قائمة الموقع

هل أصبحت المفاوضات وسيلة ابتزاز أميركي ـ إسرائيلي؟.. كتب: إياد مسعود

2014-04-01T10:30:15+03:00

بشيء من التدقيق في المسار التفاوضي، منذ انطلاقته في 30/4/2013 بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، نستطيع أن نتبين كيف نجحت تل أبيب، وبالتعاون مع واشنطن، في حرف هذا المسار عن أهدافه، والسير به نحو أهداف ترى تل أبيب أنها تخدم مصالحها.
فلقد انعقد هذا المسار بدعوة أميركية، على أن ينجز خلال تسعة أشهر مفاوضات تقود إلى حل قضايا الوضع الدائم بين الجانبين، كالقدس والحدود والمياه، واللاجئين والمستوطنات والأسرى والعلاقات المستقبلية بين الجانبين. ولم يخفِ الأميركيون أن هدف المفاوضات، كما دعوا لها هو الوصول إلى «حل الدولتين» للشعبين.
ورغم الغموض الذي يلف «حل الدولتين» فقد استجاب الجانب الفلسطيني للدعوة إلى المفاوضات، وقبل بها، رغم عدم توقف الاستيطان، كما قبل تجميد توجهاته نحو الأمم المتحدة لتفعيل عضوية دولة فلسطين كعضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مقابل إطلاق سراح إسرائيل 104 من قدامى الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا ما قبل التوقيع على اتفاق أوسلو. من بين هؤلاء الأسرى 14 أسيراً من الفلسطينيين العرب داخل مناطق 48، وافقت إسرائيل على إطلاق سراحهم في النبضة الرابعة، أي في 29/3/2014، رغم أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية. والتزم الرئيس عباس بما تعهد به، ووافق على تجميد التحرك الدبلوماسي الفلسطيني بما في ذلك التوجه نحو محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة لاهاي، لنزع الشرعية عن الاحتلال، وعزل إسرائيل، مقابل معالجة القضايا الإنسانية لمئة وأربعة من الأسرى. ولعل الجديد في الموضوع هو قبول إسرائيل بإدراج أسرى من مناطق الـ 48 على لائحة المرشحين لإطلاق سراحهم، وهو ما يراه الفلسطينيون مكسباً سياسياً، من شأنه أن يعزز من مكانة السلطة الفلسطينية في عيون أبناء الـ48 وأن يعزز العلاقة بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.
إسرائيل حاولت أن تجعل من قضية الأسرى قضية ابتزاز سياسي للجانب الفلسطيني. رغم أن الاتفاقات كانت قد نصت على إطلاق سراح هؤلاء مع تطبيقات اتفاق أوسلو. لكن الأسلوب الإسرائيلي في المماطلة قاد إلى ما قاد إليه، فبقي 104 من كبار الأسرى في سجون الاحتلال. وفي سياق الابتزاز الذي أشرنا إليه أصرت إسرائيل على تقسيم الأسرى المذكورين إلى 4 دفعات، يتم إطلاقهم على فترات زمنية تنتهي مع المرحلة الأخيرة من مفاوضات الأشهر التسعة، المقرة كزمن لإنهاء التفاوض. وتحدد يوم 29/3/2014 موعداً للدفعة الرابعة الأخيرة من إطلاق الأسرى، سيراً مع انسياب العملية التفاوضية.

هنا برزت التطورات التالية:
أولاً أن المفاوضات الثنائية بين الجانبين توقفت في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي بعد حوالي 16 جولة تفاوضية لم يستطع الطرفان فيها أن يتقدما خطوة واحدة إلى الأمام. مما أدى تعطلها، واستعاض عنها الجانب الأميركي بمفاوضات ثنائية بينه وبين كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على حدة، يلتقي فيها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الرئيس محمود عباس مرة، ورئيس حكومة إسرائيل نتنياهو مرة أخرى، في محاولة لتقريب وجهات النظر، والبحث عن التقاطعات الممكنة بين الجانبين. ثم توقفت هذه اللقاءات، ويمكن القول إن العملية التفاوضية معلقة بما في ذلك دور الوسيط والراعي الأميركي.

ثانياً: بدأت داخل إسرائيل ترتفع أصوات، تدعو إلى تجاوز الاتفاق مع الفلسطينيين عبر رفض إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من مناطق الـ 48 باعتبارهم إسرائيليين، وباعتبار أن إطلاق سراحهم باتفاق مع الفلسطينيين هو «مس بالسيادة الإسرائيلية». بعض الوزراء هدد بالاستقالة من حكومة نتنياهو إن هو التزم الاتفاق وأطلق سراح هؤلاء.

ثالثاً: هذا الموقف سرعان ما تطور ليصبح موقفاً إسرائيلياً أكثر تعنتاً يرفض إطلاق الدفعة الرابعة كلها إذا لم يوافق الفلسطينيون على تمديد العملية التفاوضية، وتجاوز فترة الأشهر التسعة وتمديدها لمدة عام جديد، بموجب الأسس التي قامت عليها العملية التفاوضية الحالية.

رابعاً: التقت هذه المواقف الإسرائيلية المتعنتة مع استدارة في «الرعاية» الأميركية للمفاوضات، انتقلت من مرحلة البحث عن حل لقضايا الوضع الدائم، التزاماً بفترة الأشهر التسعة، إلى مرحلة البحث في الاتفاق على «اتفاق إطار» يمهد لتمديد المفاوضات لسنة جديدة، ودوماً تحت عنوان «قضايا الوضع الدائم». وقد تجاوز الأميركيون بخطوتهم هذه موقفهم السابق الذي وعدوا من خلاله أن يكشفوا عن الجانب المعطل للعملية التفاوضية إذا لم يتم التوصل إلى حل مع نهاية الأشهر التسعة.

الآن، وبمواقفهم الحالية، يكون الأميركيون قد أحدثوا التفافة كبرى حول الموقف الفلسطيني.
فبدلاً من أن يكون هدف المفاوضات هو الوصول إلى حل لقضايا الوضع الدائم، خلال تسعة أشهر، ينتهي معها الاحتلال، ويكون عندها من حق الفلسطينيين الإعلان عن قيام دولتهم وممارسة سيادتهم على أراضيها، انتقل الموقف نحو البحث في «اتفاق الإطار».
وبدلاً من أن تكون فترة الأشهر التسعة هي الفترة الأخيرة للمفاوضات، يتجه الأميركيون نحو الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بالتمديد لعام جديد، لا يحمل في مقدماته ما يؤشر إلى استعداد الجانب الإسرائيلي للوصول إلى حل متوازن مع الفلسطينيين.
وبدلاً من أن يكون إطلاق سراح الأسرى خطوة تبادلية مقابل امتناع الفلسطينيين عن الذهاب إلى الأمم المتحدة، تحول هذا الأمر إلى مادة ابتزاز سياسي. «تمديد المفاوضات لعام جديد وإلا».
وهكذا نجد أنفسنا أمام مسافة كبيرة تفصل بين نقطة انطلاق المفاوضات في 30/4/2013 والأهداف التي رسمها الأميركيون لها، وبين ما وصلت إليه المفاوضات في ظل المواقف الأميركية والإسرائيلية المبنية على الابتزاز السياسي.
ويتواصل الابتزاز أكثر فأكثر ليأخذ طابع التهديد، بفرض الحصار السياسي والمالي والاقتصادي على السلطة الفلسطينية، وخلق المصاعب الإدارية لها، إن قرر المفاوض الفلسطيني «التمرد» على الإدارة الأميركية. ما يعني أن الفلسطينيين باتوا على أبواب تحد سياسي، يتطلب منهم إجراء مراجعة للمسار التفاوضي، وللرعاية الأميركية وللسياسة الإسرائيلية، وإعادة قراءة الحالة العربية والإقليمية، والبحث عن أوراق القوة وأدواتها، على الصعيد المحلي، والعربي، لمواجهة الضغوط والابتزاز الأميركي والإسرائيلي، وضمان عدم تشقق الموقف داخل م.ت.ف، بما يمكن من عبور المرحلة القادمة، بأقل الخسائر الممكنة، والبحث في استراتيجية وطنية بديلة، مستندة إلى الاستخلاصات الناشئة عن المراجعة الوطنية الشاملة للمسار السياسي بكل جوانبه.
 

 

المصدر: صحيفة المستقبل

اخبار ذات صلة