ارتبط الفلسطيني بأرضه منذ أن وُجد عليها لتشكل له عقيدة وهوية ووجود، فكان منذ القِدم مرتبطا بها كأرض مقدسة ومقرا للرباط والجهاد. ومنذ النكبات المتتالية على أرض فلسطين بالتهجير والتهويد والسرقة للمعالم والتاريخ، يجد الفلسطيني علاقته بأرضه تشكل له عنوان البقاء والصمود، فيزداد ارتباطا وتعلقا بها والسعي في حمايتها، فيقع الشهيد على ارضها ليموت مدافعا عن عروبتها، ويُعتقل الاسير مدافعا عن قضيتها وهويتها، و يُمارَس الإبعاد والتهجير لإقتلاع جذور الصمود الفلسطيني، وتُسرق الأرض لتُقلع منها أشجار الحقيقة والتاريخ لتُزرع بأحجار الاستيطان والمحتلين. أرض فلسطين والإنتماء اليها ليس كأي أرض، فهي الارض التي نزفت الكثير، وعانت من ويلات المحتلين.
في 15/ايار/1948 أُعلن الصهاينة عن قيام "دولة يهودية" على أرض فلسطين التاريخية، عملت العصابات الصهيونية طوال السنوات التي سبقت هذا التاريخ، وحتى السنوات التي تلته، على تهجير الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، إلا أن هناك من بقي على أرضه، ليتم تسميتهم بمسميات عدة مثل "عرب 48" و "فلسطينيو 48"، والذين دفعوا ذلك غاليا، ابتداء من العيش تحت الحكم العسكري الذي فرضته عليهم "اسرائيل" وحتى القتل، مرورا بمصادرة أراضيهم.
كانت الحركة الصهيونية ترغب في السيطرة على كل أرض فلسطين التاريخية، وطرد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين منها، وكانت منطقة الجليل التي كانت تصل نسبة السكان العرب فيها في ذلك الوقت 70%، من أهم المناطق التي تخطط الحكومة الصهيونية لتهويدها والاستيلاء على أراضيها.
ولتجذير هذه العلاقة والانتماء فقد ارتقى بيوم الارض الخالد ستة شهداء، الشهيد خير ياسين، الشهيد خضر خلايلة، الشهيدة خديجة شواهنة، الشهيد رجا ابو ربا، الشهيد محسن طه والشهيد رأفت الزهيري.
تعود أحداث يوم الأرض الفلسطيني لعام 1976 بعد أن قامت السلطات الصهيونية العنصرية بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذو أغلبية سكانية تحت غطاء مرسوم جديد صدر رسمياً في منتصف السبعينات، أطلق عليه اسم مشروع "تطوير الجليل" والذي كان في جوهره الأساسي هو "تهويد الجليل" وبذلك كان السبب المباشر لأحداث يوم الأرض هو قيام السلطات الصهيونية بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها
وعلى أثر هذا المخطط العنصري قررت لجنة الدفاع عن الأراضي بتاريخ 1/2/1976 م عقد اجتماع لها في الناصرة وفيها تم إعلان الإضراب العام الشامل في 30 آذار احتجاجاً على سياسية المصادر وكالعادة كان الرد الإسرائيلي عسكري دموي إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية وأخذت باطلاق النار عشوائياً فسقط الشهيد خير ياسين من قرية عرابة، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم التالي 30 آذار انطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة فسقط الخمسة شهداء الآخرين وعشرات الجرحى.
وفي 31/ آذار هبت الجماهير العربية وأعلنتها صرخة احتجاجية في وجه سياسات المصادرة والاقتلاع والتهويد. وكان يوم الأرض أول هبة جماعية للجماهير العربية، تصرفت فيها جماهيرنا بشكل جماعي ومنظم، حركها إحساسها بالخطر، ووجّهها وعيها لسياسات المصادرة والاقتلاع في الجليل، خصوصا في منطقة البطوف ومثلث يوم الأرض، عرابة، دير حنا وسخنين، وفي المثلث والنقب ومحاولات اقتلاع أهلنا هناك ومصادرة أراضيهم. في هذا اليوم، الذي يعتبر تحولا هاما في تاريخنا على أرضنا.
يعتبر يوم الأرض حدثًا مهمًا في التاريخ الفلسطيني، في المرة الأولى منذ النكبة تنتفض هذه الجماهير ضد قرارات السلطة الصهيونية المجحفة وتحاول الغاءها بواسطة النضال الشعبي، فهو اليوم الذي أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية وحقهم في الدفاع عن وجودهم، رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل التي كانت، وما زالت، تمارسها السلطات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني بهدف إبعاده عن أرضه ووطنه.
معركة الأرض لم تنته بعد، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا، ولا تزال سياسات المصادرة تطاردنا، لا بل إننا نمر بواقع مرير ومرحلة معقدة، تكثر فيها التوجهات العنصرية التي تسعى إلى نزع شرعيتنا السياسية وشرعية وجودنا، وليس فقط مصادرة أرضنا.
ونجح الإضراب في هذا اليوم نجاحًا تحول معه اليوم إلى علامة بارزة في تاريخ النضال الفلسطيني، يحيي ذكراها الفلسطينيون جميعًا أينما وجدوا، في كل أرض فلسطين التاريخية، وفي المخيمات و كل بلاد الشتات.