تحقيق خاص لرابطة بيت المقدس لطلبة فلسطين:
يفتح أبناء شعبنا في لبنان أعينهم مبكراً على واقع مرير، حيث هم محرومون من أبسط حقوقهم الإنسانية والاجتماعية، وحيث معدلات البطالة المرتفعة، في مخيمات هي أشبه بالمعازل،والمفتقرة لأبسط مقومات الحياة الآدمية.
"العلم هو المخرج الوحيد، وهو الأمل المتبقي"... هذا ما يسمعه كل طفل فلسطيني يخرج إلى الدنيا في اللجوء. لتبدأ مسيرة الكفاح العلمي من إحدى الروضات، مروراً بمدارس الأونروا حيث الصفوف المكتظة والملاعب الضيقة، وصولاً الى قاعات الجامعة التي بالكاد يبلغها الفلسطيني بشق الأنفس ليكون أمام أحد خيارين: إما الالتحاق بأحد فروع الجامعة الرسمية اللبنانية، التي تحرمه من الكثير من اختصاصاتها، وإما تكبد مشقة تأمين منحة تعليمية تساعده على الالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة... وفي مسيرة الشقاء هذه، تسقط القوانين اللبنانية والظروف الحياتية الكثيرين من الذين يجدون أنفسهم إما أنهم قد تجاوزوا السن الذي يسمح لهم بتعلم مهنة – على فرض وجود مثل هذه الفرصة – وإما الرضى "مكرهين" بممارسة أعمال بالكاد تسد رمقهم ورمق عائلاتهم.. ولكنها بالتأكيد لا تسمح لهم بتأمين حياة أفضل.
أقلية ضئيلة قد يسعفها "الحظ" أو الظروف في الوصول الى لحظة التخرج. لكن سرعان ما تتحول تلك اللحظة الى كابوس حقيقي. فالمتخرجين يتقاذفهم سبيلان: إما الحصول على وظيفة في الخارج – وهذه رهن بعوامل وظروف معقدة وذات طبيعة سياسية في الأغلب - وإما البحث عن عمل في لبنان، البلد الذي تحرمهم قوانينه وأنظمته من ممارسة أكثر من سبعين مهنة، وتسلبهم الحق في الضمان وتأمينات العمل. حتى ولو استطاع المتخرج الفلسطيني في لبنان اختراق الحصار الإعلامي التحريضي ضد كل ما هو فلسطيني، والحصول على وظيفة في إحدى المؤسسات اللبنانية، فإنّه يحصل عليها مقابل أجر يكاد لا يتجاوز الحد الأدنى. ورغم ذلك يبقى عرضة لتقلبات الظروف الأمنية والسياسية والاجتماعية المتقلبة في هذا البلد. والنتيجة الأكيدة أن المتخرج الفلسطيني في لبنان، وإن استطاع الحصول على وظيفة، فإنها بالكاد تلبي احتياجاته الشخصية والخاصة، دون أية فرصة لتحسين أوضاعه أو بناء مستقبله. الذين يستطيعون الحصول على وظيفة في وكالة الأونروا وحدهم قد تكون أوضاعهم أحسن حالاً.. ولكن تقف دون الحصول على مثل هذه الوظيفة عقبات كأداء، تبدأ من تأمين واسطة أكبر من الواسطات الأخرى، ولا تنتهي عند طلبات السماسرة.
يقدم لنا الواقع صوراً مأساوية لكثير من المتخرجين الفلسطينيين في لبنان:
محمد الحاج: الذي تخرج من جامعة بيروت العربية بدرجة "ممتاز" في اختصاص "التجارة وإدارة الأعمال"، يعمل منذ سنتين في "محمصة"، براتب لا يتجاوز 500 ألف ليرة لبنانية، وهو دون الحد الأدنى للأجور في لبنان.
أحمد العينا: متخرج اختصاص الرياضيات في جامعة LIU، فإنه يعمل في محل لبيع "الحلويات".
بلال الآغا: مهندس اتصالات، وبلا عمل منذ سنتين.
فاديا منصور: لم تستطع إكمال سنة التخرج في كلية الإعلام في إحدى الجامعات الخاصة، ولا تزال تبحث عن وسيلة تمكنها من إكمال دراستها في الجامعة اللبنانية.
محمد إسماعيل: خريج معهد النرويجية في إدارة الأعمال، يبحث عن عمل منذ أربع سنوات... هذه عينة من مئات من المتخرجين الفلسطينيين في لبنان.
هذه عينة من مئات من المتخرجين الفلسطينيين في لبنان.
يواجه كل متخرج فلسطيني في لبنان هذه المأساة المتعددة الأوجه منفرداً، حيث تغيب خطط المعالجة الجماعية، رغم أن المشكلة مجتمعية بامتياز. فالوظائف التي توفرها وكالة الأنروا، المسؤولة رسمياً عن تشغيل اللاجئين، محدودة جداً ودونها عقبات. وكذلك، فإنه لا وجود لمؤسسات اقتصادية فلسطينية فاعلة في لبنان؛ وهي إن وجدت، فإنها محدودة الحجم والولاء.
المتخرجين الفلسطينيون هم إحدى قوى المجتمع الفلسطيني، ولكنهم للأسف قوة معطلة. ومعالجة هذا الأمر يحتاج الى رؤية مجتمعية استراتيجية فلسطينية يتحمل الجميع مسؤوليتها، بدءاً من المتخرج الفلسطيني نفسه، بل من أهله وذويه، مروراً بوكالة الأونروا وكافة القوى والفصائل الفلسطينية.
المطلوب اليوم مؤتمر مجتمعي جامع لإيجاد الحلول المباشرة والمتوسطة والبعيدة المدى لحل إحدى أهم المعضلات التي تواجه شعبنا، وتعيد الأمل الى نفوس الشباب الفلسطيني الذي لا يجب تركه رهينة ولقمة سائغة بين البطالة والفراغ، حيث مكمن الشرور كلها.