/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

فصائل المقاومة في غزة: مواجهة المصير المحتَّم!

2014/04/16 الساعة 06:11 ص

كيف يواجه قطاع غزة تهديدات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة؟ لا مبالغة في القول إنّ هذا السؤال بات وجودياً بالنسبة إلى أهالي القطاع في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها. آخر هذه التهديدات أعلنها صراحة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بعيد انطلاق عملية "كسر الصمت" في شهر آذار الماضي عندما تبنت "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إطلاق عشرات الصواريخ من القطاع ضد الأراضي المحتلة. في ذلك الوقت، دعا ليبرمان إلى "إعادة احتلال" قطاع غزة، محذراً من أنه "بعد هجوم كهذا (كسر الصمت)، لا يوجد بديل عن إعادة احتلال كل قطاع غزة بشكل كامل".
إلا أنّ التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد قطاع غزة في الفترة الأخيرة يكشف في الوقت ذاته تطور التنسيق العسكري بين فصائل المقاومة الفلسطينية، رغم أنّ هذا التنسيق ما زال محدوداً، وفي إطار ضيق للغاية، مقارنة بحجم المخاطر والتحديات الكبيرة التي تواجهها الأذرع العسكرية لهذه الفصائل، سواء من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أو عبر الأزمة التي طرأت مؤخراً في ملف حصولها على الأسلحة بعد إقفال معظم الأنفاق التي تربط القطاع بالخارج، وتحديداً مصر.
من يحكُم يخسر!
مرت فصائل المقاومة في قطاع غزة بمراحل عدة طوال تاريخها المقاوم وعملها السياسي، لكن ثمة تحديات يفرضها وجود جزء أساسي من فصائل المقاومة، وهي حركة حماس، في الحكم. وبحسب البعض، فإن تولي حماس زمام السلطة في غزة اضطرها إلى القبول بتكتيكات سياسية في محاولة للمواءمة بين المقاومة والحكم، ما تســبب في اتخاذها لمواقف لم يسبق لها القبول بها، ما أثّر بالتالي في علاقاتـها مع الفصــائل الأخرى.
يعزو الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف دخول الحركة معترك الحكم إلى رغبتها الحقيقية في حماية المقاومة، لافتاً إلى أنّ الحركة أدركت في حينه وجود محاولات لاحتوائها من خلال الإعلان عن الانتخابات التشريعية والرئاسية والتي تمت العام 2006 والتي كان هدفها القضاء على المقاومة، على حد قوله.
ويعتبر الصواف، وهو مقرب من حماس، أنّ الفصائل استطاعت خلال حُكم حماس لغزة أن تطور قدراتها بدرجة كبيرة جداً، معتبراً أنه "لولا وجود حماس في الحُكم لما تمكنت المقاومة من الوصول إلى مثل هذه التجهيزات والتطوير في أدواتها العسكرية".
إلا أنّ الصواف يقر بأن وجود الحركة في الحُكم أثر في الوقت ذاته على علاقاتها الداخلية مع الفصائل، وكذلك مع المواطنين، لأن "من يحكُم يخسر"، وفق تقديره، مشيراً إلى أنّ هناك تقصيرا إلى حد ما.
ويضيف: "هناك متطلبات كثيرة للمواطنين، ومن الصعب تلبية كل شيء، لكن يمكن القول إن حُكم حماس أفضل بكثير مما لو كان هناك تيار استسلامي للاحتلال، خصوصاً أن المحاولات تجري الآن لتصفية القضية الفلسطينية، كي يخلو الجو للمشروع الأميركي الصهيوني".
من هي الفصائل؟
تنقسم الفصائل الفلسطينية بشكل عام إلى ثلاث مجموعات رئيسية. المجموعة الأولى تنضوي في إطار "منظمة التحرير الفلسطينية" وتقودها حركة "فتح"، فيما تتمثل الثانية في الفصائل الإسلامية الرئيسية وتضم حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". أما المجموعة الثالثة فبعضها تشكل بعد سيطرة حماس على غزة مثل: "حركة الأحرار" و"حركة المجاهدين" و"حركة المقاومة الشعبية"، وبعضها الآخر تشكل بعد سنوات من اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000، مثل "لجان المقاومة الشعبية".
وبالنسبة إلى حركة "فتح"، التي حكمت غزة لعقود، فهي الآن في حالة خصام مع حركة "حماس" بعد أحداث حزيران العام 2007. وفي ظل حالة الانقسام الفلسطيني تقلص دورها السياسي والعسكري في قطاع غزة بشكل كبير، برغم وجود مجموعات صغيرة لها تعمل في الميدان من حين إلى آخر.
وفي هذا الصدد، يؤكد المحلل السياسي الصواف أن علاقة فتح بحركة حماس أصبحت "مسألة محسوبة، وغير طبيعية، ووصلت لحد الصراع"، لكنه يُشير في الوقت ذاته إلى أنّ مجمل العلاقة بين الفصائل الفلسطينية في غزة "بها مد وجزر وتوافق وخلاف"، واصفاً هذه المسألة بالطبيعية في ظل حالة التنافس والصراع القائم. ويضيف "لن يكون هناك توافق مئة في المئة بين الفصائل، بدليل التعايش في ما بينها وهذا يخضع لحسابات كل فصيل".
من جهتها، تعد ا"لجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ثاني أكبر فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية"، وهي من أبرز قوى اليسار الفلسطيني. وقد تأسست كامتداد للفرع الفلسطيني من حركة القوميين العرب، وتعمل بشكل حثيث على توحيد قوى اليسار الفلسطيني بحسب القيادي في الجبهة الشعبية كايد الغول.
يوضح الغول أنّ العمل يسير باتجاه إيجاد جبهة مقاومة موحدة، من خلال مبادرات وآليات لم يجر الأخذ بها، برُغم أهميتها كبديل للسياسات المنفردة. ويشدد كذلك على أن الجبهة قدمت مبادرات سياسية عدة للفصائل من أجل الخروج من المأزق الراهن سواء على المستوى السياسي أو على المستوى العسكري.
ويقول الغول "برغم التباينات والتناقضات السياسية الحاصلة في الساحة الفلسطينية، إلا أننا نرى دائما أن هناك مساحة واسعة يمكن التعاون فيها مع الفصائل، سواء بتقديم الاقتراحات التي من شأنها التوحد، أو في مواجهة الانقسام والعمل على إنهائه، وتبني قضايا الشعب الفلسطيني الحياتية، خاصة أنّ هناك معاناة تتزايد بفعل الاحتلال والانقسام".
أما في ما يتعلق بالعمل العسكري بشكل مباشر، فيشدد الغول على أن الجبهة، وذراعها العسكري "كتائب أبو علي مصطفى"، "تنطلق في قناعتها بضرورة اعتماد العمل المسلح كشكل رئيسي من أشكال مقاومة الاحتلال، وعملت على تعزيز قدراتها من جهة، وهي تنسق مع كل قوى المقاومة في هذا الصدد من جهة ثانية".
يبقى الحديث عن الفصائل في غزة منقوصاً في حال لم تتم الإشارة إلى "ألوية الناصر صلاح الدين"، الجناح العسكري لـ"لجان المقاومة الشعبية"، التي انطلقت في العام 2000، وقامت بالعديد من العمليات العسكرية، أشهرها في شهر شباط من العام 2002 عندما تمكنت من تفجير دبابة "الميركافا"، ناهيك عن دورها الفاعل في عملية "الوهم المتبدد" التي أُسر فيها الجندي الإسرائيـلي جلعاد شـاليط في العام 2006.
وتوجد ثلاث حالات للألوية في قطاع غزة: الأولى، وهي الأساسية، تعمل وفق نهج ورؤية أمينها العام الأول الشيخ جمال أبو سمهدانة، الملقب بـ"أبو عطايا"، والذي اغتالته إسرائيل في شهر حزيران العام 2006، وتعمل هذه الألوية في الميدان بتنسيق مع الفصائل الأخرى في مواجهة الاحتلال، وتمكنت من تطوير قدراتها الصاروخية خصوصاً في عملية "كسر الصمت" في 12 آذار الماضي. أما المجموعة الثانية فانبثقت إثر اغتيال ابو عطايا وتعيين إبراهيم القيسي خلفا له وهو الآخر اغتالته إسرائيل في العام 2012، أما الثالثة انتهجت التيار السلفي، وأطلقت على نفسها "لواء التوحيد والجهاد".
تنسيق عسكري وتباين سياسي
يؤكد الخبير الأمني والعسكري اللواء المتقاعد خضر عباس أن هناك تنسيقا قويا بين الفصائل في غزة على المستوى العسكري بالذات، وخصوصاً بين حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
يشير عباس إلى أن "هناك تبادلا للأدوار في العمل وتناوبا في الممارسة" على اعتبار أنّ السلطة في غزة بيد حماس، التي يمكن أن تحرجها أحياناً بعض الأعمال العسكرية، ما يضطرها للاتفاق مع "الجهاد" أو "ألوية الناصر صلاح الدين"، للقيام بهذا العمل ضد الاحتلال، بحسب تقديره.
ويتضح من خلال ما ذكره عباس حجم التنسيق الكبير بين الفصائل. وكان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح أكد، خلال مقابلة متلفزة مؤخراً، على التواصل المستمر والتنسيق بين الجهاد وحماس، الذي لم ينقطع في أي وقت في العمل ضد الاحتلال، وفقا له.
أما على المستوى السياسي، فيشير عباس إلى وجود تباينات سياسية خاصة بين الفصائل الإسلامية وبين فصائل منظمة التحرير، لكنه يوضح أن ذلك لا يعيق نهائياً عملية التنسيق العسكري.
صعوبات وتحديات
في سياق متصل، تواجه الفصائل الفلسطينية جملة من الصعوبات والتحديات، أبرزها مشاكل إدخال السلاح إلى غزة، بعدما دمرت السلطات المصرية الأنفاق الحدودية. لكنّ الخبير العسكري خضر عباس يلفت إلى أنّ ذلك لم يؤثر بشكل كبير في قدرات المقاومة، التي أصبحت تعتمد على التصنيع الذاتي ذي المستوى العالي جداً، وفقاً له، ولديها طرقها الخاصة لإدخال السلاح.
ويقول عباس: "صحيح أنّ الأنفاق أثرت في الجانب الاقتصادي أكثر، لكن عسكرياً هناك طرق كثيرة لإدخال السلاح، ولا تؤثر بشكل استراتيجي عليها".
في ظل هذه المعطيات، تؤكد مصادر خاصة بـ"السفير" أنّ جهودا تُبذل في هذه الفترة من أجل توحيد كل الحالات تحت إطار مقاوم وموحد، مشيرة إلى أن تلك الجهود أسفرت عن تقارب في وجهات النظر ويقودها كل من "سرايا القدس" و"كتائب القسام".


المصدر: السفير

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/57687

اقرأ أيضا