/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

"إسرائيل" تتحرك لمحاصرة المصالحة الفلسطينية/ حلمي موسى

2014/04/25 الساعة 06:01 ص

حسمت إسرائيل خيارها وقررت وقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وفرض عقوبات اقتصادية عليها بسبب تجرئها على إبرام اتفاق مصالحة مع حماس قبل الاستجابة للشروط الإسرائيلية. وعبرت الإدارة الأميركية عن خيبة أملها من اتفاق المصالحة بين حماس وفتح لكنها شددت على أن العبرة في الخواتيم وأنها باتت تنتظر الحكومة التي ستتشكل قبل أن تقرر الاستمرار في تقديم المساعدات للسلطة من عدمه. كما أن الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر الداعم الأكبر للسلطة، أبدى تحفظه، على الأقل، عن الاتفاق، معتبرا أن المصالحة مع حماس جيدة، لكنها ليست أفضل من المفاوضات مع إسرائيل.
ومن الجلي أن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اتفاقية المصالحة بين حماس وفتح اتسم بالطابع الاستعراضي أكثر مما عبر عن موقف جوهري. فالاتفاق، في نظر الكثير من الإسرائيليين، لا ينطوي حتى الآن على أي جديد فضلا عن أن للحركتين الفلسطينيتين تاريخا طويلا في تمريغ الاتفاقات في الأوحال. وقد أعرب عن ذلك صراحة تقدير موقف مهني من وزارة الخارجية الإسرائيلية خالف التصريحات السائدة على ألسنة وزراء حكومة نتنياهو. كما أن معلقين إسرائيليين كبارا طالبوا حكومة نتنياهو بالاعتدال في إطلاق المواقف لأن اتفاق المصالحة الفلسطيني، في نظرهم، ليس خراب الهيكل الثالث.
عموما وفي ختام "ست ساعات" من المداولات قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر اتخاذ جملة إجراءات ضد السلطة الفلسطينية على الأصعدة السياسية والإعلامية والاقتصادية. وكان نتنياهو قد عقد هذا الاجتماع "الطارئ" لبحث الرد الإسرائيلي على اتفاقية المصالحة بعدما شحن الأجواء، معتبرا أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس فضل الصلح مع حماس على الصلح مع إسرائيل. وانطلق وزراء نتنياهو في حملة شرسة لتشويه صورة وسياسة الرئيس عباس وعرضه كعدو لـ"السلام" لا يقل خطرا، بمنظورهم، عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وكان من أول التدابير التي أقرها اجتماع المجلس الوزاري تجميد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية والشروع بتطبيق سلسلة عقوبات اقتصادية وسياسية على السلطة الفلسطينية. ومن بين العقوبات التي علمت "السفير" باتخاذها، فرض قيود على تنقلات قيادات فلسطينية وعدم تسهيل عقد اجتماع المجلس المركزي المقرر في رام الله غدا. وقد رفضت إسرائيل السماح بانتقال عدد من أعضاء المجلس المركزي من غزة إلى رام الله.
واتخذ قرار تجميد المفاوضات بالإجماع وبموافقة كل من زعيم "هناك مستقبل" يائير لبيد ورئيسة "الحركة" تسيبي ليفني. ويبدو أن قرار التجميد ينص ضمنا على استمراره إلى حين تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة لرؤية ما إذا كانت ستلتزم أم لا بشروط الرباعية الدولية وفي مقدمتها الاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها. ولكن زعماء اليمين في إسرائيل يشيرون إلى أن المفاوضات لن تستأنف طالما بقي اتفاق المصالحة بين حماس وفتح ساريا.
وتنص العقوبات الجديدة أيضا على تنفيذ التهديدات بإجراء مقاصة فورية واقتطاع الديون الإسرائيلية فورا من أموال الضرائب والجمارك التي تجبيها إسرائيل لحساب السلطة بموجب اتفاقية باريس. ويبدأ الأمر باقتطاع ديون كبيرة لشركة الكهرباء الإسرائيلية على شركة الكهرباء الفلسطينية. ويعني ذلك عرقلة وصول أموال منتظمة إلى الخزينة الفلسطينية ما يقود إلى ارتباك في توزيع الرواتب وربما إلى تخلف توزيعها كما سبق وحدث مرات عدة. وأعلن زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت بعد انتهاء اجتماع المجلس الوزاري أن نتنياهو حرص على حماية مصالح وكرامة وأمن الإسرائيليين وتعامل بمبدأ "مع القتلة لا حوار".
وتضمن القرار شروع إسرائيل بحملة إعلامية دولية بهدف تشويه صورة الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية عبر نشر إعلانات في كبريات وسائل الإعلام تربط بين عباس وزعيم "القاعدة" السابق أسامة بن لادن. والغرض هو إثبات أنّ عباس ليس شريكا وأنه كان ولا يزال مخادعا.
وقال نتنياهو في ختام الاجتماع إنه "بدل أن يختار (الرئيس عباس) أبو مازن السلام فإنه عقد تحالفا مع منظمة إرهابية دموية تدعو إلى تدمير إسرائيل، وهي منظمة يدعو ميثاقها لمحاربة اليهود وقتلهم. وقد أطلقت حماس أكثر من عشرة آلاف صاروخ على إسرائيل ولم تتوقف للحظة عن ممارسة الإرهاب ضدها"، معتبراً أنّ "التحالف بين (محمود عباس) أبو مازن وحماس أبرم وقت ما كانت إسرائيل تبذل جهدا للتقدم بالسلام مع الفلسطينيين. وهذا التحالف استمرار مباشر للرفض الفلسطيني للتقدم بالمفاوضات. إن من يختار إرهاب حماس، لا يريد السلام".
ويلاحظ كثيرون في إسرائيل أن اتفاق فتح وحماس وفر فرصة ذهبية لنتنياهو لتشديد حملته ضد السلطة الفلسطينية في هذا الوقت بالذات. ومع ذلك فإنّ الإجراءات الإسرائيلية حتى الآن لا تعني "تحطيم الأواني" وهي تترك مجالا لتعديلات لاحقة خصوصا في ظل قناعة هؤلاء بأنّ الضغوط الأميركية ستدفع الرئيس عباس للتخلي عن الاتفاق أو تمييعه. فالأميركيون أبلغوا السلطة في رام الله صراحة أن تشكيل حكومة مع حماس سيلحق الضرر البالغ بالمساعدات المقدمة للسلطة. ومع ذلك فإن أميركا تشترط قبول المصالحة الفلسطينية بتحقيق شروط الرباعية.
وكان المتحدث باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي مايكل مان قال إنّ "اتفاق المصالحة بين فتح وحماس يشكل خطوة مهمة في اتجاه حل الدولتين، لكن على رأس سلم الأولويات توجد الحاجة لمواصلة محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين".
عموما، وخلافا لموقف رئاسة الحكومة الإسرائيلية المتشنج، نشر طاقم الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية تقديرا أوليا بشأن اتفاق المصالحة الفلسطيني. وجاء في التقدير أن هذا "اتفاق إطار فائق العمومية، غامض بشكل مقصود وبعيد عن التحقيق". وأشار التقدير إلى أن "التفاهمات بين فتح وحماس تبلورت على خلفية التقاء مصالح معين نابع من ضعف ومصاعب يواجهها الجانبان. والاتفاق يذكر تفاهمات سابقة اتفق بشأنها في الماضي ولم تنفذ. وبرغم لقاء المصالح هذا .. فإنّه لا تزال هناك أجواء ريبة وعدم ثقة بين فتح وحماس. الطرفان بعيدان عن التجسير على الهوة بينهما".
وأضاف التقدير أن الرئيس عباس يأمل باستخدام الاتفاق "كرافعة ضغط" على إسرائيل لاستئناف المفاوضات بشروطه. كما أنّ حماس تأمل عبر الاتفاق أن تغير مصر تعاملها السلبي معها وتضمن دخول مؤسسات منظمة التحرير وأن ينال الناشطون الذين يتبعون لها في الضفة الغربية مزيدا من حرية العمل. ويخلص التقدير إلى أنّ الكثير من التفاصيل لم يتفق بشأنها، والرئيس الفلسطيني لديه خمسة أسابيع يملك فيها هامش مناورة بين خيارات عدة.
في غضون ذلك، حث وزير الخارجية الأميركي جون كيري، مساء أمس، القادة الفلسطينيين والإسرائيليين على القيام بتسويات. وقال أمام الصحافيين، أثناء لقائه نظيره النروجي بورغ بريندي، "لا تزال هناك إمكانية للتقدم، لكن يتعين على القادة أن يقوموا بتسويات من اجل ذلك ... إذا لم يرغبوا في القيام بالتسويات الضرورية، فسيصبح ذلك صعبا جدا". وأضاف "لن نتخلى أبدا عن آمالنا وتعهدنا بمحاولة التوصل إلى السلام. ونعتقد انه السبيل الوحيد لكن في الوقت الراهن الوضع بلغ حقيقة مستوى بالغ الصعوبة وعلى القادة أنفسهم اتخاذ قرارات"، مشيراً إلى أنّ "الأمر بين أيديهم".


المصدر: السفير
 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/58178

اقرأ أيضا