخدم سياسات إسرائيل.. ربما.. لكنها على أقل تقدير تريد إرسال رسالة واضحة لإسرائيل والولايات المتحدة أن خياراتها عديدة.. التوجه للمنظمات الدولية أحدها فقط.. وبموازاة ذلك التركيز على مسألتي الوحدة الوطنية وإعادة بناء المنظمة وبالتالي فتح الباب لخيارات مستقبلية ستؤثر حتما على الصراع مع إسرائيل.
نجاح الاتفاق هنا يعتمد على جدية قيادة "فتح"، إن كان الاتفاق خطوة باتجاه نهج جديد، فإن فرصة النجاح كبيرة.. وإن كان مجرد "رسالة" لإسرائيل فإن الرسالة قد وصلت والاتفاق سينضم لقائمة الاتفاقات السابقة.
في الشق المتعلق بالبيئة السياسية التي تعمل فيها حركة "حماس".. لا يوجد شك بأن الحركة في وضع سياسي صعب، مصر تغلق الأنفاق وتشدد الحصار وقيادة "حماس" مضطرة لشكر القيادة المصرية على ذلك بحكم الجغرافيا.. "حماس" حركة إرهابية في مصر، والسعودية، والإمارات، وحتى في البحرين التي زار أمير من أمرائها غزة طالباً النصرة في مواجهة شعبه.. وعلاقة "حماس" مع محور إيران - سورية - حزب الله لم تعد كما كانت وقد لا تعود.
مخرج "حماس" من أزمتها هو في العمل من داخل السلطة والمنظمة.. هذا يعطي "حماس" هامشاً قد يخفف من وطأة الحصار عليها وقد يخرجها من عزلتها.. وقد تثبت الأيام أن موسى أبو مرزوق لم يدخل غزة من خلال تنسيق "حماس" المباشر مع مصر ولكن بناء على طلب تقدمت به "فتح" لمصر للسماح له بدخول غزة حيث إن قنوات الاتصال بين الطرفين مقطوعة منذ الإطاحة بالرئيس مرسي.
إن أحسنا الظن، فإن "حماس" وفق هذا التحليل معنية بتنفيذ الاتفاق وقد لا تتوقف عند التفاصيل أثناء التنفيذ طالما كانت التفاصيل بعيدة عن جهازها العسكري وتشكيلاتها الأمنية، لأن المسألة الأهم التي تعنيها بعد الحفاظ على جناحها العسكري هي الخروج من حالة العزلة السياسية التي تتعرض لها، وإن أسأناه، وكان الهدف هو إلقاء الكرة في ملعب "فتح" فإنها ستتوقف كثيراً عند التفاصيل لإفشال الاتفاق.
الجديد إذن، ليس في الاتفاق فهو قديم في نصوصه، ويحمل نفس الإشكاليات التي منعت تنفيذ اتفاقات سابقة.. لكن الجديد هو في البيئة السياسية التي يعمل فيها طرفا الأزمة، أما نجاح الاتفاق أو فشله فهو مسألة متعلقة بالأهداف الحقيقية لكلا الطرفين.

 

المصدر: وكالة سما
 

اخبار ذات صلة