تستمر محاولات اشعال الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية لإحداث انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال (الإسرائيلي)، في الوقت الذي استأنفت فيه مفاوضات التسوية بين الاحتلال والسلطة بعد أن تخلت الأخيرة عن شروطها لاستئناف هذه المباحثات وهي وقف الاستيطان في الضفة والقدس المحتلة.
ويرى قادة الاحتلال المشرفين على العمليات العسكرية في الضفة الغربية أن اندلاع انتفاضة ثالثة في محافظات الضفة بات قاب قوسين أو أدنى بعد سلسلة عمليات عسكرية نفذها مجهولين حتى اللحظة لم تلقي أجهزة الاحتلال القبض عليهم.
خلال الشهر المنصرم، شهدت محافظتي قلقيلية والخليل عمليتين أسفرتا عن قتل جنديين إسرائيليين، في قلقيلية عندما نفذ مواطن فلسطيني عملية خطف جندي (إسرائيلي) وقتله، وأراد مبادلة جثته بشقيقه الأسير في سجون الاحتلال، وفي الخليل عندما أقدم قناص على قتل جندي (إسرائيلي).
ومطلع الشهر الحالي، نفذ فلسطيني عملية أخرى عندما اخترق مستوطنة على مشارف مدينة رام الله، وأصاب مستوطنة (إسرائيلية) بجراح بعد طعنها بسكين.
وكانت مجلة (إسرائيلية) قالت: "إن قيادات عسكرية في جيش الاحتلال يتحدثون عن تزايد وتيرة النشاط الشعبي في مناطق الضفة الغربية وأن الوضع مشابهٌ لما كانت عليه الأمور قبيل الانتفاضة الأولى".
ونقلت مجلة "بازم" الإلكترونية المتخصصة بالشئون العسكرية عن مسئولين بالصف الثاني من قيادة الجيش أن الضفة تشهد حراكًا خطيرًا يحاكي ذلك الحراك الذي سبق انتفاضة العام 1987.
وعلى الرغم من أن المجلة صنفت العام الجاري ضمن الأعوام الهادئة، إلا أن "الأحداث المتلاحقة من خطف جندي وقنص آخر ومقتلهما وإصابة طفلة بمستوطنة بساغوت كانت تعكر ذلك الهدوء".
وأضافت "بازم" أن رئيس الأركان بالجيش يسارع دومًا لطمأنة الجمهور بأن تلك "الحوادث" فردية وليست متصلة بموجة عامة.
وأشار أحد قادة الألوية العسكرية بالضفة أن الوضع على الأرض مخالفُ تمامًا للكلام المعسول- وفق المجلة، مضيفاً: "إن مدن الضفة تجلس على برميل بارود وقد ينفجر بأية لحظة ولا يجب الانخداع بالهدوء القائم".
ارهاصات مستحقة
محللان سياسيان، أشاروا إلى أن ارهاصات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة هي ذاتها التي سبقت الانتفاضة الأولى، حيث يشهد المجتمع الفلسطيني تدهوراً كبيراً على مستويات عدة، مؤكدين أن الاحتلال يتخوف من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية التي من شأنها أن تقلب الطاولة على جميع مخططاته الاستيطانية والتهويدية في الضفة الغربية والقدس المحتلة
واتفق المحللان خلال حديثهما لـ"الاستقلال" على أن السلطة الفلسطينية تخشى أيضاً اندلاع مثل هذه الهبات الشعبية في وجه الاحتلال وترغب في نيل الحقوق عن طريق التفاوض، واتفقا ايضاً على أن نيل الحقوق عن طريق التفاوض كمن ينال قشر الموزة ويحرم من لبها.
المحلل السياسي عبد الستار قاسم، يرى أن اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة قد دخل استحقاقه منذ سنوات عدة مضت، بسبب تعاظم الانتهاكات (الإسرائيلية) ضد القدس والثوابت الوطنية، وإمعان السلطة في التفاوض مع الاحتلال دون نتيجة.
وقال قاسم لـ"الاستقلال": "إن قادة الاحتلال (الإسرائيلي) يعلمون تماماً أن الانتفاضة باتت قريبة بل ويتجهزون لها أيضاً، ويستعدون لقمعها بمساعدة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، لذلك يجب على الفلسطينيين أن يكونوا واعيين لذلك وأن يعملوا على مواجهة كافة المخططات الأمنية الهادفة لقمع هبتهم".
وبيّن قاسم أن غرق السلطة بالتفاوض مع الاحتلال دون تحصيل أي حقوق زاد الرغبة لدى الناس من قيام انتفاضة ثالثة، مضيفاً: "المواطنين سئموا من 20 سنة من التفاوض دون حل أو نهاية لهذا الصراع، وهم يؤمنون أن الحل الأمثل لنيل الحقوق هو المقاومة، لذلك يجب على السلطة أن تطلق يد المقاومة".
ومن جهة ثانية، يرى المحلل السياسي قاسم، أن ثمة عقبات أخرى تحول دون قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة، أبرزها الانقسام الفلسطيني الذي قصم ظهر القضية الفلسطينية، وجعل الفلسطينيين والفصائل غارقين في همومهم اليومية وتوفير لقمة عيشهم.
وقال: "اعتقد أنه لا انتفاضة ثالثة إلا بإنهاء الانقسام الداخلي، لأن هذه الانتفاضة ستكون بحاجة لجميع فئات الشعب الفلسطيني من مختلف مكوناته وفصائله، فلا يمكن أن تقوم مجموعة بالانتفاض هنا ومجموعة جالسة لا تحرك ساكناً، لذلك يجب أن تكون هناك وحدة وطنية".
عقبة الانقسام
من ناحيته، أكد المحلل السياسي إياد عطا الله، أن الانتفاضة الثالثة أطلقت صفارة انطلاقتها منذ سنوات بعد توفر كافة شروطها، إلا أنه يقف أمامها عقبة واحدة وهي الانقسام الفلسطيني.
وأوضح عطا الله لـ"الاستقلال" أن كافة المستويات المعيشية في المجتمع الفلسطيني تشير إلى أن الانتفاضة دخلت استحقاقها وأن أسوء من الحقبة الحالية لم يمر على الشعب الفلسطيني منذ خليقة قضيته العادلة ونكبته عام 1948.
وقال: "من ناحية سياسية، فالسلطة الفلسطينية تفاوض خالية اليدين ودون استراتيجية واضحة، والاحتلال يستمر في استيطانه واجتياحه لمحافظات الضفة الغربية، وهناك هجمة شرسة ضد المسجد الأقصى من خلال دراسة تقسيمه كما الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود وتعاظم الحفريات والاستيطان، وكذلك تزايد الانتهاكات بحق فلسطينيي الداخل المحتل الذين يواجهون مخطط تهجيري جديد يستهدف وجودهم".
أما من ناحية معيشية، والحديث لعطا الله، فإن الأحوال المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين سيئة للغاية بسبب اشتداد حصار غزة، وارتفاع الأسعار في الضفة الغربية وعرقلة تحرك المواطنين بين المحافظات بفعل الحواجز والاجتياحات المتكررة لمدن الضفة.
وبيّن أن المفاوضات الثنائية بين السلطة والاحتلال التي دامت أكثر من 19 عاماً، "لم تجلب أي شيء للفلسطينيين، بل ساهمت في قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وإضاعة الحقوق وتهجير الأهالي وإبعاد الرموز الفلسطينية وقتل المزيد من المواطنين".
ولفت عطا الله النظر إلى أن السلطة تتعرض لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة وأمريكا من أجل العودة للتفاوض دون شروط، مشدداً على أن تكرار خطيئة اتفاق أوسلو يعد "انتحاراً سياسياً".
وتابع: "التنسيق الأمني وقمع المقاومة وانتهاج طريق التفاوض بشكل دائم، كل ذلك شجع الاحتلال للإمعان في جرائمه بحق الفلسطينيين، وعدم الانجرار إلى مفاوضات تؤدي إلى تسوية وإيقاف عملية نهب الأراضي الفلسطينية".
ونوه إلى أن السلطة تضيع وقتها في سعيها المستمر وراء المفاوضات التي لم تأت بأي جديد، منوهاً إلى أن مسئولين لدى السلطة باتوا على قناعة أن المفاوضات لم تعد خياراً وحلاً لإنهاء الصراع.