قائمة الموقع

الدّعوة للحياد في الصّراع الدّائم اصطفافٌ مع العدوان!

2025-11-28T12:08:00+02:00
هبة دهيني

تأتي الذّكرى الأولى لاتّفاق وقف إطلاق النّار في لبنان، والاحتلال يخرق "الاتّفاق" بشكلٍ جليّ، وبدون وضعِ أيّ اعتباراتٍ للقوانين الدّوليّة الّتي تتجاهلُ خروقاتهِ أصلًا. وتأتي الذّكرى في وقتٍ يستكمل فيه الاحتلال عنجهيّته في قطاع غزّة والضّفة الغربيّة، فيجدّد الإبادة عند كلّ منعطفٍ متذرّعًا بذرائعَ واهية تسقط جميعها عند مشاهد الأطفال المقتولينَ بقنصٍ مباشرٍ في القطاع.

ثمّ أمام مشهدِ الحرمانِ الممنهجِ في سياق الحصارِ المفروضِ على قطاع غزّة، والّذي يمنع عن الغزّيّين أولى مقوّمات العيش، وأمام عدّاد الشّهداء المتصاعد كلّ يومٍ من أطفالٍ ونساءٍ مدنيّينَ يجلسون في خيامهم الممزّقةِ والغارقةِ إثر المطر، وأمام مشاهد الجرحى وهم يبحثون عن مستشفياتٍ أمام الدّمار المتراكم على أجسادِ من رحلوا.

أمام كلّ هذا بل وأكثر.. أمامَ "الحجارة الخمسة" الّتي رماها المحتلّ في طوباس شمال الضفة الغربية، وضمن سياق الإبادة الّتي يجدّدها في المخيّمات، والّتي يُضاعفها بفرضِ حصارٍ ممنهجٍ وخنقٍ للمواطنين، بالإضافةِ إلى تدمير المنازل والبنى التّحتيّة ضمنَ خطّةٍ "ترتقي" لتكون جريمةَ حربٍ وبشكلٍ علَنيّ.

ثمّ أمامَ ما يحدث في لبنانَ اليوم، وتحديدًا في جنوبه، إذ يجدّد الاحتلالُ إقناعَ العالمِ بكَونِه أقبحَ وأعتى "جيوش" العالم بوصفهِ كيانًا إحلاليًّا في المنطقة، حين يخرق الاتّفاق في ذكراه، بينما المقاومة لم تخرقه ولا بطلقةٍ واحدة، حفاظًا على دماء أبناء شعبها المناضل.

أمام هذا كلّه، تصدَح الأصوات المنادية بتسلّق الهوامش والبقاء على الحياد. هذا الحياد الّذي يعني بحدّ ذاته موقفًا مصطفًّا مع العدوانِ بشكلٍ مباشر، خاصّةً وأنّ خطّة "الشّرق الأوسطِ الجديد"، هي بحدّ ذاتها استهدافٌ لكلّ عربيٍّ يتحرّك في هذه المنطقة وهناكَ كيانٌ مزعومٌ يخطّط لسرقة أرضه وثرواته وتراثه، وحتى ماضيه.

هذه الخطط والاستراتيجيّات الممنهجة، هي بحدّ ذاتها استمرارٌ لأدوات الصّهيونيّة والاستعمار الإحلاليّة في منطقتنا، وإنّ أولى الأمور المُساعِدة والدّاعمة لهذا الفكر الصّهيونيّ، هي الأصوات المنادية بـ "الحياد". الحيادُ يعني أن تساوي بين آلة الحرب "الإسرائيليّة" الّتي تقتلك وتقتل أطفالك ونساءك وأهلك وأبناء بلدكَ ألف مرّةٍ في اليوم الواحد، وبين طفلٍ يموت جوعًا في خيمةٍ ممزّقةٍ في القطاع، أو بردًا كذلك، أو قصفًا، أو خوفًا، فكلّ أشكالِ الموتِ موجودةٌ في غزّة.

الدّعوة للحيادِ في الصّراع الدّائم مع الكيان هي اصطفافٌ مع العدوان، أيًّا كانت أساليب الدّعوة هذه، فالموقف هو أكثر الأمور ثباتًا في هذا السّياق، أن تكون لغتكَ مقاومة، وموقفكَ مقاومة، في أصغر تفاصيل حياتكَ اليوميّة، لأنّكَ إن لم تقاوم المحتلّ الغاشم بكلّ ما تملك، فإنّ "الشّرق الأوسط الجديدَ" سيبتلع مواقف الحياد كلّها، وسنكون نحن الضّحايا الجدد، وهذا ما لا نريده، لا لشيءٍ سوى لأنّنا نستطيع أن نقاوم.

ومن أساليب المقاومة هذه، أن يكونَ جلدُنا حيًّا كذلك، وأن نقاتل به، لا لأنّنا لا ندري أنّ التّرسانة العسكريّةَ أقوى تكنولوجيًّا من جلدِنا العربيّ، ولا لأنّنا لا نعرف الفرقَ في القدرات العسكريّة وفي الموقف العالميّ، بل لأنّنا نعرف جيّدًا أنّ كلّ ما يجري يُختصَر بـ "الموقف". أن يكون موقفنا مقاومة، يعني أن نستمرّ بالدّفاع عن البلادِ حتّى لو حوصِرنا بتكنولوجيا العالمِ كلّه، وأن نؤدّي التّكليفَ ولو صارَ الجلدُ بأكملهِ دمًا.

اخبار ذات صلة