قائمة الموقع

الأزمة اللبنانية... وسياسة "النأي بالنفس" الفلسطينية!..

2012-05-25T10:54:25+03:00

يجمع الكثير من السياسيين والمحللين، على أن ما بعد 20 أيار، ليس كما قبله. مع التفجيرات الأمنية التي تنقلت بين باب التبانة – بعل محسن، مروراً بعكار والشمال اللبناني، وصولاً الى منطقة الطريق الجديدة في العاصمة بيروت، والتي كشفت بشكل واضح وجلي عمق الأزمة الداخلية اللبنانية، المرشحة للتحول الى "فتنة طائفية ومذهبية"، مفتوحة على شبح الحرب الأهلية التي التقى في التحذير منها العاهل السعودي، الملك عبدالله، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
ورغم وضوح معالم الأزمة اللبنانية الراهنة التي تفجرت في الشمال اللبناني وارتباطها بشكل أو بآخر بما يجري في سوريا، والصراع الداخلي المكشوف حول العلاقة مع قوى المعارضة السورية، فإن بعض السياسيين والمحللين رمى بحجره في البركة الفلسطينية الهادئة، وكأن المطلوب هو "أن تمتد الأمور الى مناطق أخرى، لا بل أيضاً اللعب على العنصر الفلسطيني"، على حد قول دولة الرئيس نبيه بري.
فإلى متى يحاول البعض في لبنان تعليق الأزمات الداخلية المتفاقمة، والتي فجرت أكثر من فتنة وحرب اهلية على امتداد تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، على "شماعة" الغير، ومن بينهم الفلسطينيين؟..
أحداث الشمال تسقط مقولة "السلاح"!..
فقد كشفت أحداث الشمال التي بدأت في طرابلس على محورها التقليدي القابل للاشتعال في كل لحظة، بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن، وامتدت الى عكار مع مقتل الشيخ أحمد عبدالواحد ومرافقه، بحادث مؤسف على حاجز للجيش اللبناني، ومنها الى الطريق الجديدة في العاصمة بيروت، والعديد من المناطق اللبنانية، وما تبعها من حملات تحريضية معادية للمؤسسة العسكرية، كشفت جملة حقائق أبرزها التالي:
أولاً: عمق الأزمة الداخلية اللبنانية، وإمكانية تفجرها مع أول هبة ريح إقليمية أو دولية، قد تدخل لبنان الى أتون الحرب الأهلية مجدداً، كما جاء في رسالة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، وتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أضاف، "ثمة تهديد حقيقي بأن يمتد الصراع الى لبنان آخذين في الاعتبار تاريخ الشعب في تلك الدولة واتنياته ودياناته والتي تشكل الحكومة اللبنانية، وقد ينتهي الأمر بشكل سيئ جدا". (23/5)
فهذا التصريح الذي دعمه مضمون رسالة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الذي حذر من انزلاق لبنان الى الفتنة والحرب الأهلية، يضع الأصبع على الجرح، كما يضع النقاط على حروف الأزمة اللبنانية، التي تعتبر الحرب الأهلية مولوداً شرعياً وطبيعياً لها، بشهادة تكرار تلك المأساة مرة في العام 1958، وأخرى في العام 1975، وكانت قاعدتها صراعاً داخلياً بحتاً حول سياستين، لم يكن فيها العامل الخارجي سوى الشماعة التي علق عليها بعض القادة انغماسهم في الحروب، وسعيهم لإطباق سيطرتهم على الحكم ومكاسبه بقوة الحديد والنار.
فأين الفلسطيني في أحداث التبانة – جبل محسن؟.. وأين الفلسطيني في أحداث طرابلس والشمال؟... وأين الفلسطيني في أحداث بيروت؟
إن مشاركة فلسطيني هنا أو هناك وبشكل فردي، لا يشكل إدانة للشعب الفلسطيني، وبالتالي يجب أن لا يشكل ذلك سبباً ومبرراً لإعلان الحرب على الفلسطينيين والمخيمات!..     
ثانياً: انكشاف "غابة السلاح" المشكلة الأنواع والأحجام، وحضورها القوي في منطقة الشمال، مع قوى كانت حتى أيام قليلة سابقة – وما يزال بعضها يردد – تنفي وجود السلاح مع محازبيها ومناصريها، وهذا الأمر أسقط مفاعيل التحريض على وحدانية امتلاك السلاح وتسخيره في الأزمات الداخلية.
ويقول المحلل السياسي جوني منير في صحيفة الديار: "لقد ظهر السلاح... والمسلحون في الشمال بشكل لم يعد جائزاً معه الحديث عن سلاح المقاومة أو سلاح الفلسطينيين!.." (الديار 22/5).
ثالثاً: نجاح سياسة النأي بالنفس التي تتبعها القوى الفلسطينية من الأحداث والتوترات الأمنية الجارية منذ فترة طويلة في لبنان، وإعلان كافة القوى الفلسطينية إصرارها على الوقوف بحزم أمام أية محاولة لاستدراج الساحة الفلسطينية الى بحر الأزمة اللبنانية الهائج، والحيلولة دون تكرار تجربة نهر بارد جديدة، وبالتالي الحرص على عدم تحويل المخيمات الى بؤر أمنية لا يستفيد منها سوى أعداء القضية الفلسطينية الذين يضمرون الشر للشعب والقضية.
التلميح بوجود "القاعدة"!
ورغم وضوح الموقف الفلسطيني من الأزمة اللبنانية الداخلية، وعدم مشاركة أي فصيل أو حركة فلسطينية الى جانب هذا التيار أو ذاك، وعدم انزلاق أي منها في الصراع الداخلي المفتوح، فإن الفلسطينيين لم يسلموا من بعض الأقلام أو التصريحات أو صفحات الصحف ووسائل الاعلام...
فقد كتبت صحيفة النهار في عددها الصادر يوم 24/5، أن أحداث الشمال وبيروت تسلط الأضواء على العنصر الفلسطيني... وترصد ما تسميه خروقات في هذا الملف خاصة في مثلث عين الحلوة، برج البراجنة والبداوي، وأبرز عناوينها: أولاً: زيارة الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة السيد أحمد جبريل الى بيروت؛ ثانياً: دخول عناصر ومقاتلين الى المخيمات؛ ثالثاً: عمليات ضبط وتوقيفات في المخيمات ومحيطها والتلميح مباشرة الى تنظيم القاعدة!"..
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن في هذه العجالة: هل تضيق بيروت التي تستقبل يومياً عشرات الموفدين الأميركيين والغربيين الذين يزرعون المناطق اللبنانية من حدودها الجنوبية الى شمالها، ويتدخلون بكل صغيرة وكبيرة في الوضع اللبناني, ويطلقون المواقف التي تتناقض مع أغلبية الشعب اللبناني، ويصدرون التعليمات والاملاءات لقوى وشخصيات على اختلاف مستوياتهم... هل تضيق بيروت بزيارة أمين عام تنظيم فلسطيني؟..
أما ما تناقلته وسائل الإعلام عن خروج حفنة لا تتعدى أصابع الكفين من عناصر "قاعدية"، من مخيم عين الحلوة، فمن شأنه التأكيد على أن المخيمات ترفض أن تكون بؤرا أمنية، وتحرص على إقامة واستمرار أحسن العلاقات مع الجوار في كافة المناطق اللبنانية، وعدم تحول المخيمات الى مراكز استقبال أو انطلاق لأي عمل يضر بمصلحة الشعب اللبناني، ويؤثر سلباً على سلمه الأهلي... وبالتالي فإن الفلسطينيين كافة مصرون على عدم السماح لتكرار تجربة نهر البارد...
كما أن ما قيل عن مصادرة صاروخ هنا أو بندقية هناك لا يشكل إدانة للمخيمات، ولا يجوز أن يتخذ ذلك ذريعة ومبرراً لتسعير حملات العداء والتحريض والحصار، أو تجريد الحملات الإعلامية الموتورة، التي من شأنها خلق مناخات سلبية لا مصلحة فيها لكلا الطرفين الشقيقين الفلسطيني واللبناني.  علماً أن كافة المعنيين في لبنان، من سياسيين وإعلاميين وأناس عاديين، يدركون الحجم الكبير لتجارة السلاح المنتشرة في مختلف الأراضي اللبنانية... ناهيك عن أن وصول البواخر المعبأة بأحدث أنواع الأسلحة الى المرافىء اللبنانية، برعاية أساطيل البحرية الدولية وتسهيل بحرية العدو الصهيوني، يجعل من كل السلاح الفلسطيني، الذي يشغل بال بعض وسائل الإعلام، والقوى، نقطة في بحر الأسلحة المتدفقة والمسخرة لتسعير نار الحرب والفتنة!..
"إدارة فلسطينية" لحماية المخيمات
إن سياسة النأي بالنفس المعتمدة من قبل القوى والفصائل والحركات الفلسطينية، بشأن الأزمة اللبنانية ومتفرعاتها، والعمل على صيانة أمن واستقرار المخيمات، وتعزيز الهدوء وامتن العلاقات مع كل الجوار وفي كافة المخيمات الفلسطينية، يحتاج أولاً وقبل أي شيء آخر الى مرجعية فلسطينية موحدة تتشكل من كافة القوى الفلسطينية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى الفلسطينية، تأخذ على عاتقها مهمات أمن وسلامة واستقرار المخيمات، وأرقى أشكال العلاقات مع الجوار في كافة المناطق اللبنانية. ومخاطبة السلطة اللبنانية، وإدارة الحوار معها بشأن كافة الأمور التي تمس العلاقات اللبنانية – الفلسطينية، وتلك القضايا والمطالب القديمة – الجديدة - التي يزخر بها الملف الفلسطيني...
إن الأزمة اللبنانية، المفتوحة على كل الاحتمالات، تحتم على القوى الفلسطينية الفاعلة والمخلصة البدء فوراً بترتيب البيت الفلسطيني لحمايته من شرارات الفتنة، التي تضمر الشر للفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء.

اخبار ذات صلة