قائمة الموقع

من مناضلين إلى «حالات اجتماعية»: أسرى فلسطين في مرمى السلطة

2025-12-24T11:04:00+02:00
وكالة القدس للأنباء - متابعة

لم تكن قرارات قطع رواتب بعض الأسرى وعائلات الشهداء، التي دخلت حيّز التنفيذ أخيراً، مُستغرَبة؛ فهي خلاصة مسار من التفرّد داخل "السلطة الفلسطينية"، وعدم مبادرة أي طرف إلى اتخاذ إجراءات لمواجهة «القرار بقانون رقم (4) لسنة 2025»، الذي أصدره رئيس السلطة، محمود عباس، في 10 شباط الماضي، وينص على «إلغاء الموادّ الواردة في القوانين والنُّظم المتعلّقة بنظام دفع المخصّصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية». كما يقضي بنقل برنامج المساعدات النقدية، وقاعدة بياناته، ومخصّصاته المالية المحلية والدولية، من «وزارة التنمية الاجتماعية» إلى "المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي".

وخلال الأشهر الماضية، عملت هذه الأخيرة، التي يديرها عضو «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية»، الوزير السابق أحمد مجدلاني - وهو أيضاً الأمين العام لـ«جبهة النضال الشعبي الفلسطيني» -، على تعبئة استمارات لعائلات الأسرى والشهداء، بهدف التحقّق من «حاجتها» إلى المساعدة الاجتماعية. ويعني ذلك أنه بدلاً من تكريم الأسرى وعائلاتهم، بات يتوجّب على أحد أفراد عائلة كلّ منهم ملء استمارة، تتضمّن أسئلة اعتادت المنظمات غير الحكومية طرحها، من قبيل: كم مرة تتناولون اللحوم أو الدجاج أسبوعياً؟ هل تناولتم فواكهَ أو خُضراً هذا الأسبوع؟ وكم مرة؟ هل تملكون ثلّاجة أو غسّالة؟... إلخ.

ويستهدف هذا الإجراء، الذي رفضته مؤسسات الأسرى منذ أيار الماضي، تحويل قضية الأسرى من قضية وطنية سياسية نضالية إلى مسألة «مساعدة اجتماعية»، تخضع لمعايير الفقر والاستحقاق، بما يستبطن تحقيراً للفعل الذي أدّى إلى أسر فلسطيني - رغم أنه فعل نضالي يصبّ في مصلحة فلسطين وشعبها -، ومحاولة جديدة لتنفير الفلسطينيين من مقاومة الاحتلال.

ويأتي ذلك على الرغم من أن السلطة تدرك، أكثر من غيرها، أن جيش الاحتلال الذي يعتقل يومياً مواطنين من الضفة الغربية، لا ينتظر سبباً للاعتقال؛ إذ يبلغ عدد الأسرى الإداريين حالياً أكثر من 3350 أسيراً لم توجّه إليهم أي تهم، من أصل نحو 10 آلاف أسير يقبعون في السجون حالياً.

على أن القرار المذكور أعلاه، إلى جانب بيانات السلطة «التهديدية» التي تدعو إلى تعبئة استمارة «تمكين»، كل ذلك يأتي استجابة لضغوط دولية، أوروبية وأميركية، وربما عربية، تفرض رؤيتها على السلطة، مستفيدةً من حالة الفساد المستشرية في بنية الأخيرة. ويبدو أن الرقابة الدولية غضّت الطرف عن هذا الفساد، حتى تحين اللحظة المناسبة لاستخدامه. وبالفعل، أتت هذه اللحظة، حتى باتت السلطة اليوم مُهدَّدة من جانبَين: الأول، "إسرائيل" باحتلالها وسيطرتها وتحكّمها بالاقتصاد الفلسطيني، وفقاً لاتفاق باريس الاقتصادي الموقَّع عام 1994، والذي «أجاز» قرصنة أموال المقاصّة؛ إذ تحتجز سلطات الاحتلال شهرياً نحو 15 مليون دولار من إيرادات السلطة منذ عام 2019، وهي قيمة ما تدفعه السلطة من مخصّصات لعائلات الأسرى والشهداء.

أمّا الجانب الثاني، فيتمثّل في الغرب الذي قطع المساعدات المالية وغيرها عن السلطة، مع إبقاء الأخيرة في حالة «تنفّس اصطناعي» كي لا تنهار. وأسباب ذلك متعدّدة، وعلى رأسها أن إسرائيل والمجتمع الدولي لا يريدان قيام دولة فلسطينية، رغم المؤتمرات الدولية للاعتراف بدولة فلسطين وبيانات الإدانة الشكلية للاحتلال والتوسّع الاستيطاني في أنحاء الضفة الغربية.

وبينما ذهبت بعض التصريحات إلى أن عمل «تمكين» يقتصر على الأسرى الحاليين، فإن «قرار شباط» ينصّ على إلغاء «كل ما يتعارض من أحكام أو بنود مع أحكام هذا القرار بقانون»، كما يلغي «جميع أحكام القوانين والمراسيم واللوائح والبرامج ذات العلاقة بتقديم الدعم المالي من قبل المؤسسات الرسمية، بما في ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر وزارة المالية، وهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، ومؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى، والصندوق القومي الفلسطيني، والتجمّع الوطني الفلسطيني لأسر الشهداء».

ويُشار، هنا، إلى أن مخصّصات الشهداء والجرحى والأسرى في لبنان لم تتأثّر حتى الآن؛ إذ لم تُبلّغ الجهات المعنية التابعة لـ«الصندوق القومي لمنظمة التحرير» بأي ارتباط مع «تمكين»، فيما أفادت عائلات فلسطينية في لبنان، «الأخبار»، بأن استمارات «تمكين» لم تُرسل إليها، ما يشير إلى أن الإجراءات الحالية تنطبق على الداخل الفلسطيني فقط، حتى اللحظة.

وفي الـ18 من الشهر الجاري، أصدرت «تمكين» بياناً قالت، إنه ردّ على «التصريحات التحريضية والمضلّلة» التي أطلقها وزير خارجية الاحتلال، جدعون ساعر، الشهر الماضي، وقال فيها، إن السلطة الفلسطينية دفعت عام 2024 «نحو 144 مليون دولار» للأسرى، وإن هذا المبلغ ارتفع إلى «214 مليون دولار في العام الجاري». وأكّدت «تمكين»، في بيانها، «التزامها بتطبيق القرار بقانون رقم (4) لسنة 2025»، مشيرة إلى أن «نتائج البحث الاجتماعي الشامل بيّنت أن عدداً كبيراً من العائلات التي كانت تستفيد سابقاً من المخصّصات لا تنطبق عليها معايير الاستحقاق المنصوص عليها في القرار»، وبالتالي «لن تتلقّى هذه العائلات أي مخصّصات اجتماعية». كما أعلنت إلغاء نظام الدفعات المرتبط بعدد سنوات السجن «بشكل كامل ونهائي»، وأكّدت تعاقدها مع شركات تدقيق دولية «لتوثيق التزامها الصارم بتطبيق القرار".

وقوبل بيان «تمكين» برفض واسع من القوى والفصائل الفلسطينية، التي اعتبرت في بيان مشترك صدر أول من أمس - رفضته «جبهة النضال الشعبي» بدعوى أنه يمسّ بأمينها العام! -، قرار قطع رواتب الشهداء والأسرى «سياسة خطيرة تعمّق الانقسام»، عادّةً إياه «استجابة فاضحة للإملاءات الخارجية وخطوة مشبوهة»، تستدعي «تحركاً وطنياً وشعبياً عاجلاً، لحماية هذه العائلات المناضلة من تغوّل بعض المسؤولين في السلطة على حقوقهم المشروعة".

وسبق هذا البيان، بيان لحركة «فتح» - أقاليم الضفة، صدر الأحد الماضي، أعلنت فيه الحركة إلغاء كلّ فعّاليات ذكرى انطلاقتها هذا العام، معتبرة أنْ «لا انطلاقة (من) دون كرامة من قاتلوا وضحّوا». ودعت إلى اجتماع طارئ للجنة المركزية والمجلس الثوري وأمناء سر الأقاليم لـ«فتح»، من أجل «وضع آليات موحّدة لمعالجة استحقاقات الشهداء والأسرى والجرحى بما يليق بتضحياتهم وحقوقهم المادية والمعنوية".

بدورها، رفضت «هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين» بيان «تمكين»، ودعا رئيسها رائد أبو الحمص، الأحد الماضي، إلى اعتماد موقف عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، توفيق الطيراوي، موقفاً رسمياً للحركة، مؤكّداً رفض صرف المخصّصات عبر «تمكين»، لما تحمله سياسات الأخيرة «من إنكار لنضالات أبناء شعبنا»، وما تستبطنه من «تحوّل فئات المناضلين إلى فئات اجتماعية خاصة، وفقاً لاستمارة مسح اجتماعي تتنافى مع كل قيمنا وأخلاقنا الوطنية والإنسانية".

على أن البيانات والردود، على أهميتها، لن تكون كفيلة بمعالجة هذا الملف؛ إذ كان الأجدى مواجهتها منذ صدور القرار في شباط الماضي، ومنذ إقالة رئيس «هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين» السابق، قدورة فارس، من منصبه لاعتراضه على القرار. فالسلطة الفلسطينية، التي اعتادت خلال السنوات الماضية أن ترى القوى المنافسة لها تقول أكثر مما تفعل، لن تتردّد - بعد حرب الإبادة على غزة، وسكوتها الطويل عليها -، إن لم تُجبر على التراجع عن إجراءاتها، في التوقيع على كلّ تنازل تريده "إسرائيل" أو يريده العالم من أجل "إسرائيل".

المصدر: الأخبار

اخبار ذات صلة