قنص جندي "إسرائيلي" في مدينة خليل الرحمن جنوب الضفة الغربية، هو رد فعل طبيعي لشعب حر يأبى العيش بالذل، وهو نتاج طبيعي لجرائم "إسرائيلية" لطالما ارتكبت بحق الفلسطينيين وخاصة في الخليل التي تتعرض لهجمة "إسرائيلية" واستيطانية كبيرة، وتشكل محوراً مهماً من محاور الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي".
سيدنا إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء، وهو جد العرب واليهود على حد سواء، جاء إلى مدينة الخليل عندما فر من قومه بعد تحطيم أصنامهم، ليضع فيها مسجداً للمسلمين وليعلن المدينة إسلامية عربية يقام فيها ذكر الله.
"إسرائيل" ومنذ احتلالها عام 1967، تسعى إلى ضم المدينة التي تشتهر بجبالها إلى الكيان الصهيوني، من خلال إقامة عشرات البؤر الاستيطانية ومصادرة منازل الفلسطينيين ومنحها للمستوطنين وتقسيم الشوارع بين الفلسطينيين والمستوطنين، فضلاً عن تقسيم الحرم الإبراهيمي مكانياً وزمانياً لتضع للصهاينة موضع قدم نجسة فيها.
ومحافظة الخليل من أكبر المحافظات الفلسطينية، فقد بلغت مساحتها قبل عام 1948م، حوالي 2148000 كم بقي منها بعد الاحتلال "الإسرائيلي" إلا (1140) كم فقط، كما أنها هي المدينة الفلسطينية الوحيدة التي اقيمت في قلبها مستوطنة، من أجل توفير حرية النقل والتحرك لمئات من المستوطنين الذين يسكنوها.
وابتلع جدار الفصل العنصري من المدينة نحو 55 ألف دونماً من الأراضي، كما اختارت "إسرائيل" سياسة تمييز ممنهجة ضد سكانها من خلال منعهم من دخول شوارع فلسطينية مثل شارع الشهداء، وحولت أحياء بكاملها إلى مناطق عسكرية مغلقة.
الخليل التي شهدت مئات المعارك المسلحة بين رجال المقاومة وخاصة رجال سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وبين جنود الاحتلال خلال فصول الانتفاضة الفلسطينية الثانية، باتت عنواناً لقلب الطاولة وإحداث المفاجآت غير المحسوبة، وهي تشهد اليوم عملية جديدة استهدفت جندياً إسرائيلياً يعمل ضمن قوات منع الفلسطينيين من الصلاة في الحرم الإبراهيمي.
وتحدث عملية الخليل مع مرور الذكرى الثالثة عشر لانتفاضة الأقصى، التي شكلت فيها مدينة الخليل جزءً مهماً في انتقال الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" إلى مرحلة متطورة من الثبات والصمود وقمع الاحتلال.
وكان جندي "إسرائيلي" قتل بواسطة قناص فلسطيني قرب الحرم الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل، وذلك بعد يوم من مقتل جندي أخر في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية.
دعوة لتفعيل المقاومة
ويؤكد القيادي في الجهاد الإسلامي خضر حبيب، أن خيار المقاومة هو خيار الشعب الفلسطيني والأنجع والذي سيعيد الحقوق الفلسطينية وهو الخيار الذي يفهمه الاحتلال "الإسرائيلي".
وبارك حبيب عملية قنص الجندي "الإسرائيلي"، داعيًا إلى تفعيل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية ليتوقف الاحتلال عن ارتكاب جرائمه بالضفة والقدس وكافة الأراضي الفلسطينية.
وأشار حبيب في تصريحات صحفية نشرت مؤخراً، إلى أن استمرار المفاوضات مع الاحتلال "الإسرائيلي" يصعد من وتيرة الاستيطان وتهويد القدس والاستيلاء على الأرض وامتهان كرامة الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن المقاومة هي خيار الشعب الفلسطيني الوحيد لمواجهة التعنت "الإسرائيلي".
وشدد على ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية واستعادة الوحدة لمواجهة الجرائم "الإسرائيلية" المرتكبة بحق البشر والشجر والحجر، وتفعيل المقامة بكافة أشكالها وأنواعها في الضفة الغربية.
رد طبيعي
من ناحيته، يرى المحلل السياسي عبد الستار قاسم، أن هذه العملية تعد رداً طبيعياً على الانتهاكات "الإسرائيلية" المستمرة ضد المدينة التي تخضع تحت مخططات "إسرائيلية" تستهدف تهويدها بكاملها وإحلال المستوطنين مكان سكانها، وسلب حرمها الإبراهيمي بأكمله.
وقال قاسم: "الخليل تتعرض لانتهاكات "إسرائيلية" واستيطانية كبيرة، ففيها آلاف الوحدات الاستيطانية وهي تعد هدفاً رئيسياً لدى الاحتلال في التهويد والاستيطان، كونها هناك معتقدات يهودية تقول إنها مدينة يهودية، لذلك شهدت الخليل معارك كبيرة واشتباكات واجتياحات ولطالما قدم أهلها آلاف الشهداء والجرحى ومئات الأسرى من أجل حمايتها من الاحتلال".
وبيّن أن هذه العملية تشير بما لا يدع مجالاً للشك، عدم رغبة الفلسطينيين بالتسوية الجارية بين السلطة والاحتلال التي تسير على حساب قضيتنا الفلسطينية وثوابتنا الوطنية، وتعد دليل على أن المقاومة لا تزال قادرة على انتاج نفسها رغم الحملة الأمنية التي تشنها السلطة الفلسطينية عليها.
ودعا قاسم إلى تفعيل المقاومة بكافة أشكالها وأنواعها في الضفة الغربية، وتحقيق المصالحة الوطنية واستعادة الوحدة لمواجهة جرائم الاحتلال "الإسرائيلي" المرتكبة بحق البشر والشجر والحجر، وتطوير إمكانياتها وقدراتها لأنها السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق المسلوبة.
ورأى وقوع تلك العمليتين إنجازًا فلسطينيًا في ظل سيطرة عسكرية من قبل الاحتلال على الضفة الغربية، وممثلة بعشرات الحواجز العسكرية، ونقاط التفتيش، والملاحقة الأمنية بالتعاون مع أجهزة السلطة.
وأشار إلى معاناة المواطنين في المدينة منذ سنوات من حيث الاستيلاء بالقوة على المنازل ومواصلة المستوطنين الاعتداءات الهمجية برش ماء النار وإلقاء النفايات وإطلاق النار والتهجم وضرب الأطفال والنساء وحرمان طلبة مدرسة قرطبة وسط الخليل من الدخول والخروج إليها بحرية؛ كلها أمور تجعل الغضب يعلو كثيراً.
وشدد المحلل السياسي على ضرورة إطلاق سراح المقاومة في الضفة الغربية في ظل استمرار الجرائم المرتكبة بشكل يومي من قِبل سلطات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وأرضة وأسراه ومقدساته.
كما اعتبر قاسم العملية نتاج طبيعي لحالة الغضب التي تنتاب الشارع الفلسطيني بسبب استمرار العدوان "الإسرائيلي" على شعبنا في الضفة وغزة والقدس، وتابع: "العملية تأتي في الوقت الذي تتواصل فيه دعوات المستوطنين لمسيرات نحو القدس لتقسيمه، واستمرار بناء المستوطنات والجدار، وانسداد أفق أي حل سياسي".
المصدر: الاستقلال