قائمة الموقع

المسجد الأقصى: تقدير موقف

2013-10-01T13:44:40+03:00

يهدف هذا التقرير إلى قراءة واقع المسجد الأقصى المبارك، وتقدير الأخطار التي تهدده وتحدّق به، وجهود مواجهتها والتصدّي لها، وردود الأفعال العربية والإسلامية عليها، وقراءة أبرز المواقف الدولية المتعلقة بالمسجد، ومن ثم يحاول بعد استعراض الاتجاهات والمعطيات في كل مجال من هذه المجالات رسم صورة عامة للاتجاهات المتوقعة على المدى القريب والمتوسط، ليضع الأمة إزاء مسؤوليتها تجاه المسجد، ويعلمها بحقيقة الموقف الذي تقف فيه، وبمدى جدوى وفعالية الجهود المبذولة لحمايته، والواجب تجاه تفعليها وتطويرها.
ويأتي تقدير الموقف هذا في سياق مشروع «عين على القدس» الذي تتبناه مؤسسة القدس الدولية، وهو مشروع توثيقي شامل يسعى إلى توثيق ما يجري في القدس بشكل منهجي يوماً بيوم، وإلى البناء على هذا التوثيق في تقارير دورية دائمة ومستمرة، بعضها يوثق، وآخر يستقرئ الأخطار ويقدّر الموقف والتطوّرات المتوقعة، وهو مشروع تسعى المؤسسة من خلاله إلى إبقاء جمهور الأمة والنخب وصنّاع القرار على اطلاع دائم بما يجري في القدس والمسجد الأقصى، وبحقيقة الموقف، وبطبيعة الأولويات والواجبات، وفي ظل التصاعد المطرد لجهود التهويد، فإن الحاجة تبرز إلى تقدير أثر هذه التطوّرات في كل مرحلة من المراحل، لقد أطلقت المؤسسة في مطلع العام الحالي 2013 تقريراً بعنوان «حال القدس 2012: قراءة في الأحداث والمآلات»، ويأتي تقدير الموقف الحالي ليبني على سابقه، وليرصد أثر التطوّرات المتسارعة التي شهدتها الفترة الواقعة بين 1/1/2013 و15/6/2013.

-     تحققت لأصحاب فكرة «المعبد» قفزة غير مسبوقة في النظام السياسي الصهيوني، إذ انتقلوا من كونهم جماعة ضغط متوسطة التأثير داخل البرلمان والأوساط الحكومية ليحتلوا مراكز متقدّمة وليتحوّلوا إلى قوة فاعلة في صناعة القرار الحكومي.
-     يلقى أصحاب فكرة «المعبد» القبول لدى أصحاب مواقع الصف الأول، وينتمون إلى تياراتهم السياسية ذاتها، وهذا ما يجعلهم اليوم أقرب إلى تحقيق أحلامهم من أي وقت مضى.
-      مقتضيات مشروع قانون التقسيم الذي قدّم في عام 2012 باتت قيد التطبيق لدى شرطة الاحتلال رغم ان المشروع لم يُقر.

-    تمهد المخططات المقرّة في منطقة حائط البراق لتطوّرات ضخمة كماً ونوعاً تعيد رسم المنطقة لاستكمال تهويدها، وقد شهد عام 2013 ولادة تصوّر جديد لطروحات تضمّنها مخطط زاموش علاوة على طرح تقدّم به شارانسكي لإضافة قسم للصلاة المختلطة مع ما يستتبع ذلك من تغيّرات في المكان.

أولاً: فكرة «المعبد» إلى سدة القرار التنفيذي:
1-     الصعود السياسي:
تواصل فكرة «المعبد» صعودها المتصل في الأوساط السياسية الصهيونية، فبعد أن كانت هذه الفكرة والمنادون بها خارج السياق العام للمؤسسة السياسية الصهيونية، أو على هامشها، باتت تشغل حيّزاً داخل برلمان الاحتلال، وتجد لها صدى وقبولاً في نظامه القضائي خلال العقد الأول من القرن الحالي، بل لم يعد من الغريب الحديث عن جماعة ضغط داخل برلمان الاحتلال والأوساط الحكومية الصهيونية تمثل وجهة نظر المنادين بهدم المسجد الأقصى وبناء «المعبد» المزعوم على أنقاضه.
ومع إنتخابات 22/1/2013، كان من المتوقع أن يحقق أصحاب فكرة «المعبد» صعوداً جديداً كما أورد تقرير حال القدس لعام 2012، وقد تحققت بالفعل لأصحاب فكرة «المعبد» قفزة غير مسبوقة في النظام السياسي الصهيوني، إذ انتقلوا من كونهم جماعة ضغط متوسطة التأثير داخل البرلمان والأوساط الحكومية ليحتلوا مراكز متقدمة على مستوى الحكومة والبرلمان، وليتحوّلوا إلى قوة فاعلة في صناعة القرار الحكومي.
ويشغل أبرز المنادين ببناء «المعبد»، وبتحقيق وجود ثابت ودائم لليهود في المسجد الأقصى في الحكومة المناصب الآتية:
1-    أوري أريئيل، أحد أكبر دعاة الاقتحامات الدائمة للمسجد، وأحد مقتحميه الدائمين، من حزب البيت اليهودي، وهو وزير الإسكان والبناء.
2-     نفتالي بينيت، من حزب البيت اليهودي، وزير الصناعة والتجارة والعمل والشؤون الدينية، ويتولى حقيبة القدس.
3-    داني دانون، صاحب مشروع قانون منع آذان الفجر في المساجد، من الليكود، نائب وزير الدفاع.
4-     زئيف ألكين، صاحب مشروع قانون التقسيم الزماني للأقصى الذي قدّم في آب/ أغسطس 2012، نائب وزير الخارجية: ولا بد من التنويه أنه في غياب وزير للخارجية بانتظار أنجلاء قضية ليبرمان فإن تأثير ألكين يصبح أكبر.
5-    تسيبي حوطبلي من حزب الليكود، شريكة دانون في مشروع منع الأذان، نائبة وزير النقل والبنى التحتية.
وقد شهدت الإنتخابات الأخيرة صعوداً لداعمي فكرة «المعبد» على مستوى المواقع القيادية في البرلمان كذلك.
6-     موشيه فيغلين، أحد أكبر دعاة الاقتحامات ورعاتها، وأحد أشد دعاة بناء «المعبد»، من حزب الليكود، نائباً لرئيس «الكنيست».
7-    ميري ريجيف، من حزب الليكود، رئيسة لجنة الداخلية.
ويمكن القول بأن أصحاب فكرة «المعبد» باتوا اليوم أقرب إلى صناعة القرار من أي وقت مضى خلال عمر الدولة الصهيونية، ورغم أنهم لم يحتلوا المواقع الأولى في الحكومة و«الكنيست»، إلا أنهم يلقون القبول لدى أصحاب مواقع الصف الأول، وينتمون إلى تياراتهم السياسية ذاتها، وهذا ما يجعلهم اليوم أقرب إلى تحقيق أحلامهم من أي وقت مضى.

2-     التغيير القانوني:
في 9/8/2012، كشفت الصحف العبرية عن مشروع قانون تقدّم به عضو «الكنيست» من كتلة الاتحاد الوطني، النائب أرييه إلداد، اقترح فيه التقسيم الزمني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، إلا أن المشروع سحب من التداول ولم يناقش في «الكنيست» خلال البرلمان الحالي، وبعد التقدّم النوعي الذي حققه أنصار فكرة «المعبد»، أعلنت ماري ريجيف رئيسة لجنة الداخلية في البرلمان في 16/4/2013 أنها تنوي اقتحام المسجد مع بعض أعضاء اللجنة «لفحص إمكانية السماح لليهود بالصلاة في المكان»، ورغم أنها تراجعت لاحقاً عن فكرة اقتحام المسجد، إلا أن النقاش حول الأمر استمر ورفع من اللجنة إلى عموم أعضاء البرلمان الذي بدأ في 8/5/2013 مناقشاته لسن قانون يتيح لليهود الصلاة في المسجد الأقصى، ولا تزال المداولات لإنضاج مشروع قانون في هذا الصدد مستمرة.
من الناحية العملية يمكن القول إن مقتضيات مشروع قانون التقسيم الذي قدّم في عام 2012 باتت قيد التطبيق لدى شرطة الإحتلال رغم ان المشروع لم يُقر، إذ تكرر منع الشرطة لطلاب وطالبات مشروع مصاطب العلم الذين يتواجدون في المسجد وقت الضحى من دخول المسجد بحجة أن هذا الوقت «ليس مخصصاً لهم»، كما منعت الشرطة الصهيونية اليهود من دخول المسجد يوم الخميس 6/6/2013 في ذكرى الإسراء والمعراج على اعتبار ان هذا اليوم «عيد» للمسلمين، لكنها أمّن اقتحاماً واسعاً للمسجد يوم الأحد 9/6/2013 كشكل من أشكال «التعويض».

3-    «مؤسسات المعبد»: قفزات جديدة:
شهدت الأشهر الأخيرة زيادة كبيرة في قدرة وتأثير الجمعيات والمؤسسات اليهودية المعنية بإقامة «المعبد»، وبات التجاوب الجماهيري معها أكبر، كما بات عملها أكثر تنظيماً. ويبدو أن شهر 3/2013 قد شهد ولادة إطار تنسيقي لهذه المؤسسات إذ باتت تصدر دعواتها لاقتحام المسجد الأقصى بشكل مركزي باسم «الائتلاف من أجل المعبد». هذه التطوّرات حدت بجمعية «عير عميم» الإسرائيلية اليسارية إلى تنظيم يوم دراسي حول هذه المؤسسات وتأثيرها في 2/6/2013. وقد أصدرت عقب ذلك تقريراً أوضح بأن عدد هذه المؤسسات بات 19 مؤسسة. وبأنها باتت أفضل تمويلاً وتنظيماً، وأكثر تكاملاً في ما بينها، وباتت تحظى برعاية حكومية على أرفع مستويات القرار.

ثانياً: الإجراءات التهويدية الميدانية: سلوان وساحة البراق
1-    سلوان:
تشكّل سلوان جنوباً، ومحيط ساحة البراق غرباً، نقطتي الارتكاز الأساسيتين لمشروع تهويد محيط المسجد الأقصى المبارك، وتشكّل سلوان الرقعة الجغرافية الأكبر في هذا المشروع، ومحل تنافس وخلاف كبير بين «مؤسسات المعبد»، التي تتراوح سقوفها ما بين تأهيل المنطقة كحديقة توراتية تبنى فيها بعض المعالم السياحية الجاذبة للزوار اليهود، وبين أخرى تحلم بإعادة بناء ما تسميه «مدينة داود» وفق التصوّر التوراتي لها. ورغم أن هذ الجدل لم يحسم لمصلحة أي من الاتجاهين بعد، إلا أن قفزات تهويدية كبيرة تحققت خلال النصف الأول من عام 2012 إذ أقرّ في 13/2/2012 مشروع مركز كيدم التهويدي والذي سيبنى على أرض مساحتها 5420 م2، وسيبلغ مجموع مساحة بنائه 16032م2، كما شهد شهر 6/2012 إقرار ميزانية 4 ملايين دولار لتأسيس متحف توراتي ضوئي سمعي في حفرية عند مدخل وادي حلوة.

2-     بلورة تصوّر جديد لساحة البراق ومحيطها:
في عام 2007، طرح مهندس البلدية يورام زاموش مخططاً موحّداً لمجموع المشروعات التهويدية المبعثرة بين مختلف الجهات والهيئات اليهودية العاملة في المحيطين الغربي والجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، وطرح في الغرب خططاً باتت اليوم في موضع التطبيق، مثل هدم تلة المغاربة، وتفريغ عدة طبقات تحت ساحة البراق، وتأسيس أبنية تهويدية في الجهات الشمالية والغربية لساحة البراق.
ورغم أن خطة زاموش تلك، والتي عرفت باسم «كيدم يروشلايم» أو «القدس القديمة» لم تفرّ كخطة رسمية نتيجة الخلاف حول السقوف المطروحة فيها للتهويد، إلا أنها تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى «وثيقة الحد الأدنى» وبات تخطيط الإنشاءات وتنفيذها في الجهة الغربية والجنوبية للمسجد يجري بموجبها، مع إمكانية مفتوحة للبناء على ما فيها من مخططات وتطويرها خلال مراحل لاحقة.
اليوم، وبعد 6 سنوات على طرح هذه الخطة، وبعد الصعود المتتالي لليمين على مستوى صناعة القرار، طرأت على طروحات زاموش تعديلات وإضافات كثيرة، وقد بقيت تلك الإضافات محل تجاذب لبلورتها طوال تلك السنوات، لكن مطلع عام 2013 شهد ولادة تصوّر جديد لها، إذ بدأ العمل في 5/2/2013 في هدم مجموعة من القناطر حديثة البناء تمهيداً لإقامة بيت شتراوس الذي سيتكوّن من مرافق عامة لزوار حائط البراق من اليهود، ومركز للشرطة ومقر لـ ««حاخام الحائط الغربي» وقاعات دراسية وقاعات عرض، وسيكون ذلك في بناء من 3 طبقات، عوضاً عن المبنى ذي الطبقة الواحدة الذي كانت خطة زاموش قد طرحته سابقاً. كما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 23/4/2013 تأييده لـ «مخطط شارانسكي» الذي يقضي ببناء تتمة مرتفعة لساحة البراق تمتد من أقصى جنوب المسجد وحتى منطقة باب المغاربة الحالي، ترتبط بجسر حجري، لتشكل ساحة صلاة للمطالبين بالصلاة المختلطة من اليهود، ونقطة توزيع تصل المسجد الأقصى بساحة البراق حيث يتواجد المصلون اليهود.
وإذا أضفنا إلى ذلك مخطط «بيت هليبا» أو بيت الجوهر، الذي أودعت مخططاته في 27/2/2012 ويتكوّن من متحف توراتي ومجموعة مكتبات وقاعات دراسية في بناء من 3 طبقات، يكون التصوّر العام للمكان قد اكتمل، وتمخض عن تطويرات ضخمة كماً ونوعاً على المخططات التي كانت قد طرحت في خطة زاموش عام 2007.

 


 * تقرير صادر عن مؤسسة القدس الدولية

 

اخبار ذات صلة