في يوم اشتدت فيه العواصف، كان بانتظار عائلة الملسي النازحة من مخيم اليرموك في سوريا الى مخيم عين الحلوة، عاصفة من نوع آخر. فقد أقدم الأب والزوج محمد معروف الملسي على الانتحار شنقاً، رفضاً لظروف الحياة القاسية في مخيمات اللجوء في لبنان، على ما تؤكد زوجته وبناته اللواتي تركهن ثكالى، يعانين اليتم، وسط معاناة مستمرة لما تنتهي من التشرد والضياع.
انتحار الملسي ليس مبرراً في نظر الكثيرين، ولكنه صرخة إنسانية مدوية... كان الهدف منها لفت الانتباه الى النازحين في مخيمات لبنان، والى الظروف اللاإنسانية التي يحياها الشعب الفلسطيني في المخيمات، منذ النكبة، فكيف بمن لجأ إليها مشرداً، بعدما فقد كل ما يملك؟
تصرّ زوجته، ريما بكار، أن زوجها شنق نفسه لأجل قضية، وليس هرباً من الحياة، كما أخبرت مراسلنا: "توفي زوجي في ظروف نفسية قاهرة، وضحى بنفسه لأجل بناته، وليبرز للناس هذه المعاناة". وأضافت: "زارنا منذ لحظة الوفاة حتى اليوم، حشد كبير من وسائل إعلام وصحافة وجمعيات، إضافة إلى الفصائل والقوى واللجان. وقدموا لنا مساعدات مالية عاجلة، هي جزء بسيط من المتبرعين. والباقون لم يصلني منهم سوى الوعود. الوضع هنا في المخيم صعب، والمعيشة غالية، والمنزل الذي أسكن فيه أدفع إيجاره شهرياً 250 ألف ليرة لبنانية، ولم يقم أحد بمساعدتي بدفع الإيجار الذي هو سكين موضوع فوق عنقي، وليس لنا معيل سوى الله، لذا رجائي هو أن يعيش أبنائي حياة كريمة كباقي الأطفال، وأن تؤمن حاجات أبنائي وفلذات أكبادي، ومتطلباتهم المعيشية."
رحل الملسي وخلّف وراءه أربع بنات: تغريد (13 سنة) ونغم (9 سنوات) ورغد (4 سنوات)، ولمار (4 أشهر)، هن نتاج زواج عمره 14 سنة. وتشرح الفتيات عمق معاناتهن بعد فقدان الوالد. تقول تغريد: "لم أتعلم ولم أدرس منذ سنة، وأريد أن أتعلم وأنا بحاجة ماسة للدراسة، ووضعنا النفسي صعب". أما نغم فقالت: "أنا أتعلم في مدرسة الأونروا منذ شهور، كما وأن وضعي النفسي صعب وأشقائي أيضا". وعندما سؤالها: "ماذا تريدين من أهلك في هذا المخيم"، قالت: "أبي شنق نفسه من أجل أن نعيش ونبني أنفسنا، وأن نعيش بكرامة". وأضافت: "خسارة والدي لا تعوض بعد فقدانه".
ولدى استفسارنا عن ظروف عائلة الملسي، أخبرنا أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم عين الحلوة، أبو هاني موعد، بقوله: "نحن كلجان شعبية قمنا بمساعدة النازحين ضمن إمكانياتنا المتوفرة. وأنا لا أدعي أننا غطينا كل حاجات النازحين. لذلك ندعو الجميع الى تحمل مسؤولياتهم ومساعدة النازحين بكل ما يلزم، لأن المأساة كبيرة والنزوح ما زال مستمراً الى المخيم، ونقوم بتسجيل عائلات نازحة في مراكزنا بشكل يومي، هذا يلزم الدول أن تقوم بدورها الإغاثي للتخفيف من الظروف المعيشية الصعبة والمريرة. نحن نضع كل إمكانياتنا لأهلنا النازحين، وهذا واجبنا ولن نقصر به إن شاء الله. وعائلة الملسي قدمنا لها مساعدة مادية بسبب الظروف الصعبة التي يعيشونها بعد فقدانها المعيل ورب الأسرة". أضاف: "الجميع يسعى لمساعدة النازحين، وأهالي المخيم يساهمون بكل إمكانياتهم، ولكن المصاب كبير، والكل يعلم أن أهلنا في مخيمات لبنان يعيشون أسوأ الظروف، بسبب الظلم اللاحق بهم منذ سنين".
المصدر: نشرة الجهاد