يبدو أن الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة ومدينة القدس وقطاع غزة باتت تقترب شيئا فشيئا من الانفجار، ولكن هذه المرّة في وجه الاحتلال الذي صعّد من انتهاكاته وإجراءاته التعسفية بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم لاسيما في مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك الذي يتعرض للتقسيم والتهويد.
فقد شهدت الأيام القليلة الماضية تجددا في المواجهات والاشتباكات بين الشبان الفلسطينيين الغاضبين في مناطق مختلفة في الضفة الغربية والقدس المحتلة وعلى حدود قطاع غزة خلال مسيرات "جمعة الأقصى" التي دعا إليها "ائتلاف شباب الانتفاضة" تنديدا بالاعتداءات التي يتعرض لها الأقصى وبالتزامن مع الذكرى الـ13 لانطلاق انتفاضة الأقصى.
ما أشبه اليوم بالبارحة
الراصد للأوضاع التي تشهدها الأراضي الفلسطينية في هذه الأثناء، يجد مدى التشابه بينها وبين الظروف التي كانت قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى، حيث يرى محللون سياسيون، أن الأوضاع المعيشية والاقتصادية وسياسة التهجير القسري من القدس والتضييق على حياتهم من قبل الاحتلال (الإسرائيلي)، مثالية لاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة وذلك على غرار ما جرى في العام 2000م عندما دنس "أرئييل شارون" باحات المسجد الأقصى المبارك.
عضو ائتلاف شباب الانتفاضة الناشط محمد يوسف، أكد أن شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة والقدس أبدت استعدادها للمشاركة في الفعاليات والتظاهرات المنددة باعتداءات الاحتلال ضد القدس.
ولفت إلى أن علماء دين مسلمين ومسيحيين بينهم الأب منويل مسلم، ومختلف فصائل العمل الوطني والإسلامي أعلنوا دعمهم الكامل لهذه التظاهرات على اعتبار أنها حق من حقوق شعبنا في الدفاع عن نفسه.
ونوه يوسف في حديث له، إلى أن المسيرات والمظاهرات القادمة ستمتد على طول خط التماس في مدن الضفة المحتلة، وكذلك شرق مدينة غزة قرب " معبر نحال عوز"، وفي قلب المسجد الأقصى المبارك.
ودعا كل الشباب الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس إلى ضرورة إعلان النفير خلال الأيام القادمة وتكرار مع حدث يوم الجمعة الماضية والاشتباك مع الاحتلال في كافة نقاط التماس، واعتبار ذلك من أجل فلسطين، ومن أجل المقدسات.
ودعا الائتلاف الشباب الفلسطيني في القدس إلى ضرورة مواصلة المرابطة في ساحات المسجد الأقصى المبارك، ومنع الجيش (الإسرائيلي) والمستوطنين من دخول باحات المسجد الأقصى أو ساحاته الخارجية، كما دعا إلى مواصلة الصمود في وجه كل المخططات (الإسرائيلية) الرامية إلى تهويد القدس والمقدسات.
ومن المتوقع أن يكون اليوم الأثنين هو يوم غضب ضد المستوطنات في كل مدن الضفة الغربية. حيث دعا الائتلاف إلى إغلاق كافة الطرق المؤدية إلى هذه المستوطنات، إلى جانب التظاهر أمام كل الحواجز العسكرية التي تذل المواطنين في مدن الضفة الغربية، ووجه الائتلاف دعوة لكل مجالس الطلبة في جامعات الضفة لتعليق الدوام منتصف اليوم الاثنين.
وأكد الائتلاف أن عشرات من المتضامنين الأجانب قرروا المشاركة في فعاليات الاثنين على اعتبار أن المستوطنات تعتبر مخالفة صريحة لكل القرارات والمواثيق الدولية التي دعت "(إسرائيل)" إلى ضرورة إزالتها لما تشكله من أذى في وجه الشعب الفلسطيني في مدن الضفة المحتلة.
وشدد الائتلاف على أن فعالياته الشعبية ستتواصل، وأن الاحتلال سيدفع ثمن عدوانه المتواصل على شعبنا، ودعا الائتلاف كافة شرائح شعبنا وفصائله للمشاركة في الانتفاضة الشعبية في وجه المحتل، لأن التاريخ مواقف.
انتفاضة ولكن
وحول توقعات باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، ومدى استعداد الشارع الفلسطيني لمثل هذا التطور، اعتبر المحلل والكاتب الفلسطيني احمد رفيق عوض" أن الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة "مثالية" لاندلاع انتفاضة جديدة، مشيرا إلى وجود تجويع وفقر شديد وبطالة، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي وهدم البيوت والاعتقالات و"الإذلال على الحواجز وتهويد القدس، ومنع الناس من الصلاة في المسجد الأقصى".
وقال عوض، إن عدم وجود أي أمل لدى الفلسطينيين في تحقيق آمالهم السياسية من خلال المفاوضات العبثية يعد من الأسباب التي تدفع إلى اندلاع انتفاضة جديدة.
ورغم ذلك، حذر عوض من مغبة تأثير الانقسام الفلسطيني على إمكانية اندلاع جولة جديدة من الصراع مع العدو (الإسرائيلي)، معتبرا أن شيوع حالة الإحباط في صفوف الفلسطينيين جراء الانقسام ربما يحول دون الانفجار الحقيقي في وجه الاحتلال.
بدوره توافق الكاتب والمحلل السياسي باسم الزبيدي مع ما ذكره "عوض" خاصة فيما يتعلق بتأثير الانقسام على امكانية اندلاع انتفاضة جديدة، وقال إن عدم حدوث انتفاضة في الوقت الراهن هو الأفضل للفلسطينيين في ظل استمرار الانقسام الداخلي، لأن حدوثها يعني أن "كل طرف من أطراف الانقسام سيتبنى أي عمل فيها وسيصارع الآخر على ذلك، ما يعني مزيدًا من الانقسام وتشتت العمل النضالي". على حد قوله.
وأضاف الزبيدي، في ظل هذا الوضع فإن الفعل الشعبي على الأرض سيبقى مشتتًا وتائهًا، وسرعان ما سيتبدد.
ولفت د.الزبيدي، إلى أن السلطة تلعب في المنطقة الرمادية، وتريد أن تستجيب للشارع الغاضب، لكن اعتقد أن السلطة لن تسمح بتدحرج الاشتباك مع الاحتلال.
دافعية للمواجهة
إلى ذلك قال جهاز الأمن العام (الإسرائيلي) "الشاباك" إن هناك تعاظم في دافعية المنظمات الفلسطينية لتنفيذ هجمات ضد أهداف (إسرائيلية) بالضفة الغربية المحتلة من أجل الضغط لإطلاق سراح أسرى.
وزعم تقرير نشره الشاباك" على موقعه الإلكتروني الأحد، أن هذا التعاظم يتم بتوجيه عناصر من الخارج ومن قطاع غزة، إلى جانب أسرى من داخل السجون (الإسرائيلية).
وأشار إلى أنّه تمّ إحباط سلسلة عمليات لخلايا فلسطينية بالضفة الغربية، حيث لوحظ في الشهرين الأخيرين ارتفاع في مستوى التهديد للقيام بعمليات أسر تمكنت قوات الأمن (الإسرائيلية) من إحباطها قبل تنفيذها، زاعما أنه تم إحباط نحو 37 عملية أسر منذ بداية العام.
وأضاف أن "هناك جهودا مكثفة تبذلها حركة حماس من أجل إعادة البنية التحتية للتنظيم في الضفة الغربية، من خلال نقل معلومات وتوجيهات وتقديم التمويل اللازم من أجل تكوين خلايا عسكرية".
وادعى أن الحركة تخطط لتنفيذ عمليات ضد الجيش (الإسرائيلي)، مع التركيز بالأساس على عمليات أسر لإسرائيليين.
وجاء في التقرير أيضا أن "حماس ومنذ انتهاء الحرب الأخيرة بنوفمبر الماضي ركزت على إعادة تأهيل وبناء قوتها، وذلك مع التزامها في الحفاظ على الهدوء في القطاع ضمن إطار اتفاقات وقف القتال التي تبرمها مع (الإسرائيليين)".
كما قال إن الحركة تعمل على إعادة البنية التحتية للتنظيم بالضفة من خلال فتح جسور اتصالات بين نشطاء عسكريين تابعين لها في القطاع مع نظراء لهم في الضفة.
وعلى صعيد حركة الجهاد الإسلامي، جاء في التقرير أنه في ظل تضييق حرية العمل المسلح في غزة وكجزء من الحفاظ على الاستقرار الأمني هناك، يسعى التنظيم للعثور على مسارات عمل جديدة من خلال التركيز على تنفيذ عمليات أسر لإسرائيليين في محاولة لإطلاق سراح أسرى.
وفيما يتعلق بحركة فتح، ذكر التقرير أن نشطاء التنظيم مهتمون بالبقاء في الشارع الفلسطيني من خلال الاستمرار في محاولات القيام بعمليات أسر، وهم بذلك يحاولون جمع نقاط تكون عبارة عن وزن لهم أمام إنجازات حركة "حماس" التي حققتها من خلال صفقة "شاليط" والحرب الأخيرة.
المصدر: الاستقلال