قائمة الموقع

قرية أرطاس – هيلما جرانكفيست

2013-08-24T08:12:55+03:00

ترجمة: نانا الشهابي الطبعة الأولى دمشق 2010 قراءة: إبراهيم الباش
-غالباً ما ركّز الرحّالة والمهتمون على دراسة التاريخ القديم، مغفلين ملاحظة المحيط الحيوي والثقافة المعيشية المعقّدة للفلسطينيين مع تسليط الضوء لدى بعضهم على الحياة الصحراوية للبدو، أمّا الاهتمام بالحياة الفردية للفلاحين كان ضئيلاً.
-وعند التحدث عن حياة القرويين يتمّ ذكر اللمسة الجمالية التي تحيط بالمكان من جبال ومعابد وأماكن أثرية.
-والكتاب الذي بين أيدينا ((قرية أرطاس)) كتابٌ مهمٌ جداً في بابه لكونه يمثّل توثيقاً موسوعياً يصدر عن باحثةٍ أوروبيّة فنلدية من أصلٍ سويدي هي هيلما جرانكفيست.
-ولدت هيلما 1891، وتوفيت 1972 في هلنسكي عن عمر يناهز (81) عاماً. وقد درست أصول التدريس والتاريخ والفلسفة ودرست في برلين علم المواثيق القديمة، وقد قررت الذهاب إلى فلسطين  لدراسة الحياة الواقعية للمرأة القروية ليكون ذلك راداً لها في تأليف كتاب عن حياة النساء أيام العهد المسيحي، وقد كتبت هيلما عن الأدب الفلسطيني وتعدّ كتبها في هذا الشأن فريدة من نوعها حيث عرضت هيلما أدق تفاصيل شعر وأعمال ومشاكل وآمال القرويين.
اختارت قرية أرطاس لأسباب أهمها أنها قريبة من القدس، التي تتلقى منها دروساً في اللغة العربية، ولأن القرية لم تتأثر بالمدّ الغربي كغيرها من القرى القريبة من مراكز الحج ولسياحة، ولوجود ابنة راهب من الإلزاس مهتمّة بالتراث الفلسطيني كانت مقرّبة من هيلما.
-يقوم الكتاب على مقدّمة وثمانية فصول، تناول أولها مكان القرية وموقعها في جنوب بيت لحم، وتناول الفصل الأعراف التوراتية، كبرك سليمان والخلاف في نسبة بنائها وأصل تسمية أرطاس، وتعرّض الفصل للتاريخ القديم لقرية أرطاس خلال الحملة الصليبية وبناء الكنيسة الصليبية في مركز القرية، وفترة حكم السلاطين العرب وبناء أوّل مسجد فيها وهو مسجد عمر بن الخطاب، وفترة الحكم العثماني وثورة سكان القرية فيما بعد ضد الحكومة العثمانية وامتناعهم عن دفع الضرائب.
-ثم تناولت الباحثة أرطاس عام 1920 حيث كان يبلغ تعداد سكانها 500 نسمة يعيشون في الكهوف وبيوت صغيرة  مصنوعة من الحجارة على جانب الوادي ومعظم سكانها من المسلمين السنّة يعيشون حياة قبلية، السلطة فيها للأب، وفي أرطاس أربع عشائر رئيسة وبعض العائلات الأخرى وقسمت القرية إلى قسمين: سكني، واجتماعي، ومن الناحية الاقتصادية اعتمد سكان القرية على الزراعة وتحتفظ بعض العائلات بقطعان الماشية من الغنم والماعز واهتموا بتربية الدجاج والحمام والنحل.
-وأمّا الفصل الثاني: فقد انصرف لدراسة سكان القرية وتعدادهم حيث بلغ عددهم عام 1920 (500) نسمة في الفترة التي كانت الدكتورة هيلما في القرية تكمل دراستها، وغالبية السكان من الفلاحين ولا يختلفون في عاداتهم عن فلاحي فلسطين، وقد تعرّضت الكاتبة في هذا الفصل لفئات السكان وهم: عرب التعامرة والمسيحيين الذين كان تعدادهم عام 1931 (69) امرأة وخمس رجال استقرّوا في القرية، وأشارت الكاتبة إلى الزوّار المتجولين الذين يزورون القرية في مناسبات عديدة كالزواج والختان، وذكرت أيضاً رجال الدين والمشايخ الذين يحضرون إلى القرية من حين لآخر لتدريس القرآن وعلوم الدين وتضمّن هذا الفصل صوراً نادرة للزي الأرطاسي للرجال والنساء وعرب التعامرة والمسيحيين.
-أما الفصل الثالث: فقد خصّته الكاتبة لدراسة مراحل الطفولة والولادة في القرية ونشرت الدكتورة هيلما عام 1947 كتابها عن الولادة والطفولة عند العرب حيث شرحت العادات المتعلقة بالجنين ومرحلة ما قبل وبعد الولادة وعملية الختان ومدى اهتمام أهل القرية بهذه المراحل والعادات المتعلقة بكل مرحلةٍ على حدة، وقد تعرّضت في الفصل ذاته للتعليم في مدارس أرطاس وهو تعليم غير نظامي يعتمد عددٌ من الصبية عام 1920 إلى بيت لحم للدراسة وتعلّم اللغة الإنكليزية ، وذكرت الكاتبة في آخر هذا الفصل العادات والمهارات والتوجيهات التي يكتسبها الأبناء من آبائهم في القرية.
-والفصل الرابع من هذا الكتاب خصته الباحثة للكلام عن الختان والتحضير له الجدير بالذكر أن الخنان كان يجري لعدد من الأولاد دفعةً واحدة، وهذا جزء من التكافل الاجتماعي لقرية ولتقليل النفقات من جهة أخرى، وقد يتزامن الختان مع احتفالات الزفاف والترحيب بالحجاج العائدين من مكة المكرّمة.
-وفي الفصل ذاته تعرّضت الكاتبة في هذا الفصل لتفاصيل حفل الختان والولائم التي يتم تحضيرها، وكثيراً ما كانت تتم حفلات الختان عند قبر إبراهيم الخليل عليه السلام في مدينة الخليل، أو عند قبر النبي داوود في القدس، وركزت الباحثة على الصفة الدينية لهذه الشعيرة لدى المسلمين.
-وأما في الفصل الخامس من الكتاب فقد انصرف الحديث فيه عن الزواج في القرية وركزت الباحثة هيلما الكلام على الخطوبة والزفاف وأيضاً أردفت بالكلام عن تعدد الزوجات والطلاق والترمّل، كما ركزت على مواسم الزفاف وأن أفضلها الفترة الواقعة بين العيدين، وفي شهري أيّار وحزيران وعند الانتهاء من الحصار. واهتمّت الباحثة في هذا الفصل بتفاصيل اختيار الزوجة والخطوبة والعرس والولائم وموكب العرس ووليمة الزفاف والهدايا والضيوف.
-وفي الفصل السادس صورت الكاتبة هيلما العديد من النشاطات والأعمال اليومية للسكان في أرطاس، ومعظم ملاحظاتها حول الأعمال المنزلية للنساء وتقسيم العمل بين الرجال والنساء، فأعمال الرجال التي حدّدها الدين والعرف ولا يمكن للمرأة إنجازها كذبح الحيوانات ودفن الموتى والختان ومناقشة أمور الزفاف والذهاب إلى الجيش والتدريس والصلاة في مسجد القرية.
-ومن أعمال النساء جلب الماء من البئر والاهتمام بالأطفال وحياكة البسط والسلل وجمع الأعشاب، ومساعدة النساء في أعمال التمريض والتوليد.
-وثمة أعمالٌ مشتركة من الرجال والنساء كالطعام في المناسبات والعناية بالحيوانات الأهلية والأعمال الزراعية.
-وأما الفصل السابع فهو من أهم فصول الكتاب حيث خصصتها الكاتبة للإسلام والعادات والتقاليد، وقد ذكرت الدكتورة جميع النشاطات المرتبطة بالدين والتي لها صلة بحياة سكان أرطاس اليومية ومعظم سكان أرطاس من المسلمين السنّة.
-وركزت الباحثة في هذا الفصل على العادات الشعبية في رمضان وليلة القدر والعيدين الصغير والكبير، وزيارة ضريح النبي موسى، والأضاحي.
-والفصل الثامن من الكتاب انصرف للحديث عن مراسم الموت والدفن في القرية ولحظات الاحتضار حيث يحتشد الناس في بيت انصرف للحديث عن مراسم الموت والدفن في القرية ولحظات الاحتضار حيث يحتشد الناس في بيت المحتضر للتخفيف عنه في ساعاته الأخيرة، ويطلب من المحتضر أن يقول وصيته الأخيرة، ويتوقع منه أن يوفي ديونه ويتلفظ برغبات شفوية أمام الحاضرين.
-ثم تعرّضت الباحثة لمظاهرة التحضير للدفن واختيار القبر، ويدفن معظم القرويين مع أقاربهم في قبور قديمة أو في كهوف طبيعية هيّأت لتكون قبوراً كما أسهبت الباحثة بالكلام عن طقوس ومراسم الدفن وموكب الجنازة، وهي مظاهر لا تختلف عن باقي القرى الأخرى في فلسطين.
-إن كتاب الدكتورة هيلما جرانكفيست كتابٌ مهم في بابه قدّم لنا صورة واقعية لقرية فلسطينية أرادت الباحثة أن تتخذها أنموذجاً لكثير من القرى الفلسطينية، فقد قدّمت الباحثة دراسة اجتماعية ذات عمق حيوي في الثقافة المعيشية للفلسطينيين، وهو جانب قلّما اهتمّ به الرحالة القدماء، لذا يعد هذا الكتاب توثيقاً تاريخياً اجتماعياً يسهم في ترسيخ الذاكرة التراثية لقرانا الفلسطينية.

 

اخبار ذات صلة