من مخيم اليرموك إلى مخيم عين الحلوة. الفلسطينيّون يواصلون رحلة الشتات. أراد أهل المخيّم أن ينأوا بأنفسهم عن الأزمة السوريّة، لكنّ الصواريخ التي أصابت منازلهم جعلتهم يتركون جنّتهم ويتذوقون طعم المرّ
الحالة تعبانة يا ليلى. هذا هو لسان حال الفلسطينيين ـــ السوريين النازحين من المخيمات الفلسطينية في سوريا نحو المخيمات اللبنانيّة ومخيّم عين الحلوة تحديداً. وضع مخيماتهم في سوريا صار «تعبان» من القصف والجوع، ووضعهم في مخيم عين الحلوة «تعبان» أيضاً من الغلاء والفقر والاختناق بأعدادهم الكبيرة في غرف صغيرة.
معظم النازحين الفلسطينيّين هاربون من مخيم اليرموك. هنا عائلة خرجت بعد تفجير سيارة في شارعها، وعائلة أخرى غادرت بعدما أصيب مبناها بالقذائف، لكنّ مخيم عين الحلوة يضمّ وافدين من مخيّمات أخرى أيضاً، هؤلاء لم يهربوا من أصوات القصف، بل من الجوع. فانقطاع المواد الغذائيّة عنهم، جعلهم يهربون من أجل أن يأكل أولادهم، كما يقولون. 550 عائلة، بحسب إحصاءات الهيئة الصحيّة الإسلاميّة التي نظّمت، أمس، يوماً صحياً في «عين الحلوة»، نزحت إلى المخيم. عدد كبير من العائلات التي تجمّعت لتحظى بمعاينات مجانيّة، كانت تعاني تأثير عاصفة الأسبوع الماضي. فسعال الأطفال وعيونهم الحمراء الذابلة من الرشح، ملأت المكان، إذ ليس هناك من وسائل للتدفئة في المنازل، كما أنّ النازحين يقولون إنّ حركة حماس وزّعت فرشتين وبطانيتين فقط لكل عائلة، مهما بلغ عدد أفرادها. تحت هاتين البطانيتين اجتمعت العائلات في العاصفة، لكن عدداً كبيراً منهم لم يفلت من الرشح بما أنّهم يقولون إنّ الشتاء هنا مختلف عن شتاء سوريا.
في الغرفة التي انتظروا فيها وصول دورهم كان صوت صفير قوي يصدر مع كل نفَس تأخذه ابنة الحاجة صفية (اسم مستعار). الصبية من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتعاني الربو. لا تملك الحاجة ما تطبّب به ابنتها، فهي لم تحمل معها سوى ملابسها التي كست جسدها عندما تركت منزلها. في الليلة التي اقترب فيها القصف كثيراً من بيت الحاجة، حملت ابنتها وبقيت تمشي مسافات طويلة ليلاً، تحت ضوء القذائف، حتى عثرت على سيارة تقلّها إلى موقف للباصات ومنه إلى لبنان. الحاج سمير حضر أيضاً إلى «اليوم الصحي». خرج مع أولاده الأربعة وزوجته وحماته وعكازيه. فقد الحاج يده عندما كان يعمل لمصلحة المقاومة الفلسطينية عام 1970 في الأردن. النكبة أجبرت والديه على ترك فلسطين، فكانا أول الوافدين إلى مخيم اليرموك. يحكي أنّه شهد ولادة المخيم، منذ أن بدأت وكالة الأونروا بتوزيع الأراضي. يقول الحاج والنازحون من مخيم اليرموك في «عين الحلوة» إنّ المخيم هناك كان جنّتهم. كان مدينة بحالها، لا تشبه «عين الحلوة» بشيء. ويلفت إلى أنّ «اليرموك» كان يحتوي على سوق يقصده أهل الشام جميعاً. في الشام كانت حياتهم أقلّ كلفة بكثير من لبنان، إذ قُصمت ظهورهم من غلاء المعيشة منذ أن وطئوا أرض لبنان. فهم لا يقوون على دفع الإيجارات في المخيم التي تراوح قيمتها بين 100 ألف ليرة و350 دولاراً، كما أنهم الآن يعانون مشكلة أخرى، هي عدم توافر شقق للإيجار أصلاً. الأكثر حظاً هم من وصلوا إلى المخيّم في رمضان الماضي، عندها فتح بعض سكّان «عين الحلوة» عدداً من الغرف ليسكن فيها النازحون مجاناً، حتى تنتهي أزمتهم. يقول الحاج سمير إنّهم كانوا يجهدون لينأوا بأنفسهم عن الأزمة السوريّة، لكنّ «دخول المسلّحين إلى المخيمات، وبعض القادة الفلسطينيين أدخلونا في هذا الأتون». إحدى السيّدات التي ترفض ذكر اسمها تقول إنّهم أخرجوها من منزلها في مخيّم اليرموك عنوة. 30 مسلّحاً أفغانياً، اقتحموا المكان وطردوها مع أولادها واحتلّوه بالقوة. كانت تصرخ في وجوههم أن «أعيدوا إليّ منزلي»، لكن الردّ الوحيد الذي تلقّته كان من أحدهم الذي بقي يردّد على مسامعها العبارة نفسها بالفصحى: «ماذا تريدين أنتِ؟»، فهذه كلّ العربية التي يعرفها. يخبر النازحون الآخرون عن اللّيبيين والأفغان والشيشان، وهم أصحاب اللّهجة الثقيلة، والمقاتلين العرب الآخرين الذين يسرحون ويمرحون في مخيّمهم. أحمد ترك حلب إلى مخيم «عين الحلوة». يؤكّد وجود الأجانب في بلدهم «من أجل تدميرها لا من أجل حرّيتها». ويضيف: «هناك ما يعرف الآن بحاجز أبو اصطيف الليبي، وحاجز الأفغاني، وحواجز كثيرة غيرها سمّيت بأسماء الأجانب».
رغم الوضع السيّئ للنازحين، وسوء التنظيم لدى الجهات التي تقدّم المساعدات، يقول هؤلاء إنّ أهل «عين الحلوة» استقبلوهم كأهلهم منذ البداية، وخفّفوا عنهم الوجع بطرق كثيرة.
المصدر: الأخبار