(20) عاماً مرت على الخطيئة الكبرى "اتفاقية أوسلو"، التي أضاعت حقوق الشعب الفلسطيني وجعلتها طي النسيان بعد أن كان السلاح يفاوض الاحتلال في ميادين الوغي لإعادة هذه الحقوق، حتى بات المشهد اليوم يعكس حجم الهوة والسقوط الوطني الذي تعيشه السلطة الفلسطينية بعد أن تخلت عن معظم المبادئ السامية التي تمسكت بها الشعوب وكان نصيبها التحرر من المحتلين.
واتفاقية أوسلو هي معاهدة بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية التي تمت في عام 1991 أفرزت هذا الاتفاق في ما عرف بمؤتمر مدريد.
وتعتبر اتفاقية أوسلو، أول اتفاقية رسمية مباشرة بين "إسرائيل" ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس.
كارثة حقيقية
ويرى المحلل السياسي عبد الستار قاسم، إن اتفاقية أوسلو أنتجت "كارثة على الشعب الفلسطيني وطوعتهم ليكونوا خداماً للاحتلال "الإسرائيلي"، وتحولنا من أصحاب حق يبحثون عن الحرية إلى وكلاء للاحتلال مقابل لقمة العيش المرهونة بمواقفنا السياسية".
وقال قاسم: "إن "إسرائيل" سعت منذ زمن بعيد لإنشاء سلطة الفلسطينية لها مهام ووظائف تتجلى بتحقيق الأمن للكيان الصهيوني ومستوطنيه، وتسيير الأمور الحياتية للفلسطينيين"، مؤكداً أن السلطة لن تتمكن من الحصول على المزيد من الأراضي الفلسطينية لضمها إلى سيادتها.
وأوضح أن "إسرائيل" صنعت السلطة الفلسطينية ومنحتها إدارة على مناطق تواجد الكثافة السكانية الفلسطينية، "وتفرغت بسلب بقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية" منوهاً إلى أن الهدف الأساسي لهذه السلطة هو تحقيق الأمن.
وأضاف قاسم: "أتمنى أن يجد الفلسطينيين حلاً بديلاً عن السلطة، من أجل تحمل الاحتلال لمسئولياته تجاه المجازر الدموية، والقصف، والدمار، الذي يحدثه جيشه في الضفة وغزة"، داعياً إلى إيجاد خطوات عملية ومدروسة لهذه الخطوة، ومستندة إلى دراسات وتحليلات إستراتيجية.
وأوضح أن السلطة الفلسطينية جنت للشعب الفلسطيني مصائب تاريخية متواصلة بدءً من تبعية الاقتصاد الوطني بالاقتصاد (الإسرائيلي)، مروراً بقمع المقاومة، وليس نهايةً بتجويع الفلسطينيين وجعلهم باحثين على لقمة العيش.
ولفت المحلل السياسي النظر إلى أن السلطة الفلسطينية لا تزال ملتزمة بكافة بنود الاتفاقية ولا تستطيع أن تتجرأ على خرق أي من بنودها لأن في ذلك وبال عليها، فيما لا تلتزم سلطات الاحتلال وهي الطرف الأقوى في هذه المعادلة بمعظم بنود اتفاقية أوسلو، مؤكداً أنها اتفاقية "جاءت لخدمة الاحتلال وتثبيت وجودهم في أرضنا".
وأضاف: "الاحتلال "الإسرائيلي" هو من يدير هذه الاتفاقية ويعرف كيف يديرها، ويعرف متى يعطل بنودها ومتى ينشطها، وهذا كله يعتمد على مواقف السلطة الفلسطينية، فعندما ترفض السلطة أي إجراء "إسرائيلي" جديد فإن ذلك يعني حصار اقتصادي وتجويع موظفيها".
وتابع قاسم: "هذه الاتفاقية لم تنجب إلا الفساد والسياسات الاقتصادية المقيدة بالاحتلال والتي أنتجت التضخم الوظيفي ومحدودية مصادر الدخل والاعتماد على الأموال الخارجية المشروطة بالمواقف السياسية المفرطة".
تهديدات حل السلطة
من ناحية أخرى، يعتقد المحلل السياسي قاسم أن رئيس السلطة عباس لم يكن جدياً يوماً بتهديداته بحل السلطة نتيجة الجمود السياسي في عملية التفاوض وحل الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، مؤكداً أن مثل هذه التهديدات لم تخرج إلى حيز النقاش في أروقة مؤسسات صنع القرار في "إسرائيل".
ويرى أن "إسرائيل" تعمل بكامل قوتها وإمكانياتها للإبقاء على السلطة الفلسطينية، وقال: "إن مقترح حل السلطة يمثل خيبة أمل للإسرائيليين، فـ"إسرائيل" ناضلت من أجل قيام السلطة عام 1993".
وأوضح قاسم أن "إسرائيل" سلمت الشئون المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة للسلطة الفلسطينية مريدةً بذلك التخلص من الشئون والهموم الخاصة بالسكان الفلسطينيين مع ضمان عمل الجانب الفلسطيني مع اليهود.
وأضاف: ""إسرائيل" تريد سلطة تشرف على الشئون اليومية للشعب الفلسطيني، وتقوم بواجب أمنى دفاعاً عن دولة الاحتلال, وإذا حلت السلطة نفسها ستعم الفوضى مدن الضفة وستعود المقاومة للعمل من جديد، وهذا ما لا يريده الاحتلال".
ولفت قاسم النظر إلى أن الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مهم جداً بالنسبة للكيان الصهيوني، من ناحية تبني احتياجات المواطنين اليومية، وقال: ""إسرائيل" تخلت عن الإدارة المدنية ولن تعود لها".
وبيّن أن المهرب الوحيد من هذه الأوضاع الفلسطينية الراهنة والتي بدأت منذ اتفاقية أوسلو عام 1993، هو نسف هذه الاتفاقية وإلغائها والرجوع 20 عاماً إلى الوراء، مع الأخذ بعين الاعتبار بإعادة ترتيب أوضاعنا الداخلية بإرادة فلسطينية حرة وإعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية على مبدأ ميثاق وطني جديد.
مصلحة "إسرائيلية"
من جهته، يرى المحلل السياسي إياد عطا الله أن تأسيس وقيام السلطة الفلسطينية كان مصلحة "إسرائيلية" بحتة، بدأت من منطلق الرغبة "الإسرائيلية" في الاستقرار الداخلي ومنع المخاطر الأمنية تهدد أمنها الداخلي، وكان ذلك بصناعة سلطة فلسطينية تدير شئون الفلسطينيين وتمنع الرغبة في مقاومة سياسات الاحتلال وتطلعاته نحو الاستيطان والتهويد والاستيلاء على المقدسات والأراضي الفلسطينية.
وقال عطا الله لـ"الاستقلال": "مشروع أوسلو كان مضراً كثيراً على القضية الفلسطينية فقد أفقدها الدسم، كانت حركة فتح رائدة العمل المقاوم ولكن منذ توقيع اتفاقية أوسلو تحولت من مقاومة إلى مانعة للمقاومة، وأصبحت بدلاً من أن تبحث عن إيلام العدو الذي سلب الأرض والعرض وكل شيء، باتت تبحث عن أمن الاحتلال".
وبيّن أن السلطة الفلسطينية تعتقد واهمةً أن تحقيق أمن دولة الاحتلال سيكون بداية لإقامة دولة فلسطين، ولكن الحقيقة أن (إسرائيل) توهم السلطة بذلك وتستغله في التوسعات الاستيطانية والتهويد والسيطرة الاستراتيجية على الأراضي الفلسطينية التي تصغر شيئاً فشيئاً.
وتابع عطا الله: "الحفاظ على السلطة الفلسطينية يصب في مصلحة "إسرائيل" كاملة، حتى باتت القاعدة أن لا سلطة دون تفاوض والعكس صحيح، فهي (السلطة) ولدت من رحم التفاوض".
ولفت النظر إلى أن اتفاقية أوسلو التي أنجبت السلطة، وضعت مدة زمنية مقدارها 5 سنوات لحل الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" برمته وإلا حل السلطة الفلسطينية، ولكن هذا لم يحدث واستمرت السلطة ترعى شئون الاحتلال.
وأضاف: "اتفاقية أوسلو انتهت منذ مذبحة الحرم الإبراهيمي عام 1994، واغتيال اسحاق رابين عام 1995، وانتهت بعد أن رفض بيرس تطبيق اتفاقية الخليل، وبناء نتنياهو مستوطنة أبو غنيم وحفر النفق تحت المسجد الأقصى، وغيرها من الأحداث التي نسفت هذه الاتفاقية برمتها".
وأكمل عطا الله: "هذه سياسية "إسرائيلية" متفق عليها، وهي أن كل حكومة تعقب أخرى تنقض كافة بنود اتفاقية وأوسلو وتجعل السلطة تلهث وراءها من جديد لنيل بعض الحقوق والمطالب، هكذا ضاعت الحقوق الفلسطينية".
ولفت النظر إلى أن حكومة نتنياهو اليوم لا تبحث عن تسوية أو مفاوضات أو حل قضية الدولتين، بل تريد الاستيطان والتهويد فقط، وسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية، بينما الفلسطينيون والعرب غير قادرين على اتخاذ أي خطوات لدرجة أن السلطة حوربت من الولايات المتحدة بسبب توجهها إلى الأمم المتحدة لنيل دولة فلسطينية، بحسب تعبيره.
ونوه المحلل السياسي إلى أن اتفاقية أوسلو كانت أداة لتحقيق حلم "الدولة الفلسطينية"، ولكن السلطة لم تكن تعلم مدى الضياع الذي وصلت إليه من خلال هذه الاتفاقية، مشدداً على أن قيام الدولة الفلسطينية يستوجب إنهاء الاحتلال أولاً.
المصدر: الاستقلال