الشهيد سامي الشيخ خليل كان واحداً من ستة أبطال صنعوا انتصاراً كبيراً حين تمكنوا بمعية الله الهروب من سجن غزة المركزي، مسجلين بذلك أروع الانتصارات على الجيش الصهيوني الذي جند كل قواته للعثور عليهم دون جدوى، فكانت معركة الشجاعية الحاسمة حين قرر " محمد الجمل، وسامي الشيخ خليل" ومن رافقهم المسير بعد عملية الهروب " الشيخ زهدي قريقع، واحمد حلس، وفايز الغرابلي"، قرروا تنفيذ عملية في موقع عسكري صهيوني، لكن قدر الله أراد لهم الموت شهداء في معركة بطولية استمرت لعدة ساعات شاركت فيها طائرات الاباتشي والآليات المدرعة أمام ثلة قليلة تسلحت بالإيمان وبعض الأسلحة البسيطة بالمقارنة بالعتاد التي يمتلكها جيش الاحتلال، فكانت دمائهم التي سالت على ارض فلسطين صيحة أيقظت شعب ظن الكثير انه بات في غياهب الجُب .
ستة وعشرون عاماً ولا تزال قصص بطولاتهم نبراساً يهتدي به عشاق الشهادة، تعالوا معنا ندخل في ممرات الشهادة لعلنا نقترب أكثر من سيرتهم العطرة .
حكاية بطل يرويها والده
ويقول والد الشهيد سامي الشيخ خليل "أبو عبد الرحمن" :" الشهيد كان جهادياً منذ صباه، ملتزماً، لم اعهد عليه في حياته أي انحراف في سلوكه، كما الكثير من أقرانه في ذلك الوقت"، مؤكداً ان معظم أصدقائه كانوا من أبناء المساجد .
وتابع حديثه قائلاً:" في أحد الأيام تأخر سامى، وافتقدناه لأنه لم ينم ليلتها في البيت وقلقنا عليه أنا ووالدته، لكننا سعدنا به عندما عرفنا أنه ذهب مع أصدقائه للدفاع عن المسجد الأقصى، لمنع دخول المغتصبين الصهاينة إلى باحاته".
ولفت الوالد الصابر إلى أن نجله تعرض للاعتقال، وهو لازال طالباً في المدرسة بسبب ارتدائه للكوفية الفلسطينية "الحطة"، لأن مظهره كان استفزازاً لهم، وعند الإفراج عنه عاتبه أصدقاؤه وبشدة على موقفه فأجابهم بعناده المعهود بأن الجهاد لا يعرف الوسطية أو الخوف.
وفي سنة 1986 اعتقل الشهيد سامي مع قريب له منظم في حركة فتح حيث كان قد نظم سامي معه، حيث ذهبا معاً لردع أحد العملاء، ومنذ الأيام الأولى انتمى الشهيد لحركة الجهاد الإسلامي في السجن وعمل مشاكل كثيرة مع تنظيم فتح في السجن بسبب قضية التحويل، ويقول والده ان صدى هذه المشاكل وصل إلى بيتنا وعندما راجعته أثناء زيارته في السجن أجاب سامي «الجهاد الإسلامي هو الطريق الصحيح».
ويضيف والده أنه بعد أن منعتنا إدارة السجن من زيارته مرتين وعند الاستفسار علمنا أنه ضرب أحد السجانين ضربة قوية في إحدى المرات حيث كان الشهيد يجيد الكراتيه، لأنه يراها مسألة مهمة لمن يريد مقاومة الاحتلال، فاعتدى عليه جنود الاحتلال جميعاً ومنعونا من زيارته، وبعد فترة من الوقت تمكنا من زيارته وعاتبته على فعله، فأجاب بعناد سنواصل قتالهم لأنهم ظلمة ويجب مواجهتهم.
هروب ومعاناة
عن كيف عرف بهروب نجله ورفاقه من السجن آنذاك، قال الوالد الطاعن في السن: أثناء وجود الشهيد سامي في السجن وفي أحد الأيام جاء الجنود والجيش بكثرة وبشكل مفاجئ إلى البيت ورابطوا فيه، عندها فهمنا ضمناً أن سامي حصل معه شيء، وبالفعل، سمعنا بعدها مباشرة من الأخبار عن الهروب من سجن غزة المركزي "السرايا"، مؤكداً أن الشهيد سامي تمكن من مقابلته مرتين قبل أن يرتقي شهيداً خلال فترة مطاردته.
حول ماد دار في هذا اللقاء، قال أبو عبد الرحمن :" طلبت من المغادرة للخارج كما فعل بعض إخوانه فأجاب سامي: "الخروج سهل في ليلة بنطلع، ولكننا نريد البقاء هنا ونستشهد على هذه الأرض الطاهرة".
ولقد تعرضت عائلة الشهيد سامي إثر الهروب لشتى أنواع الضغط والتضييق لإكراهها على الإدلاء بأي معلومات عن مكان اختبائه أو على الأقل تزويدها بمعلومات عنه، ولقد تمت مداهمة المنزل عشرات المرات، وتكسير الأثاث والشتم والتهديد والوعيد ولقد اعتقل والده وأخوه في السجن لمدة قصيرة متفاوتة، كان آخرها اعتقال الوالد لمدة 18 يوماً في محاولة لإرغامه على الإبلاغ عن مكان وجوده ولقد ساوموه حتى على شرفه فأحضروا ابنته - شقيقة الشهيد - والتي لم يمض على زواجها إلا قليل ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل.
انطلاقة جديدة للعمل الجهادي
وقد تمكن الشهيد سامي الشيخ خليل خلال فترة اختفاءهم من اغتيال رجل المخابرات الصهيوني " رون طال" عند موقف جباليا حيث تمكن من إطلاق ست رصاصات من مسدسه في رأس الجندي الصهيوني وقدميه.
ومن المفارقات ان اغتيال الضابط الصهيوني جاء في يوم عيد الأضحى المبارك، فبدا الشيخ مصباح الصوري ورفاقه يمازحونه، بأنه قدم ذبيحة لله في يوم النحر.
ولقد كانت تلك الفترة مرحلة جهاد كبرى في حياة غزة، قادها الشهيد سامي وإخوانه الأطهار، وقد أوقعت العديد من جنود وضباط العدو ومستوطنيه بين قتلى وجرحى، وبثت الفزع والرعب في أوساط أجهزة العدو، حيث خرجت الصحف العبرية آنذاك بعناوين عريضة تقول :" الجهاد الإسلامي اسم جديد يثير الرعب في غزة".
قصة استشهاد البطل
في 6/10/1987م كانت عصبة الإيمان في سيارتين الأولى تضم الشهداء (حلس وقريقع) والثانية تضم الشهداء (الجمل وسامي الشيخ خليل) وغيرهم ممن لم تكتب لهم الشهادة، كان النشامى كما يبدو في مهمة جهادية أو استطلاعية لأنهم كانوا معاً وبأسلحتهم، وكان العدو ناصباً كميناً لهم قبالة مسجد التوفيق بالشجاعية وتركوا السيارة الأولى تمر دون اعتراض وعندما وصولت السيارة الثانية اعترضوها ووقف ضابط مخابرات صهيوني وقال بصريح العبارة «سلّم نفسك يا سامي» فعندها أسرع سامي بإطلاق الرصاص عليه من مسدسه فأرداه قتيلاً على الفور، وكان هذا الضابط - كما كشفت التفاصيل فيما بعد - هو الذي حقق مع سامي في السجن فضغط بالتهديد على سامي كثيراً فصرخ سامي عليه إنني سوف أقتلك ولو آخر يوم في حياتي، وآخر يوم في حياة الشهيد رحمه الله أطلق سامي رصاصة الوفاء للعهد والقسم على رأس الجلاد فأوفى بوعده كاملاً، وبعدها بدأت المعركة التي انتهت باستشهاد الفرسان الأربعة رضي الله عنهم أجمعين بعد مطاردة السيارة الأولى.