في خطوة فاجأت المشهد السياسي في مصر وكيان العدو ومشروعات الطاقة بمنطقة شرق المتوسط، وقع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو مساء الأربعاء على اتفاقية تصدير الغاز من حقل ليفياثان (الفلسطيني المسروق) إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار وحتى العام 2040.
جاءت هذه الخطوة، التي توقعت مصادر لـ"العربي الجديد" الأسبوع الماضي حدوثها قبل نهاية العام الجاري، بعد تردّد من الحكومة الإسرائيلية وتأجيل إتمام الصفقة الموقعة في أغسطس/ آب الماضي عدّة مرات، بسبب صدامات داخلية أثارها اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، الذي حوّلها إلى ورقة سياسية لممارسة ضغوط اقتصادية سياسية على مصر، استهدفت دفعها لقبول تهجير الفلسطينيين عبر الأراضي المصرية، وتغيير تموضع القوات المصرية في سيناء التي دخلت المنطقة خلال العامين الماضيين.
بموجب نسخة الاتفاق الأصلي للصفقة (2019)، كان على شركة شيفرون الأميركية، شريكة "نيوميد إنرجي وراشيو إنرجيز" في حقل ليفياثان، أن تصدّر نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر من 2024 إلى 2026، في صفقة اعتبرها نتنياهو في حينها استراتيجية وتخدم أمن الطاقة الإقليمي.
ورغم عدم تحديد نتنياهو موعد بدء تنفيذ الاتفاق، أكدت مصادر بشركة الغاز الوطنية لـ"العربي الجديد" أن الإمدادات الحالية من الغاز الإسرائيلي في حدود 1.1 مليار قدم مكعبة يومياً، وستبدأ في الارتفاع التدريجي اعتباراً من مطلع العام المقبل لتصل إلى نحو 1.8 مليار قدم مكعبة يومياً، وقد ترتفع إلى ملياري قدم مكعبة في أشهر الصيف، وذلك حسب احتياجات مصر من إمدادات الغاز، على أن يستمر تدفق الغاز "الإسرائيلي" حتى العام 2040 وفق اتفاق أغسطس/ آب الماضي.
وقال نتنياهو إنه من أصل 35 مليار دولار (قيمة الصفقة الكلية)، سيذهب 58 مليار شيكل (18 مليار دولار) إلى خزائن الدولة، وأوضح أن الصفقة "تعزز بشكل كبير مكانة إسرائيل قوةً إقليمية في مجال الطاقة وتساهم في استقرار المنطقة"، وأنها "تشمل ضمانات واعتبارات أمنية" رفض ذكرها "لحساسيتها".
دور البيت الأبيض
قال نائب رئيس هيئة البترول المصرية السابق، مدحت يوسف، إن تراجع نتنياهو عن تعطيل الصفقة من دون تحقيق أي من شروطه التي حاول فرضها، دليل واضح على البراغماتية التي تحكمه بقبول صفقة اقتصادية كبيرة من دون خشية من اليمين الإسرائيلي المتطرف الداعم له، وتعكس قوة تأثير البيت الأبيض على سلطة الاحتلال وسيطرة الشركات الأميركية على إدارة القرار داخل الولايات المتحدة، والتي رأت ضرورة إتمام تلك الصفقة الحيوية بأي شكل لضمان استرجاع الاستثمارات الهائلة التي تحملتها الأطراف الأميركية في عمليات استكشاف الغاز وتشغيل الآبار في حقل ليفياثان.
وأفاد يوسف في حديثه مع "العربي الجديد"، بأن عوائد الصفقة المالية والاقتصادية جعلت المسؤولين الأميركيين يفقدون صبرهم تجاه الحكومة المتطرفة في تل أبيب، التي تعاني من ضغوط على الموازنة ومطالب شركات الطاقة المساهمة في المشروع، ومنها شيفرون الأميركية التي هددت نتنياهو بتحريك قضايا دولية تدفعه لتحمل تكاليف تأخير تنفيذ الصفقة والآثار المترتبة على وقف تشغيل الآبار بعد اكتمال كافة مرافقها الإنشائية والربط البحري والبري مع مصر. أوضح خبير النفط أن تراجع أسعار النفط وانخفاض أسعار الغاز عالمياً خلال الأيام الماضية، رغم حلول موسم ذروة الاستهلاك في أوروبا، حيث هبط سعر المليون وحدة حرارية من مستوى 13 دولاراً إلى 9.25 دولارات وفقاً لمؤشر سعر الغاز الهولندي TTF، أظهر خطورة تأخير تنفيذ الصفقة على الشركات الإسرائيلية والأميركية في ظل تزايد كلفة التشغيل، وعدم وجود بديل آخر لتصدير غاز ليفياثان بعيداً عن المسار المصري الذي ما زال الوحيد القادر على نقل الغاز الطبيعي للاستهلاك المحلي أو للعالم بعد تسييله في مصنعي إدكو ودمياط، شمال دلتا النيل.
غموض بنود الاتفاقية
وحول ما ذكره نتنياهو عقب التوقيع على اتفاقية تصدير الغاز إلى مصر بأن الاتفاقية الموقعة أعدّت بعد شهور من المشاورات المكثفة لضمان أن "مصالحنا الأمنية والحيوية محمية بالكامل، وأنها ضمنت تلك المصالح"، من دون أن يقدم المزيد، علق نائب رئيس هيئة البترول السابق بقوله إن الاتفاقية ما زالت غير واضحة المعالم، لأن تفاصيلها غير معلنة ولم تمر عبر المؤسسات التشريعية والشعبية في كل من إسرائيل ومصر، ولا يمكن الحكم عليها من دون إشهار كل التفاصيل. ولفت إلى أن الاتفاقات السابقة كانت تضمن لإسرائيل توريد الغاز بسعر ثابت طوال مدة سريان العقد، ونظراً لتراجع سعر الغاز عالمياً مع وجود مؤشرات لتراجعه عام 2026 وعلى المدى المتوسط مع زيادة المعروض الدولي، فعلى مصر أن تمارس ضغوطاً لخفض سعر التوريد عن المعدل المطلوب من الجانب الإسرائيلي حالياً والذي يراوح ما بين سبعة دولارات و7.25 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.
يبيّن خبير النفط أنّ كلمات نتنياهو عن مراعاة الاتفاقية مصالح إسرائيل الأمنية والحيوية تأتي في إطار سياسي يستهدف تحسين صورته أمام مؤيديه من اليمين المتطرف، لأنه لا يملك واقعياً التصرف في ما لديه من غاز بعيداً عن مصر، ولا يملك منفذاً تصديرياً آخر مع فشله سنوات في تحقيق الربط البحري مع كل من قبرص واليونان لارتفاع الكلفة، وتعطل مباحثات الربط مع تركيا ولبنان ليصل إلى أوروبا بعد العدوان على غزة ولبنان.
ويشير يوسف إلى أن الضمانة الوحيدة التي يملكها نتنياهو هي أن يوقف إمدادات الغاز لمصر في حالات القوة القاهرة أثناء الحروب أو تعرض آبار البترول لخطر الضربات الجوية والصاروخية، بينما يظل التسعير قضية فنية غير قابلة للنقاش مع الشركات المنتجة التي تبيع الغاز وفقاً للأسعار العالمية، ولا يستطيع نتنياهو إجبارها على تحمل كلفة إضافية تؤثر على حقوق المساهمين. كما يدعو يوسف الحكومة المصرية إلى ممارسة ضغوط قوية على الشركة الموردة للغاز للحصول على أفضلية في التوريد والتسعير، وضمان عدم تعديل السعر طيلة مدة العقد أو لجوء نتنياهو لقطع الإمدادات أو التهديد بوقفها لأسباب سياسية، بما يحافظ على حقوق مصر ويحول دون توظيف الصفقة في أي حسابات سياسية متغيرة.
مخرج لفجوة الإمدادات
وأضاف يوسف أن تنفيذ صفقة استيراد الغاز من إسرائيل منح مصر فرصة للتنفس من الضغوط المالية التي يسببها شراء كميات كبيرة من الغاز المسال من مناشئ أخرى، وتراجع فاتورة استيراده المكلفة، واستعادة القدرة على تشغيل محطتي الإسالة والتصدير إلى أوروبا في ذروة الشتاء، وهو أمر يلقى دعماً أميركياً واسعاً ويتطلب تنفيذاً سريعاً للصفقة لتحقيق الاستقرار في الإمدادات.
وبين أنه بالنسبة للولايات المتحدة، فإن إنجاز الصفقة يعني قدرتها الفائقة على حماية استثمارات شركاتها ويعزز هيمنتها على سوق الغاز عالمياً، حيث أصبحت المورد الأول للغاز لكل من الاتحاد الأوروبي ومصر التي تحولت إلى ثاني أكبر مستورد للغاز على مدار عام 2025، كما يقطع الطريق أمام أي عودة للأسواق إلى الإمدادات الروسية أو الفنزويلية، الأمر الذي جعل واشنطن تطلب من نتنياهو توقيع الاتفاق على عجل قبل لقائه مع الرئيس ترامب في البيت الأبيض.
يؤكد خبير النفط أن الاتفاق يمنح مصر مخرجاً لتخفيف فجوة الإمدادات من الغاز المسال، ومع ذلك ستظل الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج المحلي واسعة، بما يتطلب تشغيل محطتي إعادة الإسالة (التغويز) بالموانئ المصرية في دمياط وغيرها، واستمرار استيراد شحنات غاز من الولايات المتحدة وقطر والسعودية والسوق الفورية لمواجهة العجز المتوقع استمراره لسنوات قادمة.
وتمثل الصفقة دفعة مهمة لمصر التي تواجه تراجعاً شديداً في إمدادات الطاقة المحلية قدره خبراء بنحو 33% من حجم الاستهلاك اليومي، مع تصاعد الطلب المحلي على الغاز بأكثر من ستة مليارات قدم مكعبة يومياً وتراجع الإنتاج إلى أقل من أربعة مليارات قدم مكعبة، وبالأخص من حقل ظهر العملاق منذ عام 2022 نتيجة أخطاء تقنية أثرت على معدلات الاستخراج من البئر الذي بلغت ذروة إنتاجه عام 2021 بنحو 3.7 مليارات قدم مكعبة ليصل إلى أقل من ملياري قدم مكعبة يومياً.
صمت مصري وانتقادات شعبية
تبدو القاهرة الرسمية صامتة عن التحدث حول الصفقة، حيث ترفض وزارة البترول المصرية التعليق أو إصدار بيانات رسمية تتعلق بها، وتبدو الحكومة غير مهتمة بإعلان موقفها من قرار نتنياهو وسط حذر دبلوماسي يرجعه خبراء لانعكاس مخاوف الحكومة من الانتقادات التي تثيرها القوى السياسية المعارضة لربط مشروعات الطاقة ومصير الصناعات المصرية بدولة الاحتلال، التي توظف ملف الغاز لممارسة ضغوط سياسية على مصر من حين لآخر. يشدد الخبراء على أن الحكومة لم تتقدم للبرلمان بتفاصيل اتفاقية توريد الغاز الإسرائيلي لمصر للتهرب من المساءلة الشعبية حول أسعار وشروط التوريد.
يعتبر مؤسس جبهة المقاطعة الشعبية لإسرائيل محمد سيف الدولة تنفيذ الصفقة اتجاهاً سياسياً خاطئاً لربطه أمن الطاقة في مصر بقرار سياسي خارجي مع غياب الضمانات طويلة الأجل، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مصر قد تمتلك الغاز في الأنابيب ولكنها لا تمتلك مفتاح الصمام الذي يحرمها من مصدر استراتيجي في وقت تكون فيه شديدة الاحتياج إليه.
وقال مصدر رفيع في وزارة البترول، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن توقيع نتنياهو على إتمام الصفقة لم ينه النقاط الخلافية مع مصر حول أسعار التوريد في المستقبل وانتظام الإمدادات في أوقات الطوارئ، حيث تلجأ تل أبيب لوقف الإمدادات كلياً أو جزئياً عند تعرضها لأعمال عسكرية مستغلة بند الحالة القاهرة، دون أن تراعي الظروف الضاغطة على مصر كما حدث خلال عامي 2024 و2025. وتبرر الحكومة المصرية اعتمادها على الغاز الإسرائيلي بحصولها على أسعار تنافسية وجاهزية البنية الأساسية للربط مع حقول تمار وليفياثان، مع تشغيل محطتي الإسالة في إدكو ودمياط اللتين استثمرت بهما مبالغ هائلة تمكنها من تسييل الغاز وتصدير نحو 60% من الواردات القادمة من إسرائيل إلى أوروبا.