كانت قضية الإستيطان في الضفة الغربية طوال السنوات السابقة هي الحدث الأبرز في المشهد السياسي الفلسطيني، فبينما تصر القيادة الفلسطينية، أو أنها كانت تعلن ذلك مرارا، أن لا مفاوضات دون وقف كامل للإستيطان الذي بات يلتهم أراضي الضفة المحتلة بلا رحمة بسكانها ومالكيها، بدت سلطات الإحتلال أكثر حسما بتمسكها بموقفها الظاهر والباطن بتوسيع الإستيطان ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وبعد 20 عاما على اتفاقية أوسلو بدى الموقف واضحا بميزان الخسارة والربح... استطاعت "إسرائيل" أن تكسب الكثير من اتفاق "صمم لإقامة دولة" بالسيطرة على معظم أراضي هذه الدولة، كما يقول مسؤول اللجان المقاومة الشعبية في الضفة المحتلة صلاح الخواجا.
يقول الخواجا في حديثه عن الإستيطان في الضفة وخطورة ما آلت إليه الأمور على الأرض:" كان اتفاق أوسلو فرصة لزيادة الإستيطان في الضفة المحتلة، والعودة للمفاوضات هو عودة لتشريع المستوطنات وخصوصا بعد طرح فكرة تبادل الأراضي".
ويتابع الخواجا موضحا : "وما جرى من منذ أوسلو وحتى اليوم أكثر من 650 ألف مستوطن في الضفة الغربية سكنوا بمستوطنات الضفة، وتضاعفت عددها إلى ثلاث أضعاف، وهذا يعتبر تطورا خطيرا وإستغلال لهذه الإتفاقية والذي كان جزءا من مخطط إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية".
فإسرائيل منذ ذلك الاتفاق وحتى الآن صادرت أكثر من 61% من مناطق المصنفة "سي" بعد بناء جدار الفصل العنصري، و 85% من مصادر المياه، والآن يجري الحديث بشكل معلن عن بناء الشبكات للطرق الالتفافية في منطقة الشمال ترتبط ما بين مجمع المستوطنات في الداخل مع مستوطنات الضفة وصولا للبحر الميت، وشارع 443 في منطقة الوسط وشارع 1 الذي يربط شرقي القدس والمحتل عام 1967 بغربيها " المحتل عام 1948" حتى البحر الميت، والآن يجري الحديث عن شارع جديد كل تجمع مستوطنات غوش عتصيون جنوبا مع البحر الميت.
ويرى الخواجا أن المخطط الإسرائيلي بعد الطرق الالتفافية والجدار والإستيطان هو حبس الفلسطينيين في كانتونات ومعازل وبناء أسوء نظام أبرتهايد عنصري عرفته البشرية.
وعودة إلى الأرقام، يقول الخواجا:" قبل أوسلو كان يسكن مستوطنات الضفة 160 مستوطن والأن تضاعف العدد ليصل إلى 650 الف، وفي سنه 2012 تضاعف الإستيطان ثلاث أضعاف ما كان عليه في السنوات السابقة، وهو ما يؤكد أن هذه السياسة أصبحت منهجية تجمع عليها كل الحكومات بغض النظر عن طبيعها.
والأخطر من ذلك عملية التهويد التي تجري في بعض المناطق بما فيها القدس، كان عدد الفلسطينيين في مناطق شرقي القدس عام 1967 32 ألف في عام 2003 أصبح عددهم 252 ألف مقابل عدد المستوطنين والمستعمرين في القدس والمناطق المجاورة 212 ألف. الأن بعد بعد بناء الجدار وأخراج 145 فلسطيني خارج الجدار أصبح هناك أغلبية يهودية وعدد المستوطنين فيها أكثر من عددد سكان محافظة القدس بالكامل.
ويشير الخواجا إلى ان بعض التجمعات الفلسطينية يفوق عدد المستوطنات عدد السكان الفلسطينيين، على سبيل المثال محافظة سلفيت عدد القرى الفلسطينية 18 بلدة قرية وعدد المستوطنات 23 مستوطنة، من بينها مستوطنة آرائيل عدد المستوطنين فيها أكثر من عدد سكان المحافظة بالكامل.
وبحسب الخواجا فإن القضية الفلسطينية تعيش الآن أخطر مراحلها في ظل هذا الإستيطان المتسارع والذي لم يتوقف يوما:" نحن الأن نعيش ظروفا أسوء مما كانت عليه في العام 1948 ، حيث تعرضت أكثر من 500 قرية وبلدة ومدينة لعمليات تطهير عرقي وتم تحويل المناطق الفلسطينية إلى أحياء داخل المدن الكبيرة، ولكن ما جرى في يافا وعكا وحيفا وتل أبيب لضمها في أطار بلدية، هذ منهجية الاحتلال كانت، ولكن اليوم لمخطط هو تحويل الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية لأيدي عاملة للمستوطنات ومستهلكي لبضائع المستوطنات".
تابع:" لا يوجد أي حزب أو قائد أو سياسي "إسرائيلي" من اليمين حتى اليسار ولا من قريب ولا من بعيد يتحدث عن دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967".
وأعتبر الخواجا أن أسوء ما يمكن أن يحدث للقضية الفلسطينية بعد الإعتراف بفلسطين عضوا في الأمم المتحدة هو العودة للمفاوضات بمرجعية أمريكية لأنه ضربة بكل الإعتراف الجزئي بفلسطين عضو مراقب في الجمعية العامة، ويضرب التطور السياسات لموقف بعض الدول التي بدأت ترفع مكانة فلسطين من ممثليات إلى سفارات وهذا يجري بتراجع المستوى الرسمي السياسي عن المواقف التي وعدت بها وأعلن بها.
ووفقا للخواجا فإن السبيل للحفاظ على ما تبقى، ومنع وضع اللمسات الأخيرة على هذا المخططات كما يقول الخواجا هو أن يتحد الشعب الفلسطيني وأن تشكل قيادة وطنية موحد تتبنى إستراتيجية كفاحية كما في الإنتفاضة الأولى،،"هذ هو الخيار الذي يمكن أن يغير في موازيين القوى وأن يساهم في تطوير الفعل على الأرض" قال.
وتابع:" يجب أن لا تبقى الأمور كما يجري حاله تطور في حملة مقاطعة "إسرائيل" الدولية ويجري الحديث في الوقت نفسه عن تبادل الأراضي ويصبح من يقاطع المستوطنات كمن عليه أن يعتذر "لإسرائيل" بسبب مقاطعته لتجمعات استيطانية والفلسطينيين يعترفون بها".
مشددا على أهمية إجراء مراجعة سياسية لكل المواقف والتخلي عن وهم الرهان عن الولايات المتحدة الأمريكية والثقة أكثر من بقدرتنا كفلسطينيين في النضال والكفاح ومقاومة الإحتلال.
فلسطين اليوم