ينتظرونه من عام لآخر، تتزين مخيماتهم استعدادا لقدومه، أسواق مزدحمة، رائحة المأكولات تملاً الشوارع، البسمة تزين الوجوه، المساجد ممتلئة، باعة العصير على نواصي الطرقات، شراب عرق السوس والتمر الهندي والليمون، حلويات عربية ومخبوزات خاصة برمضان معروضة في المخابز، أنواع من التمور في كل مكان، صوت المسحر ينادي الأهالي للقيام إلى سحورهم، إنها العادات الرمضانية للنازحين الفلسطينيين في سوريا، عادات أجبرتهم الظروف الجديدة على تركها.
فمخيماتهم قصفت، وأسواقهم أغلقت، وأبناؤهم استشهدوا، أو جرحوا، أو اعتقلوا، وبعد معاناة طويلة قرروا أن يرحلوا إلى مصر، لم تكن لديهم خيارات كثيرة، فإما لبنان وإما مصر، ولعل الظروف المعيشية الصعبية التي يعانوها أجبرتهم على التخلي عن خيار لبنان لارتفاع تكلفة المعيشة والإقامة فيه.
لم يخيل لفلسطينيي سوريا أنهم سيمكثون في مصر حتى عودة شهر رمضان الكريم، فمعظمهم ظنوا أنهم لن يقيموا سوى شهر أو شهرين أو ربما عدة أشهرعلى الأكثر، فما كانوا يتوقعوا أن تطول الأزمة أكثر من ذلك، لكن لم تكن الرياح مواتية لسفنهم فاستقروا في بحر المعاناة في مصر.
جاء رمضان وأضاء معه المصريون فانوسهم، الذي أعطى بدوره شارة البدء لارتفاع الأسعار، فحلقت أسعار المواد الغذائية والخضراوات مرتفعةً كما ارتفعت معها إيجارات المنازل.
ودَّ الفلسطينيون أن يستندوا على الحائط المصري، حائطٌ لم يعلموا أنه مائلٌ وفيه العديد من التشققات والحفر، ظروف صعبة تمر بها مصر، كان لها الانعكاس الأكبر على النتازحين الفلسطينيين الذي أتوا إليها، فلا فرص عمل متاحة ولا وضع قانوني واضح ولا ممثل يتبنى قضيتهم.
الشوارع مزينة والأسواق بدأت بالازحام لكن دموع العين أغشت الرؤية فلم تستطع عيون النازحين إبصار الاحتفالات المصرية بقدوم رمضان وما يرافقها من طقوس وتقاليد خاصة بهذا الشهر الكريم، ففكرهم في سوريا وقلبهم معلق بهواها، فلا يكاد يخلوا حديثهم من بحّات حزن على فراق مخيماتهم، "كل شيء في سوريا كان أحسن من هنا" يقولها أحدهم وإن كانت تلك نظرته غير منصفة بعض الشيء لكنه هو الحب الذي يزين كل شيء في سوريا عمّا سواه.
ولأنه شهر التواصل والتراحم، تزداد حسرة الفلسطينيين في مصر فهم الذين اعتادوا أن يجتمعوا على طعام الإفطار في بيوتهم في المخيمات، الأب على رأس المائدة والأم والأبناء من حوله، الأطفال ينتظرون أذان المغرب، الجميع يقرأ دعاء الإفطار، يفطرون سوية، ويذهبون لصلاة التراويح، يلتقون بمعارفهم يتحدثون طوال الطريق، يزور بعضهم بعضاً، يتسامرون حتى السحور، منهم من يقضي وقته على التلفاز، ومنهم من يتفرغ للعبادات، هكذا كان حال رمضان في المخيمات الفلسطينية في سوريا، قبل أن يحصل لها ما حصل.
أما الآن فالأب يجلس وبجانبه ابنه المصاب بإعاقة بسبب القصف الذي استهدف بيتهم في المخيم، وابنه الآخر يعمل لدوامين متصلين حتى يوفر بعض المال لإيجار البيت ومصاريف المعيشة، والأم شاردة تتحسر على حال أولادها ومصيرمنزلها، وأطفال يحنون للمخيم وحاراته، شبابٌ يتذكرون أعمالهم الموسمية في رمضان، بسطة "الناعم"، عربة "التمر هندي والعصير"، وآخرون يتذكرون صلاة التراويح وقيام الليل واللإفطار مع الأصدقاء الذين باعدت بينهم الظروف، كلها ذكريات تجعل قلوب اللاجئين الفلسطينيين تعتصر حزناً الى الماضي.
فلم تفلح الأجواء الرمضانية على تنوعها في مصر، بأن تخفف من حزن النازحين الفلسطينيين الذين لا يزالون متعلقين بمخيماتهم وأجوائها بكل تفاصيلها من إزدحام
المصدر: وكالة شتات نيوز