قائمة الموقع

الضغط الأميركي يثمر صفقة الغاز: مصر ترهن أمنها الطاقوي لإسرائيل

2025-12-20T08:27:00+02:00
القاهرة - وكالات

أخيراً، أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، صفقة الغاز مع مصر، التي كانت القاهرة تسعى بكلّ جهدها إلى تمريرها حتى في ذروة العدوان على قطاع غزة. ويأتي هذا التطوّر بعدما رفض نتنياهو التصديق على الاتفاقية في أيلول 2025، وهدّد بتجميدها أو إلغائها، وذلك بسبب تحرّكات الجيش المصري في شمال سيناء. وكانت أُقرّت، في آب الماضي، تعديلات جوهرية على اتفاق تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر، نصّت على توسيع نطاقه من حيث الكميات والمدّة الزمنية. وتبلغ القيمة الإجمالية للصفقة نحو 112 مليار شيكل، أي ما يعادل قرابة 34.7 مليار دولار، يذهب جزء كبير منها إلى خزينة الحكومة الإسرائيلية، فيما تتوزّع بقية العوائد على الشركات المشغِّلة لحقول الغاز، وفي مقدّمها شركة «شيفرون» الأميركية، إلى جانب شركاء إسرائيليين. وتنصّ التعديلات المشار إليها على إضافة نحو 4.6 تريليون قدم مكعّب من الغاز الطبيعي، أي ما يعادل نحو 130 مليار متر مكعب، تُضَخّ على مرحلتين، تشمل أولاهما تصدير نحو 706 مليارات قدم مكعب، أي قرابة 20 مليار متر مكعب، فور دخول التعديلات حيّز التنفيذ، في حين تقتضي الثانية تصدير ما يصل إلى 3.9 تريليونات قدم مكعب (نحو 110 مليارات متر مكعب)، لكنها مشروطة بتنفيذ استثمارات إضافية وعمليات توسيع في البنية التحتية الخاصة بنقل الغاز؛ علماً أنّ صلاحية الاتفاق المعدّل تمتدّ حتى عام 2040، أو إلى حين استنفاد الكميات الإضافية المتَّفق عليها، بحسب أيهما يحدث أولاً.

ير أنّ الإشكاليات المحيطة بتلك الصفقة لن تنتهي بمجرّد موافقة الحكومة الإسرائيلية عليها بعد تردّد ومماطلة؛ إذ تظلّ موافقة مصر، من الأصل، على الدخول في هكذا اتفاق مع إسرائيل، في واحد من أكثر الملفات حساسية وتأثيراً على الأمن القومي المصري، محطّ تساؤل وانتقاد، خصوصاً في ظلّ وجود بدائل بتكلفة مقاربة، وربما أعلى قليلاً، لكنها أضمن وأكثر استقراراً. ففي أثناء حرب الإبادة على غزة، تعاملت إسرائيل مع ملف الغاز باعتباره ورقة ابتزاز واضحة، وأوقفت الإمدادات أكثر من مرة بذريعة الصيانة، وذلك بالتزامن مع تصعيد سياسي وإعلامي ضدّ مصر، وطرح علني لمخطّطات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

على أنّ اللافت أنّ تمرير الاتفاق لم يكن نتيجة اقتناع إسرائيلي متأخّر، بل جاء بعد تدخّل أميركي مباشر. إذ مارست واشنطن ضغوطاً واضحة على حكومة نتنياهو، ليس دفاعاً عن مصالح القاهرة، بل لحماية مصالح شركات الطاقة الأميركية الشريكة في الحقول الإسرائيلية، ولمنع اهتزاز ترتيبات الطاقة في شرق المتوسط. وفي هذا السياق، يدافع مسؤول مصري، في حديثه إلى «الأخبار»، بأنّ مصر «لا تريد عزوف الشركات الأميركية عن العمل في حقول الغاز، ولا تملك هامشاً لتحمّل غضب أميركي». وإذ يشير إلى الخلافات التي تسعى القاهرة إلى تسويتها مع كلّ من تركيا وليبيا واليونان وقبرص بشأن ترسيم الحدود البحرية، فهو ينبّه إلى تزامن كلّ ذلك مع التحرّكات الأميركية لإدارة مرحلة ما بعد الحرب وتثبيت التهدئة الإقليمية، والتي تشمل مساعي لعقد لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي؛ وهي ملفات «تستلزم التعامل مع واشنطن».

ورغم نفي مصر، عبر «هيئة الاستعلامات»، أن تكون للاتفاق أي أبعاد سياسية، ووصفها إياه بأنه «صفقة تجارية تخضع لقواعد السوق وآليات الاستثمار الدولي»، وإيضاحها أنّ أطرافه شركات دولية تعمل في قطاع الطاقة من دون تدخّل حكومي مباشر، وأنّ الهدف منه «تعزيز» موقع مصر كـ«مركز إقليمي لتداول الغاز في شرق المتوسط»، إلا أنّ هذا النفي يصطدم بواقع يصعب تجاهله. إذ لا وجود، عملياً، لصفقة طاقة «غير سياسية» مع إسرائيل؛ وحين تكون الدولة المورِّدة طرفاً في حرب إبادة، وعندما تُستخدم الإمدادات أداة ضغط، وفي ظلّ تمرير الاتفاق بعد تدخّل أميركي مباشر لدى مسؤولي الطرفين، يصبح الحديث عن صفقة تجارية خالصة أمراً غير منطقي.

ومع ذلك، يقول المسؤول إنّ الصفقة التي وافق عليها الجانبان، «تحت الضغط، تُعدّ جزءاً من اتفاقات تجارية أوسع تسعى واشنطن إلى إتمامها بين القاهرة وتل أبيب، في محاولة لتخفيف حدّة التوتر، بالتوازي مع سعيها إلى إبرام مزيد من الاتفاقات السياسية بين إسرائيل ودول عربية، بهدف إعادة إدماج تل أبيب في المنطقة، وتخفيف عزلتها على خلفية العدوان على غزة». ويضيف أنّ قرار موافقة مصر على الاتفاق، وإن كان يحقّق عائداً على المدى القريب، فإنّ القاهرة «تمتلك بدائل في حال عدم التزام تل أبيب بضخّ الكميات المتّفق عليها، فضلاً عن تحرّكات قائمة للعودة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز في أثناء الأعوام الثلاثة المقبلة، مدفوعة باستثمارات كبيرة أُعيد ضخّها في حقول الغاز المصرية»، على حدّ قوله.

أما في إسرائيل، فقوبِلت الصفقة التي أشاد نتنياهو بها، واعتبرها إنجازاً اقتصادياً واستراتيجياً لإسرائيل، مطمئناً إلى أنها «تُلزم الشركات ببيع الغاز بسعر مناسب لمواطني إسرائيل»، بترحيب رسمي حار، ولا سيّما من قبل وزير الطاقة، إيلي كوهين، الذي أكّد، بدوره، أنّ الصفقة ستحقّق «إيرادات ضخمة للخزينة الإسرائيلية»، تُقدّر بحوالي 58 مليار شيكل (نحو 18 مليار دولار) من عوائد الضرائب والرسوم على مدى عمر الاتفاق.

ورغم هذه التطمينات، أثارت الصفقة بعض التحفظات والجدل، ولا سيّما في الأوساط الاقتصادية والبيئية. إذ قال موقع «واينت» العبري إنه «لا يزال من غير الواضح كيف ستُترجم الضمانات (...) إلى تخفيف ملموس على المستهلكين الإسرائيليين، ولا سيّما أنّ أسعار الكهرباء شهدت ارتفاعاً مطّرداً في السنوات الأخيرة». ونقل الموقع عن مسؤولين في شركة «كهرباء إسرائيل» قولهم إنهم «فوجئوا بتصريحات كوهين، وإنهم لم يطّلعوا على بنود مُلزمة في الاتفاق تضمن بشكل واضح إمدادات الغاز للسوق المحلية، التي تمثّل حالياً نحو 70 في المئة من إنتاج الكهرباء في إسرائيل».

وإذ تؤكّد الحكومة الإسرائيلية أنّ الاتفاق «ينسجم مع سياسة الحفاظ على الاحتياطات التي أُقرّت سابقاً، ويحقّق توازناً بين عائدات التصدير والاستثمار والنفوذ الدبلوماسي من جهة، وأمن الطاقة من جهة أخرى»، يرى منتقدون أنه «حتى مع وجود الضمانات، فإنّ التصدير الواسع لمورد طبيعي محدود لا يزال ينطوي على مخاطر»، محذّرين من أنّ إسرائيل قد تصبح على المدى الطويل «أكثر اعتماداً على واردات الطاقة أو تواجه ارتفاعاً في أسعار الكهرباء إذا لم تواكب الاكتشافات الجديدة نموّ الاستهلاك».

المصدر: الأخبار اللبنانية

اخبار ذات صلة