باتت المصالحة الفلسطينية في خبر كان، بعد شروع السلطة الفلسطينية وانغماسها في مبادرات إحياء التسوية مع الاحتلال "الإسرائيلي" من جانب، ومن جانب آخر انشغال الراعي المصري عن رعايته ملف المصالحة في الأوضاع الداخلية التي تزداد سوءً يوماً بعد يوم بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي.
ونجح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعد خمس جولات مكوكية متتالية في منطقة الشرق الأوسط، باستقطاب طرفي المفاوضات (السلطة الفلسطينية والاحتلال) وتولية المملكة الأردنية مهمة تقريب وجهات النظر وتحقيق التسوية بينهما وصولاً إلى حل الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني.
وقابلت حركة حماس الإعلان عن نجاح جهود كيري واستئناف المفاوضات بين السلطة والاحتلال، بعقد مؤتمر صحفي، مساء الإثنين الماضي، أعلنت خلاله عن رفضها الشديد لهذه المفاوضات معتبرة أنها مضيعة للحقوق والثوابت الفلسطينية، وطالبت السلطة بالاختيار بين المفاوضات أو المصالحة.
وكان آخر لقاء في سياق تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس في الرابع عشر من مايو الماضي، واتفق الطرفان على منح مهلة ثلاثة أشهر لإتمام كافة الملفات المتخالف عليها وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتجهيز لجنة الانتخابات لبدء عملها.
ورغم أن طريق إنهاء الانقسام لم يكن بالمطلق سهلاً، وكانت هناك العديد من العقبات والخلافات بين الحركتين المتخاصمتين، إلا أن قبول السلطة الفلسطينية وحركة فتح بالعودة إلى التفاوض مع الاحتلال، والاستمرار في الاستفراد بالقرار الفلسطيني، وضع المسمار الأخير في نعش المصالحة الفلسطينية في الوقت الذي تطالب حماس بالمشاركة السياسية- وفقاً لمحللين سياسيين.
تعطل وجمود
ويرى المحلل السياسي إياد عطا الله، أن المصالحة الفلسطينية تعطلت منذ تجميد عمل الراعي المصري بعد الأزمة المصرية الداخلية، ولكن ما زادها تعطلاً وجموداً ذهاب السلطة إلى التفاوض مع الاحتلال، الأمر الذي تراه حركة حماس يتعارض مع أسس المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية، ولكنه يشدد في ذات الوقت على ضرورة ألا تكون المفاوضات ذريعة لتجميد المصالحة.
وقال عطا الله: لدى حركتي حماس وفتح منهج سياسي مختلف تماماً، وكنا نستبعد حدوث مصالحة شاملة قبل هذه العراقيل، فما بالكم الآن وقد ذهب كل فريق منهم إلى اتباع منهجه السياسي الخاص به دون الأخذ بعين الاعتبار تطلعات وأفكار الآخرين".
وأوضح أن استئناف المفاوضات أثّر بشكل كبير على ملف المصالحة، وزاد إحباط الشارع الفلسطيني من إمكانية التوصل إلى وحدة وطنية. وأضاف: الشعب الفلسطيني محروم من ممارسة حقوقه السياسية منذ أكثر من 7 سنوات، ولديه أمل كبير في اختيار قيادته وممارسة حقهم الانتخابي، وهذا حق أصيل لهم ولا يجب تعطيله بأي حال من الأحوال".
وأضاف عطا الله: "المصالحة هي حاجة فلسطينية أولى ولا يمكن تأجيلها أو تعليقها إلى أجل مسمى، فلا يجب أن تعلق لانشغال مصر بالأحداث الداخلية ولا يجب أن تتوقف بسبب استئناف المفاوضات، بل يجب أن نمنح هذا الشعب الحرية الكاملة في اختيار قادته وممارسة العمل الديمقراطي".
ومن جانب آخر، استهجن المحلل السياسي بشده توجه عباس نحو المفاوضات وتركه المصالحة مع حماس، وقال: مواصلة المفاوضات مع الاحتلال دون وحدة وطنية واستراتيجية واحدة سيؤدي إلى حدوث المزيد من التنازلات التي لن يسمح الشعب الفلسطيني بتمريرها".
ولفت عطاالله النظر إلى أن الاحتلال لا يرغب مطلقاً بتحقيق مصالحة مع حماس وفتح واعتبرها نهاية للتسوية مع "إسرائيل" كون هذين الملفين يتعارضان في الأهداف والمصالح والأطراف، "فالمصالحة مصلحة للفلسطينيين فيما المفاوضات مصلحة لـ"إسرائيل".
هوّة كبيرة
من جهته، يقول المحلل السياسي عبد الستار قاسم، إن استئناف المفاوضات بين الاحتلال والسلطة زاد من حجم الفجوة بين حركتي فتح وحماس لتحقيق المصالحة الفلسطينية، مشيراً إلى أن توجه السلطة للمفاوضات وحماس لمناصرة الإخوان في مصر يدلل على أن لكل منهما نهج منفصل ورأي خاص وطريق مختلف.
وقال قاسم: بلا أدنى شك، المفاوضات تؤثر بشكل كبير على المصالحة الداخلية، ولكن هل كانت المصالحة مستمرة قبل خوض السلطة المفاوضات؟! بالطبع لم تكن مستمرة بل كانت مجمدة بسبب تعطل دور الراعي المصري لانشغاله بأموره الداخلية، ولكن لماذا نعلق آمال وطموحات شعبنا على أوقات فراغ الآخرين؟ لماذا لم يتم تحقيق المصالحة ذاتياً..هذا هو مربط الفرس".
وأوضح أن المفاوضات نهج تتبعه السلطة الفلسطينية منذ أكثر من 19 عاماً. وأضاف: ليس للسلطة خيار آخر سوى المفاوضات، لذلك يجب علينا أن نقوم بخطوات كثيرة قبل عقد المصالحة والوصول إلى وحدة وطنية تقود إلى مشروع تحرر حقيقي، من بين هذه الخطوات حل السلطة وإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية".
وأكد أن المفاوضات مع الاحتلال والمصالحة مع حركة حماس، طريقان لا يمكن لهما أن يلتقيا، "فإما مصالحة مع الاحتلال أو مصالحة داخلية، واختيار حركة فتح طريق التصالح مع الاحتلال أدى إلى تعميق الانقسام الداخلي الفلسطيني وعودته إلى مربعه الأول".
وتابع: "ما يدل على أن المصالحة توقفت تماماً الآن وأن للمفاوضات تأثير كبير عليها، هو أن حركة فتح لن تكون قادرة على الخوض في ملفين تصالحيين مرة واحدة، لأن نتنياهو سبق وقالها، إما صلح معي أو مع حماس، وعباس اختار الصلح مع نتنياهو".
وبيّن قاسم أن رئيس السلطة عباس وباختياره المفاوضات مع الاحتلال، قد اختار الطريق الأصعب والأكثر ضرراً للشعب الفلسطيني، لافتاً إلى أن الموافقة ببدء مفاوضات مع الاحتلال اصطحب بإعلان "إسرائيل" بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس المحتلة ما يشير إلى سلبية نتائج هذه المفاوضات قبل ولادتها.
المصدر: صحيفة الاستقلال