قائمة الموقع

المصالحة ... والأسئلة المصيرية

2012-06-08T06:18:33+03:00

خرق القيادي في حركة حماس السيد محمود الزهار، هدوء الجبهة الإعلامية الذي يظلل أجواء المصالحة في حلقتها الأخيرة، التي انطلقت ترجماتها مع بدء عمل لجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة (28/5)، ولجنة الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني الفلسطيني في عمّان (4/6)، ولجنة تشكيل الحكومة في القاهرة (6/6)، لافتاً الى أن "الظرف الحالي غير مؤات، وهذا لا يمنع من استمرار الجهود"... وأضاف في ندوة عقدت في غزة (6/6) "إذا اتفقنا بشروط يحصل هذا الاتفاق ونحصل على المرحلة الانتقالية... واذا لم يحدث هذا من الحكمة أن نؤجلها الى ما بعد الانتخابات الرئاسية المصرية"... داعياً الى "التعايش السلمي بين البرنامجين السياسيين لحركتي فتح وحماس".
هذا التصريح - وإن بدا خارج إطار الاتفاق غير المعلن بوقف الحملات الإعلامية وحصر التصريحات بشأن مسار العملية التصالحية بشخصيات محددة من قبل الحركتين، لتلافي احتمالات التوتير وحرب الردود المفتوحة، وتجنيب المصالحة خضات سياسية بغنى عنها - فإنه يترجم "المخاوف" التي تضمنها البند السادس من اتفاق القاهرة الأخير (20/5) الذي يؤشر لاحتمال "تعذّر إجراء الانتخابات في الموعد المتفق عليه"،  وإمكانية "تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية مستقلة"...
لذلك فإنّ الاتفاق الذي تم في القاهرة مساء الأربعاء في السادس من حزيران / يونيو الجاري، بين وفدي الحركتين برئاسة عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لفتح، وموسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، بشأن تشكيل الحكومة الانتقالية وعدد أعضائها والأسماء التي يمكن أن تتبوأ المناصب الوزارية فيها، والذي سيتم رفعه الى الرئيس المكلف السيد محمود عباس كي يجري المشاورات بشأنه مع بقية الفصائل، وذلك قبل إعلان التشكيلة في العشرين من الشهر الجاري... إن هذا الاتفاق بكل مراحله لا يعني بالضرورة الوصول بالملف الى خواتيمه بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني في مواعيدها كما هو متفق عليه، وذلك لجملة اعتبارات وأسباب منها ما هو موضوعي ومنها ما هو ذاتي.
ففي الظروف الموضوعية، يأتي الموقف الصهيوني في الصدارة؛ فالانتخابات لن تنطلق قبل أن تأخذ "السلطة" موافقة حكومة العدو الصهيوني بشأن مشاركة القدس في العملية الانتخابية، والسماح بإجرائها في الضفة الغربية المحتلة، ووقف حملات الاعتقال والتعقب التي تمارسها بحق مجاهدي حركتي حماس والجهاد الإسلامي.  وهذا ما أشارت إليه كواليس اتفاق الدوحة التي دعت حاكم قطر ورئيس حكومته، لاستخدام "صداقتهما" و"علاقتهما" بالطرفين الأميركي والصهيوني، لتمرير العملية الانتخابية، وعدم الاعتراض على تشكيل حكومة فلسطينية تشارك فيها حركة حماس!.. في حين أن احتمال قيام العدو الصهيوني بعدوان على قطاع غزة يظل واردا في كل لحظة لإعاقة وتعطيل الانتخابات ما لم يتم الاتفاق بشأنها – بشكل أو بآخر – مع الكيان الصهيوني والإدارة الاميركية!..
وبعيداً عن الموقف الصهيوني، يدخل راعي المصالحة المصري المشغول بالجولة الانتخابية الرئاسية الثانية، وما يمكن أن تتمخض عنها من نتائج قد يجد فيها الطرفان المتصالحان ما يدعم حضوره ويعزز مكانته في المعادلة الداخلية الفلسطينية، وبالتالي تتيح له إمكانية إعادة صياغة الاتفاقيات على ضوء هذا المستجد.
فمجيء السيد محمد مرسي الى رئاسة مصر قد ترى فيه حركة حماس تعزيزاً لحضورها ونفوذها، على الأقل في قطاع غزة، نتيجة للارتباط الأيديولوجي والعلاقات "الأخوية" مع حزب "الحرية والعدالة"... في حين ترى حركة فتح في نجاح المنافس اللواء أحمد شفيق، تأكيداً لمكانتها وتعديلاً لميزان القوى الراهن على أرض الواقع الفلسطيني...
أما في العوامل الذاتية، فيأتي في مقدمتها التنسيق الأمني القائم والمتواصل بين الأجهزة الأمنية التابعة لـ"السلطة"، التي ترعاها وتدربها وتسلحها منظمة "بلاك ووتر" الأميركية، وبين أجهزة الأمن الصهيونية، وما يستتبع ذلك من حملات اعتقال وتعقب المقاومين والمجاهدين وفي المقدمة منهم مجاهدي وكوادر وقيادات وأسرى حركة الجهاد الاسلامي، الذين يقبعون في سجون السلطة وزنازينها.
يضاف الى ذلك التقاسم العملاني الميداني للأجهزة الأمنية والإدارية وأجهزة السلطة التي أفرزت مواقع نفوذ، تحقق مكاسب سياسية وتوظيفية ومالية، ناهيك عن الحضور السلطوي المتين، الذي يصعب التخلي عنه والتراجع عن "مكاسبه"!.. هذا الواقع المأساوي أوجد طبقة من المستفيدين والمنتفعين لا مصلحة لها في إنهاء الانقسام، وإعادة التوحيد التي تتمناها وتسعى إليها الأغلبية الساحقة من أبناء الضفة المحتلة والقطاع المحاصر، الذين يجدون فيها خطوة هامة لمواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية!..
الغائب الأبرز عن جولات النقاش والتفاوض الفلسطينية هي البرامج والسياسات الواجب إعدادها لمواجهة مخططات الصهينة، والخروج من المآزق والأنفاق المظلمة. والمفارقة هنا أن الدخول في تفاصيلها وبحثها قد يشكل عنصراً معيقاً ومعطلاً لكل عملية إعادة التأسيس وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، نظراً لتناقض البرامج والسياسات التي تتحكم بالوضع الفلسطيني من جهة، وإصرار فريق بعينه على اعتبار خياراته وسياساته – التي أثبتت التجارب عقمها وفشلها - هي ركيزة سياسات حكومة التوافق الوطني المزمع تشكيلها.  فهل يأخذ الطرفان المتصالحان برأي السيد محمود الزهار الداعي الى "التعايش السلمي بين البرنامجين السياسيين لحركتي فتح وحماس"؟..
كيف يمكن أن تقوم مصالحة وطنية وتستقيم بدون أساس وتفاهم سياسي وطني يأخذ بعين الاعتبار مواجهة مشاريع الاستيطان والصهينة والعدوانية الصهيونية التي تستبيح كل الأرض الفلسطينية وكل الشعب الفلسطيني على مساحة فلسطين الانتدابية، وكل المقدسات المسيحية والاسلامية وفي القلب منها المسجد الأقصى المبارك؟..
أما الأمر اللافت في هذا المسار التصالحي، والذي يتضمن من بين حلقاته إعادة تأسيس وتفعيل مؤسسات "منظمة التحرير الفلسطينية لتضم في صفوفها حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي في فلسطين" فهو هذه الثنائية الجديدة التي تتشكل في الساحة الفلسطينية، وهذا التقاسم "الوظائفي" والنفوذ الذي ترعاه دول عربية بعينها، في محاولة جادة لجر الساحة الفلسطينية باسم "الوحدة" باتجاه سياسات وخيارات، أقل ما يقال فيها أنها خارج إطار الإجماع الوطني والإرادة الفلسطينية، ناهيك عن أن نتائج تلك البرامج والسياسات  العبثية كانت كارثية على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية على مدى 19 عاماً من عمر اتفاق أوسلو، والسياسات والبرامج السابقة والمهيئة له، باعتراف الضالعين الفلسطينيين فيها!..
وتبدو هذه الثنائية في أوج مظاهرها، في دعوة الفصائل والقوى والحركات الفلسطينية للتوقيع على الاتفاقيات التي تبرمها تلك الثنائية... بما فيها الحكومة الانتقالية التي تم التوافق عليها لجهة العدد والأسماء والتوزير بين الحركتين، حيث "سيستدعي" السيد محمود عباس الأمناء العامين لاطلاعهم على أسماء الوزراء ونيل تواقيعهم، دون أن يكون بإمكانهم تغيير أو تبديل أية وزارة أو حقيبة، لأن في ذلك عودة الى المربع الأول الذي يجمع الخصمين المتصالحين!..
وبعد، هل يجوز أن يبقى ميزان التفاؤل والتشاؤم بأيدي بنيامين نتنياهو، وأجهزته الأمنية وقوى إقليمية ودولية لم تترك فرصة إلا وعبرت فيها عن رفضها لنهج المقاومة، وتآمرها السري والعلني على قواها الفاعلة التي أكدت التجارب صلابة عودها وثباتها على هذا الخيار؟.
 

اخبار ذات صلة