ضاع من عمر الشاب محمود البرعي أكثر من 9 سنوات دون أن تساعده الظروف لتسلم شهادته الجامعية المحتجزة لدى الجامعة بسبب تراكم رسوم مستحقة عليه.
وتحرم مرارة لقمة العيش البرعي (31 عاما) من توفير هذه الرسوم التي تبلغ 620 دينارا أردنيا، فهو وبعد محاولات فاشلة منه لنيل مساعدة أحد لتحصيلها بداية تخرجه عام 2004 سلم أمره للواقع واكتفى بكشف درجات أو إفادة من جامعة الأزهر بأنه أكمل دراسته فيها.
ويتحدث البرعي الذي يقطن بلدة جباليا شمال قطاع غزة عن الحواجز التي تعترض حصوله على الشهادة، قائلا: "وضعي المعيشي صعب جدا منذ كنت طالب في الجامعة، ويزيد مع سوء الوضع العام".
ويضيف "حاولت أكثر من مرة أن أحصل على مساعدة الجامعة لي لتخرجي، وأفادوني أن الحل الوحيد أمامي تقسيط الرسوم بشرط وجود كفيل لي يكون موظف رسمي من الجامعة نفسها".
أعباء مضاعفة
ويؤكد أن أحداً لم يكن على استعداد لكفالته، إضافة إلى أنَّ القسط الشهري كما أبلغوه 100 دينار، وهو مبلغ كنت وما زالت حتى الآن لا أستطيع دفعه شهريا.
ويعدّ البرعي واحدا من ألاف الخريجين الجامعيين الذين لا زالت شهاداتهم محتجزة بجامعاتهم ولم يستطيعوا تسلمها بسبب عدم إيفاءهم بالرسوم المستحقة عليهم، وآخرين انقطعوا عن دراستهم لأسباب معيشية صعبة.
وزاد حمل الحياة على البرعي بتكاليف زواجه التي لا زال تسديدها يثقل كاهله، ويقول "تزوجت منذ 4 سنوات وكلها ديون، ولما رأيت الوضع تأزم دون وظيفة اضطررت لأخذ قرض من مؤسسة فاتن لأسدد ديوني للناس".
ويتابع "أنا أدفع قسطا شهريا 50 $ للمؤسسة سداد للقرض، ودخلي لا يزيد عن 800 شيكل بالشهر، وعلي ديون أخرى، وعندي ابنتين وأسكن مع أهلي، فتكاليف المعيشة أولى من الشهادة بصراحة".
ويستدرك "لكني عانيت كثيرا لأني لا أملك شهادة جامعية، وهو ما يجعلني محط رفض لأي فرصة عمل أتوجه إليها حتى لو كانت بطالة، وأتمنى أن يرزقني الله لاستلامها".
عدد ومبلغ ضخم.
ويفيد مسؤول قسم الخريجين بجامعة الأزهر أكرم أبو حمام أن أكثر من ألفي خريج لم يتسلموا شهاداتهم بسبب تراكم الرسوم المستحقة عليهم، مشيرا إلى أن عددا من هذه الشهادات متراكم منذ عام 1998 وحتى العام الماضي.
ويضيف أن إجمالي الرسوم على المحتجزة شهاداتهم تبلغ مليون و233 ألف دينار، موضحا أن عددا قليلا راجعوا الجامعة لاستلامها لكن معظمها متروكة لدى الجامعة حتى الآن.
ويشير إلى أن الجامعة بذلت جهودا لتحفيزهم على دفع الرسوم عبر منحهم خصم بنسبة تصل ما بين 15% إلى 25% من المستحقات لمن يسدد رسومه كاملة، إضافة إلى أن الجامعة افتتحت برامج لمساعدتهم بالتعاون مع بنك فلسطين.
وحول آلية برنامج التحفيز عبر البنك، يوضح أنه يتم تسديد الرسوم المستحقة عليه بالتقسيط المريح لـ3 سنوات دون أي فوائد، وأن الجامعة هي من تتحمل الفوائد للبنك.
وعن مدى تجاوب الخريجين مع هذا البرنامج يقول إن "التجاوب لم يكن بالحجم المطلوب، بالرغم من أن البنك لا يضع شروطا لهذا البرنامج إلا بوجود كفيل أو كفيلين".
وينوه إلى أنّ الجامعة يكون لديها مسح لكافة الطلبة منذ سنوات دراستهم حول أوضاعهم، وتتواصل مع عدة جهات مانحة وإيفادها بعدد الخريجين ومستحقاتهم لمساعدتهم، لكن حجم التجاوب ضعيف بالمقارنة مع ألفي خريج من أصل حوالي 24 ألف تخرجوا من جامعة الأزهر منذ نشأتها.
ويلفت إلى أن مستحقات الطلبة تختلف فيما بينهم، فمنهم من عليه مستحقات تصل لألفي دينار وبعضهم ألف وآخرين 600 دينار أو أكثر أو أقل.
ويوجه رسالة إلى العالقة شهاداتهم قائلا "نحن نقدر الظروف التي يمر بها شعبنا بسبب الحصار والبطالة وقلة العمل، لكن الطالب الخريج يستطيع أن يستفيد من شهادته باستلامها، ولذلك أدعوهم للتوجه إلى بنك فلسطين للاستفادة من برنامج تقسيط الرسوم، كأفضل وسيلة لتحصيل الشهادة".
موّال آخر
وتخجل الطالبة (أ.ك) من المستوى المتدني لوضع أسرتها المعيشي؛ بحكم أن العائلة بلا دخل ولكبر سن والدها، وهي ظروف اجتمعت عليها لترغمها على تأجيل دراستها في الجامعة الإسلامية بين الحين والآخر.
وتفيد الطالبة -التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها- أنها تدرس في الجامعة الإسلامية منذ عام 2004 وحتى الآن لم تتخرج بسبب تأجيل الدراسة لعجزها عن دفع دفعة من الرسوم تمكنها من تسجيل الفصل الدراسي.
وتشير إلى أن المساعدات التي تقدمها الجامعة كانت أفضل في بداية دراستها، لكن الآن يمنع أن تسجل للفصل الجديد ويكون لها اسم إلا بدفع دفعة أولى من الرسوم الفصلية.
وتؤكد (أ.ك) تراكم الرسوم الجامعية عليها في الوقت الذي قاربت فيه على إنهاء فصلها الأخير، وهي غير متفائلة بتسلم الشهادة لأنها ستكون "موّال جديد" وفق تعبيرها.
جهود وعقبات
ويقول مدير صندوق بالجامعة الإسلامية باسل أبو زعيتر "إن الخريجين المصنفين لدينا الذين يستحقوا المساعدة 800 طالب وطالبة، وهناك خريجين آخرين لم يراجعوا الجامعة وغير مصنفين لدينا كمحتاجين ولذلك هم غير خاضعين للدراسة، وهم حوالي 500 طالب".
ويلفت إلى أن هناك عدد لا بأس به من خريجي دبلوم التأهيل التربوي أيضا شهاداتهم عالقة، مبينا أن العدد متفاوت ويتغير بسبب تخرج عدد منهم باستمرار.
ويؤكد أن المبالغ المستحقة ليست ضخمة لأن هؤلاء الخريجين كانوا يتلقون خلال فترة دراستهم مساعدات متوالية كالمنحة التركية ومنحة الإنتربال للخريجين التي ساعدت 277 طالبا وطالبة مؤخرا، إضافة لمساعدات تدفعها الجامعة في رسوم الشهادة.
وينوه إلى أن الجامعة سعت لمساعدة هؤلاء قبل شهر وتمّ إرسال كشوفات لعدة مؤسسات بغية مساعدتهم في التخرّج وتحصيل الشهادة، مبينا أنّ أقدم الشهادات الموجودة تعود لعام 2010.
وإلى جانب شهادات الخريجين العالقة يوجد طلبة مؤجلين للدراسة بسبب ظروفهم الخاصة. يوضح أبو زعيتر أن هؤلاء ليسوا مصنفين كمحتاجين، لأن الجامعة تقدم من 800 إلى ألف منحة دائمة، حيث يدفع الطالب نسبة من الرسوم والباقي يتم دفعه كمنحة، إضافة لمنح أخرى.
ويضيف أن هناك عدة عراقيل تحول دون مساعدة الخريجين، كأن تضع الجهات المانحة شروطا للدفع للطالب حين يكون معدله فوق 75% أو مستوى جيد جدا فما فوق.
ويعتبر أن لدى الطالب نفسه المشكلة، حيث ينقص بعضهم الوعي بالمساعدة في بداية دراستهم فلا يتوجه لتعبئة استمارة البحث المكتبي الاجتماعي التي تجعله يستحق المساعدة طيلة فترة دراسته، وبالتالي تضيع عليه فرصة المساعدة وتتراكم الرسوم عليه.
وقِسْ على عدد الخريجين في الجامعتيْن أعدادا مضاعفة بجامعات أخرى بالقطاع لا يمكن حصرها، قد تكون أعباء الحياة هي ما جعلت هذه الشهادات منسية بالنسبة لأصحابها، بانتظار من يساعدهم في تحصيلها عسى أن تحمل لهم مستقبلا أفضل.
المصدر: وكالة صفا