في الذكرى ال35 لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني برعاية أمريكية، نتأمل المشهد العربي المأساوي الراهن لنجد آثار ما تركته تلك الاتفاقية من تداعيات كارثية على مجمل الساحة العربية عموماً وعلى القضية الفلسطينية خصوصاً .
لقد ألقى خروج مصر من الصراع العربي الصهيوني، والتخلي عن دورها المركزي بظلال سلبية على مجمل العمل العربي المشترك، وتركه رهينة الصراعات الإقليمية والدولية، لأنه كان يمثل الثقل الموازن القادر على ملء أي فراغ، والتصدي لأي تهديد، إضافة إلى أنه كان العامل الموحد القادر على الجمع، بدل أن يتحول إلى عامل طرح وقسمة .
أدى خروج مصر من معادلة الصراع بكل ثقلها ووزنها إلى فقدان المناعة القومية، وطغيان كل النوازع القطرية الضيقة، ومعها الطائفية والمذهبية، وأخطرها الأفكار الارهابية التكفيرية التي تحولت إلى ألغام متفجرة في الوطن العربي تهدد وجود دوله ومجتمعاته .
كل ذلك وفر للعدو الصهيوني فرصة ذهبية كي يستفرد بالقضية الفلسطينية ويحاصرها، ويطلق العنان لنهجة العدواني العنصري في التوسع والتهويد، ويمارس العدوان على الدول العربية بعدما وجد أنه لم يعد مقيداً بحسابات الردع المصري، لأن اتفاقية كامب ديفيد حررته من كل قيد، وأخرجت القضية الفلسطينية من حضنها العربي الطبيعي، ونزعت عنها المرجعيات الدولية ووضعتها في يد الراعي الأمريكي "النزيه" الحليف الطبيعي للكيان الصهيوني .
ثم إن اتفاقية كامب ديفيد فتحت أبواب إفريقيا وآسيا أمام العدو بعد أن ظلت مغلقة في وجهه، وتحولت بعض الدول التي أعادت علاقاتها معه إلى مواقع تهديد للأمن القومي العربي، وخصوصاً أمن مصر .
فرضت الاتفاقية أيضاً قيوداً على سيادة مصر على أراضيها في سيناء، وعدم قدرتها على بسط سلطتها بما يمكن من وسائل أمنية وعسكرية في حال تعرض سيناء للخطر، وما نراه الآن من تداعيات تنامي الإرهاب هناك هو من جراء هذه القيود .
تحاول الثورة المصرية التي أطاحت نظام الإخوان يوم 30 يونيو/ حزيران الماضي، إخراج مصر من الارتهان للخارج، واستعادة دورها القومي الطبيعي، وإعادة تشكيل حالة من التضامن العربي لمواجهة مخاطر المرحلة، والتقليل من مخاطر الكوارث التي تسببها كامب ديفيد .