/الصراع/ عرض الخبر

آلة الهدم "الإسرائيلية" تأكل منازل الضفة: هندسة جديدة للحيّز الفلسطيني

2025/12/17 الساعة 06:30 ص

وكالة القدس للأنباء - متابعة

لا تشبع أنياب الجرافات "الإسرائيلية" من التهام بيوت الفلسطينيين، وتجريف أراضيهم الزراعية ومنشآتهم الحيوية، حتى أنها باتت تعمل على مدار الساعة، في ما يبدو تصعيداً ممنهجاً لسياسة خنق الوجود الفلسطيني.

هكذا، ومنذ ساعات الفجر، تتحرّك آليات الاحتلال العسكرية في معظم مناطق الضفة الغربية، لتنفيذ عمليات هدم وتجريف واسعة ومتزامنة، وهو ما تكرّر، فجر أمس، في أنحاء متفرّقة من الضفة، حيث قامت الجرافات بهدْم قاعة مناسبات في بلدة رافات، شمال غرب القدس (كانت هدمتها سابقاً)، ومنزل في بلدة دير قديس، غرب رام الله - بذريعة البناء من دون ترخيص›، فيما سلّمت إخطارات بهدم منزلَين في بلدة قلنديا، كما هدمت طواقم تابعة لبلدية الاحتلال في القدس إسطبلاً للخيل في بلدة جبل المكبر.

 وكانت ستّ عائلات أَخلت مساكنها في شارع التعاون العلوي في مدينة نابلس يوم الـ13 من الجاري، تمهيداً لهدم منازلها بأمر من «المحكمة العليا الإسرائيلية»، التي حدّدت يوم الـ31 منه موعداً نهائياً للإخلاء والهدم، وذلك بحجّة البناء في المنطقة المصنّفة «ج»؛ علماً أنّ تلك المنازل مخطرَة بالهدم منذ عام 2021، بالإضافة إلى 10 منازل أخرى.

سبق ذلك، في الثامن من الشهر الجاري، هدم منزلَي الشقَيقين نضال وأحمد محمود عبد الخالق، في قرية بدرس غرب رام الله، إلى جانب بركس زراعي، كما هدم مشطب مركبات في بلدة حوارة جنوب نابلس، وبركس زراعي ومتنزّه في القدس، وتجريف ملعب وأراضٍ زراعية في بلدة مخماس شمال المدينة. أيضاً، اقتلعت قوات الاحتلال عدداً من الأشجار، وهدمت منشأة تجارية في بلدة حزما شمال شرق القدس، بما يمهّد لتوسيع أحد الطرق الاستيطانية.

ووفقاً لتقرير «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان»، نفّذت قوات الاحتلال، في أثناء الشهر الماضي، 46 عملية هدم، طاولت 76 منشأة، بما فيها 20 منزلاً مأهولاً، ومنزلان غير مأهولَين، و30 منشأة زراعية، و23 مصدر رزق. وقد تركّزت عمليات الهدم في محافظات الخليل (30 منشأة)، والقدس (15 منشأة)، ثم بيت لحم (11 منشأة). كذلك، وزّعت سلطات الاحتلال 51 إخطاراً جديداً للهدم، تركّزت في محافظات بيت لحم (21 إخطاراً)، والخليل (14 إخطاراً)، ونابلس (6 إخطارات)، وطوباس (2)، ورام الله والبيرة (1).

وفي إطار سياسة محو مخيّمات شمال الضفة، أصدر الاحتلال أمراً جديداً بوضع نحو 25 مبنى من مبانيها تحت خطر الهدم، اعتباراً من الـ18 من كانون الأول، ممّا يهدّد حياة مئات اللاجئين الذين تعرّضوا سابقاً إلى النزوح القسري.

وفي بيان تحذيري، نبّه مدير شؤون «الأونروا» في الضفة، رولاند فريدريك، إلى أنّ ما يقارب الـ48% من مباني مخيّم نور شمس تضرّرت أو دُمّرت قبل صدور أوامر الهدم الأخيرة، مؤكّداً أنّ عمليات الهدم تهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية على المخيّمات وتغيير طابعها الجغرافي - تحت ذريعة «الضرورة العسكرية» -، من دون تحقيق أيّ أمان للسكان.

وأضاف فريدريك، أنّ هذه العمليات «تندرج في إطار نمط متكرّر شهدته المنطقة في أثناء العام الجاري، حيث تقوم القوات الإسرائيلية بتدمير المنازل بهدف فرض سيطرة طويلة الأمد على المخيّمات في شمال الضفة الغربية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي إلى تغيير دائم في الطابع الجغرافي لهذه المخيّمات».

كما شدّد على ضرورة «ألّا يصبح النزوح القسري لأكثر من 32 ألف لاجئ فلسطيني في شمال الضفة الغربية أمراً دائماً»، مشيراً إلى أنّ «السكان ينتظرون بقلق، منذ 11 شهراً، العودة إلى منازلهم، لكن هذا الأمل يتلاشى مع كل ضربة من جرافات الهدم».

وكانت سلطات الاحتلال أصدرت، في الـ27 من تشرين الثاني الماضي، قراراً بهدم 24 منزلاً في مخيم جنين، بينما يستمرّ الهدم والتجريف في مناطق متفرّقة داخل المخيّم.

ويَظهر أنّ إسرائيل تعمل وفق سياق استراتيجي متكامل، يهدف إلى إعادة رسم ملامح الضفة، بما يشمل هندسة الحيّز الفلسطيني فيها جغرافيّاً، ومن ثمّ، وبالضرورة، هندسة الحيّز الديموغرافي، لا سيّما في ظلّ تنامي النزعة الصهيونية إلى تحقيق «حلم يهودا والسامرة» وإعلان السيادة الإسرائيلية رسميّاً على الأراضي المحتلة. والجدير ذكره هنا، أنّ إسرائيل، لا توفّر فرصةً إلّا وتحاول فيها التأكيد أنها صاحبة السيادة والقرار هناك، سواء لجهة إصدار تراخيص البناء، أو عبر أوامر الهدم والمصادرة وفرض الضرائب والغرامات على أصحاب المنازل.

ويمكن اعتبار مخيّمات جنين وطولكرم، التي شهدت «مجزرة هدم واسعة» طاولت مئات المنازل، «نموذجاً أوليّاً» لكيفية توظيف إسرائيل عمليات الهدم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الاستعمارية من استيلاء وضمٍّ للأراضي وتهجير للسكان؛ إذ يمكن تالياً تكرار هذا النموذج وتطويره في مناطق مختلفة، من مثل بقية مخيّمات الضفة، أو التجمّعات البدوية والقرى النائية في المناطق المصنّفة "ج".

وفي موازاة عمليات الهدم، تضع "إسرائيل" شروطاً للسماح بعودة النازحين إلى المخيّمات، بعد تحويل هذه الأخيرة إلى «أحياء عادية» ضمن المدن، وسلخ هوّيتها البنيوية والديموغرافية والسياسية والوطنية. وإذ يتمّ الإبقاء على الطرق المفتوحة التي شقّتها الآليات العسكرية، فُعّلت منظومة مراقبة شاملة، غرضها تحديد من يُسمح له بالعودة ومن هو ممنوع منها. وضمن هذا السياق، أقام جيش الاحتلال مناطق تحكّم داخل المخيمات المدمّرة وفي محيطها، تتضمّن أبراج مراقبة ومنظومة كاميرات وحراسات جديدة.

بالنتيجة، فإنّ ما تقوم به "إسرائيل"، يمثّل عملية تفتيت ممنهجة للجسد الفلسطيني الجغرافي والديموغرافي، وذلك بغرض تحويله إلى أشلاء متناثرة، وتالياً تكريس هدفها الذي تنفّذه من دون الإعلان عنه: الضمّ الحقيقي للضفة واحتلالها عسكرياً من دون تحمّل كلفته أو نتائجه أمام العالم. (المصدر: الأخبار اللبنانية)

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/222139

اقرأ أيضا