قائمة الموقع

مخيم الجليل.. النازحون الفلسطينيون يعيشون في المقابر!!

2013-05-16T05:35:09+03:00

"يا أخي السكن بين القبور أفضل بآلاف المرات من السكن داخل القبور". هذا ما أعلنته أم أحمد من مخيم اليرموك النازحة حديثاً إلى مخيم الجليل في بعلبك بعد أن دمر منزلها ولم يعد بإمكانها أن تعيش في المخيم أو في جواره، فلجأت إلى مخيم الجليل للبحث عن مأوى. ونتيجة للضغط البشري الذي يشهده المخيم ضاقت السبل أمام اللجان الشعبية بتأمين الإيواء للنازحين حتى اضطروا لاستخدام غرف بنيت على عجل داخل مقبرة المخيم مستغلين وجود جدار (تصوينة) للمقبرة . يضيق مخيم الجليل بعائلاته الستمئة والخمسين التي انتشرت في جوار المخيم خصوصا أن أحد الأبنية الأساسية في المخيم مهدد بالسقوط وقاطنيه يتجاوزون المئة والخمسين عائلة. أدت الأزمة في مخيمات سوريا منذ حوالي السنة إلى تهجير ما يزيد على 1507 عائلات حتى العاشر من أيار الجاري، وفدت إلى مخيم الجليل ما اضطر اللجان الشعبية إلى إعلان حالة استنفار قصوى لتأمين الإيواء بالدرجة الأولى، وتقديم المساعدات الأولية إلى حين ترتيب الأوضاع .
ليس غريبا أن تتقاسم عائلتان أو ثلاث غرفة واحدة لا تزيد مساحتها على الـ 12 مترا. كما أنه ليس عجيبا أن تبقى امرأة بدون حمام لمدة تزيد على شهر والخدمة الجليلة التي قدمتها لها جارتها هي "دعوتها إلى حمام". وليس مستهجنا أن تجد حالات "جرب" وانتشار القمل لدى بعض هذه العائلات. اضطرت مسؤولة "النجدة الاجتماعية" سميرة الغول إلى دق ناقوس الخطر لدى الهيئات الدولية المتعاونة للتدخل لوقف حالات النزف الصحي والاجتماعي، لكن حجم التدخل يظل أقل من الحاجة.
في ساحة المخيم أمام مكاتب "الأونروا" عمد أحد فاعلي الخير القادرين نسبيا إلى شراء عجل لتوزيعه على العائلات النازحة بمقدار كيلوغرام لحمة للعائلة (259 حصة) ولدى البدء بالتوزيع وخلال لحظات كان العدد الذي تجمع حوله يتجاوز قدرته على التحمل ما اضطره إلى إيقاف الحملة. وناله من الشتائم ما يكفيه لأنه لم يتمكن من إعطاء الجميع. عمد بعدها إلى إرسال الحصص إلى المنازل بما تيسر.
"النزوح اليومي يتراوح ما بين الخمس والعشر عائلات بحسب نسبة التوتر الأمني" هذا ما كشفه مسؤول "اللجنة الشعبية" عمر قاسم، مضيفا ان "عدد النازحين إلى مخيم الجليل تجاوز الأسبوع الماضي الثمانية آلاف شخص من معظم مخيمات دمشق وريفها موزعين على 1507 عائلة". ويعتبر قاسم أن "مشكلة الإيواء هي أم المشاكل وذلك بسبب عدم وجود فراغات سكنية والارتفاع الحاد في الإيجارات إذا وجدت في محيط المخيم حيث بات إيجار الغرفة الواحدة مع حمامها يزيد على المئتي دولار فمن يمكنه دفع ذلك؟".
ويرى قاسم أن تقديمات الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية واللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية و"منظمة التحرير" والسلطة الفلسطينية كلها لا تكفي لعشرة أيام في الشهر، من دون اغفال التلاعب ببعض المساعدات خصوصا عند التعاقد مع بعض المؤسسات التجارية التي تزيد من إهانة النازح بفرضها نوعية البضائع عليه. لذا نجد مئات حالات الفقر المدقع.
لوحظ تسرب أعداد كبيرة من الطلاب النازحين الفلسطينيين تتجاوز نسبة سبعين في المئة من عددهم الفعلي وذلك بسبب الفترات الزمنية للنزوح والاختلاف في البرامج وعدم قدرة الأهل على تحمل أي أعباء دراسية ولجوء الأهل إلى تشغيل أولادهم رغم صغر أعمارهم إذا ما وجدوا فرصة للعمل. ففي مدارس "الأونروا" وتحديدا في المرحلة الابتدائية تم إدخال ما لا يقل عن 250 طالبا، أما طلاب المراحل المتوسطة والثانوي فلا يتجاوز عدد الملتحقين من بينهم عدد أصابع اليد الواحدة .
وبسبب الضغط السكاني وعدم وجود فرص عمل وغياب أي وسائل لترفيه الأطفال مضافا إلى الضغط النفسي والمعيشي بدأت تظهر بعض الإشكاليات داخل مخيم الجليل تعمل اللجان الشعبية على حلها خصوصا أن نغمة "فلسطيني سوري" و"فلسطيني - لبناني" ظهرت على السطح في بعض الإشكاليات، وتم علاجها بمزيد من اللقاءات والندوات .
تمكنت "اللجان الشعبية" من تأمين مأوى لـ 140 عائلة في محور سمي "المسبح" بجوار المخيم على أرض تابعة لـ"منظمة التحرير". البيوت عبارة عن "هنغار" تم تقسيمه بطريقة تتسع لأكبر عدد ممكن. كما تم إنشاء مطابخ وحمامات مشتركة. والى جانب هنغارات "المسبح" أقيمت بعض الغرف داخل المقبرة حيث يعيش عدد من العائلات.
العناية الإلهية أنقذت أم رامز من الصدمة الكهربائية حين حاولت معرفة درجة حرارة مياه البرميل الذي يعلو حمام الخشب الملحق بغرفتها والموصول بخطي كهرباء مباشرة إلى داخله، فأصيبت برجفة كادت تودي بحياتها. والحمام عبارة عن متر مربع مصنوع من عدة ألواح من الخشب وبابه عبارة عن حرام حاجب للنظر، فأي نسمة هوائية تشرّعه. اضطرت عائلة أم رامز وعائلة شقيق زوجها إلى "تصنيع" الحمام لرفضهما الاشتراك بحمام يبعد خمسين مترا عن غرفتهما وتستفيد منه 16 عائلة. ورغم كل ذلك، تشكر أم رامز الله أنها وجدت مأوى ولو أنه لا يليق بالبشر، وهي التي تعرف ماذا يعني النزوح حيث كشفت انه النزوح الثالث الذي تتعرض له "فمن عيناتا في فلسطين إلى الأردن الذي هجرت منه في العام 1970 ثم إلى مخيم اليرموك، فالهجرة الثالثة اليوم.
تقاسمت الفصائل الفلسطينية غرف مكاتبها مع العائلات النازحة بعد أن أثارت "السفير" في تحقيق سابق إمكان استيعاب عشرات العائلات في المكاتب. وأعلن أمين السر لـ"اللجنة الشعبية" كارم طه أن "أكثر من 20 عائلة تم إيواؤها في المقرات". وتعتبر العائلات القاطنة فيها محظوظة لكونها أول من يتلقى المساعدات التي توزع .
تنهال الدموع من عيني أم وسام التي تقول: "لم نأت إلى هنا لشم الهواء. بيوتنا وأرزاقنا دمرت. خسرنا كل شيء في معركة لا علاقة لنا بها. أنقذنا الله من القصف وتشردت عائلتنا. فقدنا الاتصال بابني منذ ثلاثة أشهر. واليوم موظف وكالة "الأونروا" يهيننا ونحن ننتظر تسليمنا فرشة لننام عليها ، أليس هذا عيبا؟". تتدخل إحدى النسوة لتعطيها محرمة أخرجتها من صدرها لتكفكف دموعها . ويؤرق أم وسام الوضع الصحي لولديها كما تعاني مشكلة من نوع آخر فهي فلسطينية وزوجها سوري فلا "الاونروا" معنية بها ولا الأمم المتحدة عملت على تسجيلها وهي اليوم تدور بين المكاتب لعلّها تحظى بمساعدة ما. هذا وقد سجل بين النازحين حالة سل تم التعامل معها بجدية وقد تم إدخالها "مستشفى العزونية" للعلاج خوفا من انتشاره.


المصدر: السفير

اخبار ذات صلة