إعتاد الغزيون على تناول العديد من الأكلات الشعبية الفلسطينية التي تتميز بها كل مدينة، وتكون حاضرة في عيد الفطر السعيد بعد صيام شهر رمضان المبارك، كالكعك الذي يعتبر نوعا من الحلويات، والأسماك المملحة أو ما يعرف بـ"الفسيخ"، الذي يعد طبقاً أساسياً لا يستغنى عنه صباح العيد، إضافة لأكلة "السماقية" التي لا تغيب هي الأخرى عن بيوت الغزيين بدءًا من أول أيام العيد، إذ يعتبرونها جزءًا من العادات والتقاليد التي توارثها الأبناء عن أجدادهم على مدار الأجيال المتتابعة، ويحافظون على وجودها دوماً لما تتميز به من مذاق خاص ورائحة شهية. وعلى الرغم من الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، والصعوبة في توفير احتياجاتهم المختلفة، وخصوصاً الأسماك التي اقتصر الحصول عليها من بحر غزة الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي لتي تسمح بدخول الصيادين لمسافة 6 أميال بحرية فقط، إضافة للأنفاق التي دمر غالبيتها والمنتشرة على الحدود الفلسطينية المصرية، اقتصرت وفرة "الفسيخ" هذا العام على ما خزنه التجار من العام الماضي، ولبوا من خلاله احتياجات البعض من الغزيين. "الفسيخ" لا طعم للعيد بدونه وفي سوق الأسماك وسط مدينة غزة، يعرض أحمد أبو رمضان على بسطته مختلف أنواع الأسماك المملحة، أملاً ببيعها لأجل الحصول على قوت يومه، وهو يجلس خلفها هو وابنه، ويتحدث لـ"النشرة" قائلاً: "الفسيخ أكلة شعبية تراثية يتناولها الغزيون منذ أزمنة عديدة، وله طعم خاص خصوصاً في العيد، وإذا لم يكن طبع الفسيخ حاضراً على سفرة العيد الصباحية لن نشعر بالعيد، سيما وأن نكهة الفسيخ ورائحته تشعرنا بالعيد"، على حد وصفه. ويوضح أبو رمضان أن مهنة عمل الأسماك المملحة، وتخزينها وبيعها، هي مهنة أخذها عن أبيه وجده، إذ أصبح بائعاً من سنوات في سوق الأسماك بمدينة غزة. ويلفت بائع الأسماك المملحة إلى أن اقبال الغزيين على شراء "الفسيخ" هذا العام ضعيف إلى حد ما بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، وإغلاق الأنفاق التي كانت تدخل منها كميات كبيرة من الأسماك المتنوعة، إضافة إلى صعوبة توفيرها او الحصول عليها من بحر غزة، بسبب سيطرة إسرائيل عليه، وعدم سماحها للصيادين إلا بدخول مسافة 6 أميال بحرية فقط، ما يجعل نسبة الحصول على الأسماك ضئيلة. ويتابع أبو رمضان: "العيد له رائحة خاصة وطعم مميز بوجود الفسيخ، وبدونه لا نشعر بأن هناك عيدا فعلياً لأننا تعودنا على وجوده دائماً، وحتى في الأسواق تجد الناس الذين لا يتناولونه يذهبون إلى الأسواق لأجل أن يشتموا رائحته فقط". ويعد "الفسيخ" من الأكلات الأساسية التي يتناولها الغزيون، صباح كل عيد، تناقلها الغزيون عن أجدادهم، وهو عبارة عن سمك عادي بمختلف أنواعه "كالجرع" و "الرنقة" و"البوري" متوسط الحجم يوضع عليه الملح بكميات كبيرة، إضافة للعصفر، ويخزن لمدة 6 شهور على الأكثر. "السماقية" أكلة فلسطينية شعبية وفي ساعات مساء الليلة الأخيرة من رمضان تنشغل المواطنة الفلسطينية "أم أحمد" في إعداد طبق "السماقية" التي تكون هي الأخرى حاضرة أيضاً على مائدة الفطور صباح يوم العيد، إذ يحرص الغزيون على طبخها وتناولها كل عيد، إضافة لتوزيعها على الأحبة والأقارب. وتقول "أم أحمد": "السماقية طبخة مشهورة لدى الغزيين اعتدنا على طبخها بعد صيام رمضان، فهي تتميز بطعم طيب ومذاق خاص، وتكون مريحة للمعدة بعد الصيام، ولا تسبب أي مضاعفات، ويمكن القول أن كل بيت فلسطيني يقوم بطبخ هذه الأكلة أول أيام العيد، وأيضاً في المناسبات الأخرى كالأفراح". وتلفت "أم أحمد" إلى أن هذه الأكلة لها بهجة ورائحة مميزة في المنزل، سيما وأنها طبخة نادرة لا نعدها إلا في المناسبات الخاصة، وتناقلها الغزيون عن أجدادهم، ومنذ صغرنا ونحن نعرفها". وتحرص "أم أحمد" بعد تجهيز "السماقية" على توزيعها على الأقارب والأصدقاء، إذ اعتادت على ذلك في كل عيد، مضيفة: "أن الغزيين يفضلونها عن أي طعام آخر يوم العيد". وتعتبر "السماقية" من الأكلات خفيفة على المعدة وسهلة الهضم وتساعد على فتح الشهية، ناهيك عن أنها تحتوي على كافة العناصر الغذائية المفيدة للجسم، بحسب ما يقول الغزيين. وسميت بذلك لأنه يستخدم فيها كمية كبيرة من السماق، وهو العنصر الغالب على هذه الطبخة. "كعك" العيد في المقابل يتجه الغزيون إلى تجهيز ما يسمى بـ "كعك" العيد الذي يعد من أطباق الحلوى الأساسية التي يحرص الغزيون على تجهيزها آخر أيام شهر رمضان المبارك، ويكون محشوا بالتمر وحلويات أخرى، إذ يتجمع مجموعة من النسوة على طاولة واحدة في مختلف بيوت الغزيين، ويقومون بتجهيزه، سيما وأنه يعطي نكهة جميلة للعيد اعتاد عليها الغزيين وورثوها عن أجدادهم. وحل العيد هذا العام ولم تتغير الأوضاع كثيراً عن الأعياد السابقة إلا في زيادة الضيق الاقتصادي وانسداد الأفق السياسي، إضافة للأزمات الأخرى التي يعاني منها الفلسطينيون، ورغم ذلك يحافظون على وجود مثل هذه الطقوس والأكلات الفلسطينية الشعبية في كل عيد، كنوع من إحياء التراث. المصدر: النشرة.