/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

وتنهد المخيم: مات فادي!

2013/09/12 الساعة 06:26 ص

يضحك فادي. يرتشف شايه البارد، ينفث دخان سيجارته، ويضحك. إلى جانبه كاميراته. هذه الكاميرا تبدو مثله، تشبه قوس قزح. مرّت على عدستها أفراح مخيم اليرموك وأحزانه، فيها مرّ الشهداء، تظاهرات المخيم، ألعاب أطفاله... وفيها مرّت القذائف أيضاً.
لم يغادر فادي المخيم كثيراً. بينه وبين شوارع المخيم، بينه وبين ناسه، ثمة علاقة ود خاصة. يبدو الرجل مثل ريفي يتشبث بالعيش في أرضه. لا تغريه كل مظاهر المدنية خارجها. كان فادي وجه المخيم الذي نحبّ، معه وحوله وعنه ترسم الحكايات صورة المخيم.
ربما لم تكن مصادفة أن يعمل فادي مصوّر أفراح. هذا الرجل يبث ابتسامته أينما يحل، فكيف بابتسامته لا تؤرخ أفراح المخيم...
وسط الدبكة، أمام زفة العريس، وضمن حلقة الرقص، كانت كاميرا فادي تدور وتدور، ولا تقف إلا حين يرغب صاحبها بالرقص. إنه طقس الفرح الذي لا يريده فادي أن يمرّ من دون أن يأخذ منه نصيبه... يرقص فادي.
وحين هجر المخيم ناسه، ظل فادي وسطه. كلما اشتد القصف على بيوته، كان فادي يشدّ إلى صدره المخيم أكثر. نصيبه من أفراح المخيم أخذه، فكيف لا يشد، الآن، المخيم إلى صدره ليأخذ نصيبه من الحزن أيضاً؟!
وحين جاء الحصار، وكبّلت الحواجز المخيّم، كان على «كاميرا مان» الفرح أن يدع كاميرته جانباً... ويدفع، بما استطاع، الحصار عن المخيم.
صار راصد الفرح، ناشطاً إغاثياً في الهيئة الخيرية لإغاثة الشعب الفلسطيني، يشيل عن المخيم ما استطاع من هم ناسه وأوجاعهم.
وكما كان يغويه الرقص زمن الأفراح، صارت الشهادة تغوي فادي زمن الحصار. والشهادة فرح للمخيم أيضاً، حين يصير رمزاً للصمود، فكيف لا يأخذ نصيبه منها... استشهد فادي.
يبتــسم فــادي حــتى في مــوته. ربمــا خجــل المــوت من ابتسامته حــين جاء ليأخــذه، فــترك المهمة لحقد رامي القذيفة، وربما أحب الموت ابتسامته فسارع ليأخذه من وسط الرفاق... استشهد فادي.
كم يشبه موت فادي حياته. عاش الفتى في الـمخيــم. مــات الفــتى فــي المخــيم. عــاش الفــتى بين الناس. مات الفتى بين الـناس. عاش الفتى لأجل المخيم. مات الفتى لأجل المخيم. يغويه الرقص فيرقص، تغويه الشهادة فيموت. وفي كل مرة كان فادي يبتسم ويبتسم... حتى يعبس الموت.
مات فادي...
في ذلك اليوم يقولون إن المخيم تنهّد وبكى.
استشهد فادي أبو عجاج الأحد الماضي، مع ثلاثة من زملائه في الهيئة الخيرية لإغاثة الشعب الفلسطيــني جــراء إصابتهم بشــظايا الــقذائف التي سقطت في ساحة الريجة في مخيم اليرموك.


المصدر: السفير

 

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/42401

اقرأ أيضا