تعتبر "إسرائيل" إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من سجونها وفقاً لاتفاقيات استئناف محادثات التسوية مع السلطة الفلسطينية، غير مكلف بقدر وقف الاستيطان، الأمر الذي جعلها تقرر الافراج عن 104 أسيراً- وفق محللين سياسيين.
واتفق المحللان في حديثهما لـ"الاستقلال" أن نيل أولئك الأسرى الحرية يعد مبدأً يوافق كافة تطلعات الشعب الفلسطيني، ولكنهما حذرا من أن يكون ذلك تغطية لتنازلات جديدة ستؤدي إلى ضياع القضية الفلسطينية.
وقالت مصادر فلسطينية وإسرائيلية متطابقة أن الاجتماع "الإسرائيلي" الحكومي المصغر "الكابينت" وافق على إطلاق سراح الأسرى المعتقلين قبل اتفاقية أوسلو عام 1993، في سبيل تذليل العقبات أمام محادثات التسوية، فيما قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: "إن 85% من المستوطنات ستنضم إلى "إسرائيل" مستقبلاً".
وأعلنت الإذاعة العامة "الإسرائيلية" أن "إسرائيل" ستطلق سراح 26 أسيراً منتصف أغسطس الجاري كمرحلة أولى لإطلاق سراح 104 أسيراً وافقت الحكومة "الإسرائيلية" عليهم كبادرة حسن نية للبدء بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
وكانت ما تسمى بوزيرة العدل "الإسرائيلية" تسيبي ليفني ومسئولة ملف التفاوض، قالت إن "إطلاق سراح أسرى فلسطينيين هو الخيار الاستراتيجي الأقل سوءًا بالنسبة لـ"إسرائيل"، وهو أفضل بكثير من بدء المفاوضات مع خطوط حدودية مرسومة".
الاستيطان المقدس!!
ويؤكد المحلل السياسي إياد عطاالله، ان "إسرائيل" وبإفراجها عن الأسرى، لم تقدم ثمناً كبيراً من أجل دفع السلطة لاستئناف المفاوضات، وهي مستعدة للإفراج عن جميع الأسرى دون إجبارها على وقف الاستيطان.
وقال عطاالله: "الإفراج عن أسرى غير مكلف بقدر وقف الاستيطان وفقاً للمنظور "الإسرائيلي"، لأن "إسرائيل" عندما تفرج عن أسير تجعله يكتب تعهداً بعدم ممارسة أي نشاط، وفضلاً عن ذلك إعادة اعتقاله مرة أخرى في حال مارس أي عمل وطني، فيما وقف الاستيطان يعني وقف المستقبل "الإسرائيلي"".
وأضاف: ""إسرائيل" تعلم أن الإفراج عن أسرى هو أمر محبذ دولياً ومحبب شعبياً، فيما تعتبر وقف الاستيطان هو تجميد للاستراتيجية الصهيونية العالمية وتطلعاتها في أرض فلسطين"، مشيراً إلى أن السلطة لم تفلح كما اعتادت سابقاً في كسب المعركة منذ بدايتها.
وتابع عطاالله: "لعبة المفاوضات باتت مكشوفة فهي تحمل هدفاً واحداً وهو تقديم المزيد من التنازلات الفلسطينية للاحتلال، فيما لا يملك عباس ورقة قوة واحدة تمكنه من انتزاع أي حق فلسطيني مسلوب إسرائيلياً".
وبيّن أن السلطة تراجعت عن شروطها التي وضعتها مسبقاً لاستئناف المفاوضات ومنها تجميد كامل للاستيطان، "ولكن عندما رأت التعنت "الإسرائيلي" استسلمت أمامه، وفكرت في طريقة أن تحفظ بها ماء وجهها أمام الفلسطينيين وابتكرت حيلة الإفراج عن مجموعة من الأسرى القدامى".
واعتبر هذا التراجع "دلالة على عدم وجود مبادئ واستراتيجيات واضحة للسلطة الفلسطينية لتحقيق حلم نيل دولة فلسطينية على حدود الرابع عشر من حزيران عام 1967".
وأكمل المحلل السياسي: "كل ما يجري في فلك المفاوضات سيصب بالفائدة والمصلحة للاحتلال فقط، ونحن كفلسطينيين لن ينوبنا إلا خيبة أمل ومزيد من التراجع والاستيلاء على المزيد من الحقوق الفلسطينية".
ولفت النظر إلى أن أي اتفاق لا يشمل عودة اللاجئين الفلسطينيين وتحرير الأسرى والقدس المحتلة، ووضع نهاية جذرية للاستيطان بالضفة والقدس، "سيكون اتفاقاً فاشلاً بامتياز ولن يرى النور".
عجز فلسطيني
واتفق المحلل السياسي الخبير في الشأن "الإسرائيلي"، نظير مجلي، مع من سبقه في أن "إسرائيل" تهتم بشكل واسع في التوسعات الاستيطانية، وهي جاهزة للتخلي عن أي شيء مقابل عدم المساس بموضوع الاستيطان، مشيراً إلى أن السلطة الفلسطينية تعي ذلك جيداً وباتت عاجزة أمام وقف الإدارة الاستيطانية "الإسرائيلية".
وأوضح مجلي: أن "إسرائيل" تطلع لتحقيق مصالحها الشخصية بالدرجة الأولى في موضوع إنهاء الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" من ناحية سياسية وأمنية واقتصادية، من خلال الاستيلاء على الموارد والأرض وحصر الشعب الفلسطيني في أضيق بقعة ممكنة.
وقال: "حكومة نتنياهو هنا تحاول أن تعيد المفاوضات دون دفع ثمن كبير، من خلال الاكتفاء بالإفراج عن معتقلين اعتقلوا خلال جولات الصراع لذلك لن يكون هناك ضير في الإفراج عنهم في حال كان الحديث يدور عن سلام".
وأضاف مجلي: "قضية الإفراج عن الأسرى ليست هي القضية الجوهرية رغم أهميتها، حتى أولئك الأسرى اعتقلوا وهم يدافعوا عن القضايا الجوهرية وهي الوطن والأرض، لذلك ما يجب الاهتمام به أكثر وعدم تقديم التنازلات فيه هو الأرض".
وبيّن أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تمتلك رؤية أو استراتيجية واضحة في التفاوض من الناحية القانونية والسياسية أو من الناحية التقنية، وتابع: "السلطة أخطئت بعد أن نزلت عن سقفها المرتفع وشروطها للدخول في مفاوضات جديدة، ونزلت عن هذه الشروط ما منح "إسرائيل" شعوراً بالاطمئنان أن رئيس السلطة عباس سيقدم المزيد من التنازلات في حال تلقى ضغوطاً".
وأكمل المحلل السياسي: "البدء بالتفاوض بالحد الأدنى من المطالب يعني أنك ستخسر المزيد منها، وهذا يشير إلى أن هناك خلل واضح في أسلوب التفاوض، لذلك يجب على السلطة أن تعيد حساباتها وترتب أوراقها من جديد وتطرح ما تتطلبه المرحلة".
واستبعد أن تنتهي هذه المفاوضات بطريقة مشرفة فلسطينياً، بسبب عدم وجود خطوط حمراء أمام السلطة في ظل الضغط الدولي عليها والتعنت "الإسرائيلي".
المصدر: الإستقلال