/تقارير وتحقيقات/ عرض الخبر

"الولائم الرمضانية".. مصالح ومظاهر أم تقرب إلى الله؟

2013/08/04 الساعة 08:49 ص

الولائم الرمضانية عادة متوارثة وعبادة  تتجدد مع  كل عام في شهر رمضان المبارك, وتختلف أشكالها وصنوفها مع اختلاف الوضع الاقتصادى للمواطنين. فيما يعتبر البعض أن هذه الولائم التي يدعو إليها الناس بعضهم بعضا، أمرا مبالغا فيه ومرهقا مادياً.
الكثير يذهب بتفكيره عندما يتم دعوته لتناول طعام الإفطار، إلى طبيعة الطعام الذي سيقدم، وهل سيحتوي على اللحوم أم الدجاج، ويتساءل إن كان سيتبعه حلوى وعصائر وما إلى ذلك، ولكن الحقيقة أن هذه العزائم والولائم تحمل هدفاً أسمى بكثير من الطعام والشراب، وهو الاجتماع بالأحباب والأقارب على مائدة طعام واحدة تقربهم من بعضهم البعض، طمعاً في الحصول على الأجر الرباني من خلال صلة الأرحام وتلبية الدعوات.
وهناك من الناس من يحول العزائم إلى ميادين تحد ومبارزة مع غيره من الأقارب، حيث ينظمها بشكل مبالغ فيه وينفق عليها الكثير من الأموال من أجل الظهور بمظهر لم يعهده المدعوون من قبل، وفي ذلك رغبة منه أن يجعل وليمته حديث الساعة.
كل له أسبابه وإراداته في الذهاب نحو دعوة الناس لتناول طعام الإفطار خلال شهر رمضان، إما لتوطيد العلاقات، أو لإظهار المظاهر، أو للمجاملات، ولكن، أفلح من عزم النية أن تكون طمعاً في كسب الأجر الخالص من الله عز وجل.

نماذج ..
"أبو أحمد" موظف حكومي صاحب دخل محدود ينتهي عادة مع نهاية الثلث الثاني من الشهر، ولكن خلال شهر رمضان راتبه لا يكفي 15 يوماً من الشهر، هذا الأمر أدى إلى نشوب خلافات مع زوجته بسبب رفضه إقامة وليمة إفطار ودعوة أهلها إليها.
ويقول: الأمر لا يتعلق بالبخل كما تصفني زوجتي، بل بالقدرة المادية، فليس لدي أموال لإقامة وليمة، وإن استطعت فإن ذلك سيكون على حساب أمور حياتية أساسية وهامة".
وأوضح أن زوجته تطلب منه إقامة وليمة إفطار وإحضار كل ما غلي ثمنه، الأمر الذي يعتبره خارج حدود قدرته الشرائية، مضيفاً: أجبر أحيانا على الاستدانة بسبب ضغط زوجتي لأقدم شيئاً فخماً حتى تتباهى بين قريباتها".
وتابع: أنا لا أحب البذخ ولا أفضله، لكن أجد نفسي مجبرا عليه وأقدم وليمة شهية وأكسب أجرا بإفطار صائمين، وهذا ما يهوّن الأمر بالنسبة لي".
أما "أم طارق"، وهي ربة منزل ذات حالة مادية ميسورة، تقول "إن للولائم والعزائم الرمضانية فوائد كبيرة وعديدة من ناحية اجتماعية ودينية، ولكن ليس من ناحية اقتصادية".
فأم طارق تسرف بشكل مبالغ فيه في إعداد وليمة العزائم للمدعوين، حيث تخبر أنها أنفقت نحو 700 شيكل لإفطار 6 أشخاص في منزل زوجها، وأضافت: الأشخاص كانوا أهل زوجي، وهذا ما دفعني لإعداد مائدة طويلة مليئة بالصنوف الشهية، متبوعة بمائدة أخرى خاصة بالحلويات والفواكه والعصائر واللوزيات وغيرها".
وبيّنت أن أكثر من 90% من الطعام لا يستهلك ويبقى مكانه، مشيرةً في ذات الوقت إلى أنها تقوم بتوزيع الطعام الزائد إلى جيرانها الفقراء.

نظرة المجتمع
المتخصص الاجتماعي إياد الشوربجي، يرى أن طبيعة العلاقات الاجتماعية والثقافية العربية تعطى فرصة كبيرة للناس لزيادة الآلفة بينهم وتمتين العلاقات الاجتماعية وتحديدا خلال شهر رمضان, من خلال وسائل مختلفة، منها "العزائم" وإقامة الولائم.
وقال الشوربجي: رمضان شهر للخير والرحمة والتواصل الاجتماعي وزيارة الأحبة والأقارب، بالتالي العزائم تعتبر من ضمن وسائل التواصل الاجتماعي التي تزيد التآلف بين أفراد المجتمع وتدعم المحبة بينهم".
وأوضح أن الكثير يلجئون للعزائم ويمتلكون الأموال لها، فيما البعض الآخر يعاني من ضائقة مالية تجعله غير قادر على إقامة الولائم للناس، مشيراً إلى أن طبيعة النسيج الاجتماعي وعادات الشعب الفلسطيني، عادة ما لا تقدر الظروف السيئة للأشخاص في هذا الأمر وتعيب على من يدعو الناس للطعام ويلبي دعوتهم أيضاً.
وأضاف الشوربجي: المجتمع الفلسطيني يقوم على مبدأ المجاملة، فهذا المبدأ له أهمية كبيرة بينهم بغض النظر عن أي اعتبارات مادية أو اقتصادية, فالكثير من الناس تدعو للإفطار، ومن يلبي تلك الدعوة سيضطر لدعوتهم في بيته حتى لو كان فقيراً ولا يقوى على إقامة أي عزومة، وكلها تحت غطاء العادات السيئة بمجتمعنا".
وتابع: نظرة المجتمع إلى من يبتعد عن دعوة أقاربه لتناول طعام الإفطار، تختلف باختلاف ثقافة الناس وطريقة تفكيرهم, فالبعض لا يحب أن تكون العزائم في رمضان ومن يبتعد عنها يعتبر من وجهة نظر المجتمع شخص بخيل ولا يحب مجاملة الناس".
ولكن كيف ينظر المجتمع لمن يرفض تلبية دعوة لتناول طعام الإفطار؟، يجيب المتخصص الاجتماعي: يتفاوت تفسير هذا الأمر بين الناس، البعض يرفض العزومة، لأنه لو دعي إليها فلا بد أن يدعي من دعاه للإفطار من قبيل المجاملات, والبعض يرفضها بسبب عادات الإفطار المكلفة والتي تفرض على من سيعزم تحضير أنواع مختلفة من اللحوم والحلوى والعصائر".
ولفت الشوربجي النظر إلى أن الوليمة البسيطة لا تعجب المدعوين، وتصبح مثار جدل ومناقشة بعد الإفطار بينهم، لذلك يحرج من يعاني من وضع اقتصادي سيئ من دعوة الناس لتناول طعام الإفطار في وليمة بسيطة.
وبيّن أن هناك من يعقد وليمة ويدعو قوم من الناس من أجل إنهاء خلاف بينهم عملاً بالمثل (طعمي التم تستحي العين)، لتحقيق مكاسب شخصية معينة، ولكن الأصل في ذلك من ناحية شرعية (إذا دعيت لوليمة فلبّ الدعوة).
ونصح الخبير الاجتماعي أن تكون الولائم والعزائم على قدرة ذات اليد، والابتعاد عن البذخ من أجل تمتين العلاقات الاجتماعية وإحياء سنة نبوية، وقال: "لا داعي للإسراف والإفراط بها".
 

صحيفة الاستقلال

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/39263