تواصل السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة كبير مفاوضيها صائب عريقات وبتوجيهات مباشرة من الرئيس محمود عباس، الضرب بعرض الحائط لكل النداءات الفصائلية والشعبية التي طالبت ودعت للفظ هذا الطريق "الفاشل"، في ظل استخفافها "المتعمد" بدماء ثلاثة شهداء أرتقوا برصاص قوات الاحتلال "الإسرائيلي" في مخيم "قلنديا" شمال القدس المحتلة.
ورغم تلك الدماء التي لم تجف بعد، عقد صائب عريقات بنفس ليلة ارتقاء الشهداء الثلاثة، اجتماع سري ثالث ومغلق مع وزيرة العدل "الإسرائيلية" تسيفي ليفني، في منزل عريقات الكائن في مدينة أريحا، لبحث ملفات المفاوضات العالقة وسبل تحريكها من جديد.
وكان قد استشهد، فجر الإثنين، 3 مواطنين وأصيب 15 آخرين بالرصاص الحي في مواجهات عنيفة اندلعت بين المواطنين وقوات الاحتلال "الإسرائيلي" في مخيم قلنديا، وخرجت بعد ذلك تصريحات فلسطينية بإلغاء اللقاء التفاوضي بين عريقات وليفني كرد على جريمة الاحتلال، إلا أن السلطة نفت ذلك وأجرت اللقاء.
تساؤلات عدة طُرحت على الساحة الفلسطينية مؤخراً أبزرها، سبب تمسك السلطة بهذه المفاوضات رغم سياسة "إسرائيل" على الأرض، ومدى الفائدة التي عادت على السلطة من اللقاءات التفاوضية الأخيرة التي جرت، ولماذا تصر السلطة على هذا الطريق؟
مماطلة وفشل
عبد الله عبد الله، عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، قال:"السلطة في الوقت الراهن لا تملك أي خيار سياسي آخر، غير الدخول بالمفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي" وذلك رغم العقبات الموجودة". وأكد عبد الله،" المفاوضات هي خيار تملكه السلطة وتحاول من خلاله، إرجاع الحقوق الفلسطينية التي سلبها الاحتلال "الإسرائيلي"، ومحاولة من طرف الفلسطينيين لإحراج "إسرائيل" أمام العالم لفضح الممارسات التي يقوم بها بشكل يومي والتي تستهدف الفلسطينيين وحقوقهم وثوابتهم".
ولفت عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، إلى أن:" المفاوضات ومن خلال الثلاث لقاءات التفاوضية السابقة السلطة لم تحصل على أي نتيجة إيجابية من الجانب "الإسرائيلي"، يساعد في إحراز أي تقدم بعملية "السلام" أو المفاوضات الجارية".
وأشار عبد الله، إلى أن:" الجانب "الإسرائيلي"، يواصل المماطلة والتهرب من الاستحقاقات الفعلية لعملية السلام، وما تقوم به حكومة الاحتلال على الأرض من تشريد وقتل وتهجير للفلسطينيين وزيادة مستوى البناء الاستيطاني على الأراضي المحتلة، يؤكد وقاحة هذا الاحتلال وعدم جديته بأي عملية سياسية".
وذكر عبد الله، أن:" السلطة لن تبقى لفترة طويلة جالسة على طاولة المفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي"، وعند إحساسها بأن تلك المفاوضات لا فائدة منها، وستتركها دون رجعة مع تحميل الجانبين "الإسرائيلي" والأمريكي المسؤولية الأولى عن فشل محادثات "السلام"ووصولها لطريق مسدود.
وقال عبد الله:"الولايات المتحدة لا تقوم بالضغط الكافي على "إسرائيل" لإلزامها بإنجاح المفاوضات، والدور الأمريكي هنا منحاز تماما للاحتلال، ولذلك فإن السلطة ترى بتلك المفاوضات فرصة أخيرة للعملية السلمية ونجاحها في المنطقة، وما سيترتب على فشلها من قرارات وخطوات مقبلة.
وكان المنسق الخاص بالأمم المتحدة لعملية "السلام" في الشرق الأوسط روبرت سيري، حذر بأنه في حالة عدم نجاح محادثات "السلام" في التوصل لاتفاقية فسيكون ذلك نهاية السلطة الفلسطينية، وأعرب سيري عن قلقه بشأن التداعيات المحتملة لفشل "عملية السلام".
وفي المقابل قالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،:"إنها لن تقبل على الإطلاق أن تصبح مفاوضات "السلام" مع "إسرائيل"، "ستارا سياسيا لتطبيق أوسع مشروع استيطاني يجعل تلك المفاوضات فارغة المضمون".
غطاء للعنصرية
من جانبه، اعتبر واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مواصلة السلطة الفلسطينية لطريق المفاوضات وعقد لقاءات جديدة مع "إسرائيل" في ظل الدماء الفلسطينية التي تسيل بأنه خارج عن الإجماع الوطني.
وقال أبو يوسف:" ما تقوم به "إسرائيل" على أرض الواقع، مخالف تماماً للقوانين الدولية والإنسانية التي تنص على احترام الإنسان وصيانة حقوقه، وهي بتلك الممارسات القمعية والتعسفية تدلل على نيتها السلبية في التعامل مع ملف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني".
وأكد أبو يوسف: " أن السلطة الفلسطينية لم ولن تجني أي شيئ من المفاوضات التي سلكتها على مدار السنين الطويلة مع الجانب "الإسرائيلي"، قائلاً:" السلطة جربت المفاوضات لعقد من الزمن ولم تنجح بانتزاع أي حق من الحقوق الفلسطينية التي سلبها الاحتلال"، بل على العكس المفاوضات كانت غطاء كبير لإجراءات الاحتلال القمعية والعنصرية بحق الفلسطينيين".
وأضاف:" لا يجوز الحديث عن مسار تفاوضي مع "إسرائيل" في ظل ما تقوم به حكومة الاحتلال من طرح عطاءات استيطانية واقتحامات واعتقالات يومية، إضافة إلى عملية تهويد القدس وسياسة التطهير العرقي، وجرائم بشعة كان آخرها في مخيم قلنديا أدت لاستشهاد ثلاثة بدم بارد وجرح العشرات".
وحذر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير من مواصلة السلطة لهذا النهج، مؤكداً أن الوضع الداخلي وفي ظل ممارسات الاحتلال على الأرض يعطي غطاء لتلك التجاوزات القانونية والإنسانية"، مطالباً الفريق الفلسطيني المفاوض بالانسحاب بشكل فوري من جلسات المفاوضات كرد على جرائم الاحتلال بحق شعبنا.
ورأى أن تعطيل الانضمام الفلسطيني لعضوية المحكمة الجنائية الدولية وجميع مؤسسات الأمم المتحدة تحت الضغوط الأميركية –" "الإسرائيلية"، وشروط تفاهمات كيري لاستئناف المفاوضات، دون الوقف الكامل للعدوان والاستيطان، يترك الشعب الفلسطيني فريسة يومية لعربدة المستوطنين وجيش الاحتلال".
وفي السياق، كشف الصحفي "الإسرائيلي" "إيلي برديشتاين" عن خلافات حادة بين وزيرة قضاء الاحتلال تسيبي ليفني، ومبعوث رئيس حكومة الاحتلال يستحاق مولخو، بسبب المفاوضات الجارية مع سلطة رام الله، وأكد برديشتاين:" أن ليفني تدفع نحو التوصل إلى اتفاق نهائي مع الفلسطينيين، فيما يحاول مولخو جعل الحل الوحيد في الإطار الزمني المحدد لهذه الجولة من المفاوضات هو التوصل لاتفاق إعلان مبادئ فقط".
وبحسب برديشتاين، فإن ليفني تشذ عن الخط الرسمي الذي حدده نتنياهو للمفاوضات خلال أحاديثها غير الرسمية مع الفلسطينيين والأمريكيين بإظهار استعداد حكومة الاحتلال لتقديم تنازلات في قضايا مهمة مثل القدس والحدود.
واستؤنفت مفاوضات "السلام" بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" بعد وساطة أميركية نهاية الشهر الماضي بعقد ثلاث جولات من المحادثات حتى الآن في واشنطن والقدس، وذلك بعد توقف دام أكثر من ثلاثة أعوام.
وتعقد المحادثات التي تجري بين عريقات وليفني سرا دون صدور بيانات صحفية أو عقد مؤتمرات أو إصدار أية بيانات، وأحد أسباب السرية قد يكون الرغبة في إسكات المعارضين من الجانبين في ظل تصاعد التوتر بشدة بسبب عزم "إسرائيل" بناء أكثر من 1500 وحدة سكنية في الضفة الغربية مؤخرا.
المصدر: الاستقلال