أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2803، الذي نص على إنشاء قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة لمدة عامين، ودمج العناصر الأساسية لخطة الرئيس ترامب للسلام المكونة من 20 نقطة في القانون الدولي. كما سمح القرار بتشكيل هيئة حكم انتقالية - مجلس السلام - للإشراف على التعافي الإنساني والتحضير لإعادة دمج السلطة الفلسطينية على مراحل.
الأهم من ذلك، أن النص التنفيذي نفسه يتضمن الآن إشارات صريحة إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير ومسارًا نحو الدولة. وقد مثّل هذا قطيعة عقائدية: فلم تعد غزة تُعامل كأرض يجب تفريغها، بل كأرض يجب استقرارها. ووجدت إسرائيل، التي لطالما كانت العقل المدبر للتهجير والعزلة، نفسها محاصرة بالديناميكيات ذاتها التي ساهمت في إثارتها.
العقيدة الأصلية: التهجير والسيطرة
بين فبراير/شباط ويوليو/تموز 2025، روّج فريق ترامب للشرق الأوسط لصيغ مختلفة من إطار "النقل الطوعي" لسكان غزة. كان الاقتراح، الذي صُمّم إلى حد كبير كمبادرة مموّلة أمريكيًا، يهدف إلى إعادة التطوير تحت إشراف أمريكي إسرائيلي مع تدخل فلسطيني محدود.
ضخّم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا الخطاب، مُشيرًا إلى أن "النقل الطوعي" قد يكون حلاً "إنسانيًا" - وهي لغة فُسِّرت على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة على أنها تهجير قسري. رفضت الدول العربية هذا المفهوم رفضًا قاطعًا، ووصفه النقاد داخل إسرائيل بأنه طريق مسدود أخلاقيًا وقانونيًا. وبحلول نهاية الصيف، أصبح خطاب "إعادة توطين غزة" سامًا سياسيًا في كل عاصمة تقريبًا.
التحول: من الخطاب إلى التراجع
جاء هذا التحوّل في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2025، حيث صيغت خطة ترامب بالتعاون مع قادة الدول ذات الأغلبية المسلمة الرئيسية. وفي اجتماع خاص لاحق في البيت الأبيض، طالب ترامب نتنياهو بإنهاء الحرب وقبول الخطة. لم يكن أمام نتنياهو خيار سوى الموافقة شفهيًا، إلا أنه قلّل من وضوح مسألة الدولة الفلسطينية بإضافة إشارة غامضة إلى "أفق سياسي". بقيت الدولة في النص الرسمي، لكن قوتها كانت غامضة، بينما أصرّ نتنياهو علنًا على أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدًا.
أثارت هذه المناورة شكوكًا بين القادة المسلمين حول ما إذا كانت الخطة التي أيّدوها لا تزال قائمة. أما ترامب نفسه، فقد راوغ، متكهنًا علنًا بأن السعوديين غير ملتزمين حقًا بإقامة دولة فلسطينية. وجاء رد الفعل العنيف فوريًا: أصرّت الدول الإسلامية على الحصول على تفويض من الأمم المتحدة قبل الالتزام بتقديم قوات أو أموال لقوة الاستقرار الدولي، ما حوّل ما بدأ قرارًا متعدد الأطراف إلى قانون دولي.
تجاوزات نتنياهو: عوامل الاحتواء
لم ينشأ هذا التراجع من فراغ، بل نتج عن سلسلة من الحسابات الخاطئة الإسرائيلية التي أبعدت تقريبًا كل الأطراف المعنية التي احتاجها فريق ترامب:
بداية، ضربة الدوحة (9 سبتمبر 2025): أدّت غارة جوية إسرائيلية في قطر استهدفت وسطاء حماس إلى مقتل بضع أشخاص، من بينهم ضابط أمن قطري. أدى الحادث إلى انهيار مفاوضات الرهائن، وأثار إدانة حادّة من عواصم الخليج والأمم المتحدة. ردّت المملكة العربية السعودية بالإعلان عن اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان، في إشارة واضحة إلى أن الوضع قد وصل إلى نقطة الانهيار.
لاحقاً، عرقلة إنسانية: حتى بعد وقف إطلاق النار، تركت القيود الإسرائيلية إيصال المساعدات عند جزء ضئيل من المستويات المتفق عليها. اتهم مسؤولو الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية تل أبيب بانتهاك إطار الهدنة وتعميق الانهيار الإنساني في غزة.
ثمّ التصعيد الإقليمي: قوّضت الضربات "الإسرائيلية" في سوريا ولبنان، التي شُنّت على الرغم من التحذيرات الأمريكية الصريحة، جهود ترامب لتعزيز هدوء إقليمي هش.
وأخيراً، خطابٌ مُبالغٌ فيه: أثارت إشارات نتنياهو في أغسطس/آب إلى "إسرائيل الكبرى الممتدة إلى ما وراء الحدود الحالية" - بما في ذلك أجزاء من مصر والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية - غضبًا عارمًا، وأكدت المخاوف من انزلاق سياسة غزة ما بعد الحرب نحو الضم.
عززت كل حلقة من حلقات هذا الخطاب الاعتقاد بأن إسرائيل أصبحت حليفًا يصعب السيطرة عليه - لا غنى عنه استراتيجيًا، ولكنه متهوّر دبلوماسيًا. بالنسبة لترامب، الذي اعتمدت بنيته الإقليمية على التعاون العربي، أصبح الاحتواء هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق.
ترامب أعاد الضبط: الاحتواء بدلًا من الفوضى
لم يُمثل القرار 2803 تحولًا أيديولوجيًا بقدر ما كان تحولًا تكتيكيًا: محاولة لإعادة إرساء النظام بعد إخفاقات الأحادية. من خلال تدويل استقرار غزة، خفّف البيت الأبيض من السيطرة العملياتية الإسرائيلية مع الحفاظ على التنسيق الغربي.
مُنحت قوة الاستقرار الدولية صلاحية "استخدام جميع التدابير اللازمة" لحماية المدنيين، وتأمين المناطق الحدودية، ونزع سلاح حماس وغيرها من الجماعات المسلحة غير الحكومية. كان من المتوقع أن تضم القوة ما يقرب من 20 ألف جندي، ساهمت بها دول ذات أغلبية مسلمة بموجب تفويض من الأمم المتحدة. لم تنشر الولايات المتحدة جنودًا، بل نسّقت تشكيل القوة وصيغة تفويضها.
يعمل مجلس السلام، الذي أُنشئ إلى جانب قوة الاستقرار الدولية، الآن كهيئة حكم انتقالية، مُكلَّفة بتنسيق المساعدات الإنسانية، وإعادة بناء البنية التحتية المدنية، وتمهيد الطريق لإعادة الإدماج السياسي الفلسطيني.
لم يكن هذا التعديل منفصلاً عن هيكلية ترامب الأوسع للشرق الأوسط، والتي تسعى إلى توسيع اتفاقيات أبراهام لتشمل التطبيع السعودي الإسرائيلي. يعتمد هذا الإطار على التعاون العربي والشرعية الإقليمية. هدّد تحدي نتنياهو بتفكيكه، ما أجبر واشنطن على التحرك بحزم للحفاظ على الهيكلية.
التحديات الأمنية: حماس وحدود قوة الاستقرار الدولية
ربما يكون القرار 2803 قد أعاد تشكيل المشهد الدبلوماسي، إلا أن الواقع الأمني لا يزال دون حل. رفضت حماس القرار، واعتبرت قوة الاستقرار الدولية مفروضة من الخارج. يركز تفويض هذه القوات على تحقيق الاستقرار وحماية المدنيين، وليس على العمليات الهجومية. هذا يطرح سؤالاً جوهرياً: من سينزع سلاح حماس؟
إذا تجنبت قوة الاستقرار الدولية المواجهة المباشرة، فقد تُجبَر إسرائيل على إعادة التدخل عسكرياً لفرض معايير نزع السلاح. ومن شأن هذا السيناريو أن يقوّض الهدف الأساسي من التدويل، ويهدد بتجدد التصعيد، ويزيد من عزلة الشركاء العرب. المفارقة صارخة: فالقرار يُرسي مساراً نحو الدولة الفلسطينية، ومع ذلك، فإن الجماعة المسلحة الأكثر قدرة على عرقلة هذا المسار لا تزال قائمة.
رد الفعل "الإسرائيلي": السيادة مقابل الواقع الاستراتيجي
كان رد الفعل "الإسرائيلي" غاضباً. شنّ زعيم المعارضة أفيغدور ليبرمان هجومًا لاذعًا بعد تصويت الأمم المتحدة، واصفًا إياه بأنه "بيعٌ مُستهترٌ لأمن إسرائيل"، ومحذرًا من أن القرار أدى إلى "دولة فلسطينية، وبرنامج نووي سعودي، وطائرات إف-35 لتركيا والمملكة العربية السعودية". وأعرب العديد من المعلقين عن قلقهم، مجادلين بأن وجود قوات أجنبية في غزة سيُعرّض حياة الإسرائيليين وسيادتهم للخطر.
كانت هذه المخاوف مفهومة. إلا أنها أغفلت حقيقةً جوهرية: إسرائيل ليست عضوًا في مجلس الأمن، ولا يحق لها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار. والأهم من ذلك، أن تحدي نتنياهو نفسه - تجاهله لخطوط ترامب الحمراء وسعيه وراء الهيمنة الرمزية - هو ما ضيّق خيارات إسرائيل إلى هذه النقطة. فما اعتبرته حكومته قوةً في الخارج تُرجم إلى عزلة استراتيجية في الداخل.
عزلة استراتيجية: إسبرطة الصغيرة محاصرة
كان نتنياهو يحتضن صورة إسرائيل كـ"إسبرطة الصغيرة" - حصن صغير لكنه منيع وسط عداء إقليمي. كان هذا الموقف يردع الخصوم في السابق؛ وبحلول خريف العام 2025، أصبح يردع الحلفاء. لم يكن القرار 2803 خيانة من واشنطن، بل كان محاولةً للسيطرة على الأضرار بعد أشهر من التجاوزات الإسرائيلية.
كانت المفارقة حادّة. فبسعيها للسيطرة المطلقة، دعت إسرائيل إلى إشراف خارجي. وبرفضها التنازلات المحدودة، واجهت قيودًا شاملة. وبخلطها بين الهيمنة قصيرة المدى والأمن طويل المدى، وضع نتنياهو إسرائيل في موقف رأت فيه حتى القوى الصديقة أن التدويل هو المخرج الوحيد.
التأييد الغربي: إعادة النظر في الدبلوماسية
في حين أن تدويل خطة ترامب ربما يكون قد حفّزته الدول العربية أو تركيا أو ترامب نفسه، إلا أن إقرارها في مجلس الأمن عكس أمرًا أعمق: التأييد المؤسسي الغربي. فرنسا وبريطانيا - اللتان طالما اعتبرهما البعض مجرد فاعلين رمزيين أو وهميين - دعمتا القرار كعضوين دائمين. وكان دعمهما مؤشرًا على إعادة تقييم الدبلوماسية الأوروبية، وتقارب بين الحاجة الملحة للمنطقة والشرعية الغربية.
الخيار المستقبلي
مع صدور القرار رقم 2803 وتفعيل تفويض قوة الاستقرار الدولية، من المرجح أن يُرسم مستقبل غزة في المحافل متعددة الأطراف أكثر من مكتب رئيس الوزراء. لقد انتقل مركز صنع القرار إلى الخارج، وتواجه إسرائيل الآن تحدي التكيف مع مشهد إقليمي لم تعد تسيطر عليه بالكامل.
لم تتخلَّ واشنطن عن إسرائيل؛ بل اضطرت إلى التدخل لمنعها من إلحاق المزيد من الضرر بمصالحها الاستراتيجية طويلة المدى. لا تهدف خطة الاستقرار إلى تهميش تل أبيب بقدر ما تهدف إلى الحفاظ على البنية الأوسع للتعاون الإقليمي ومنع الانهيار.
بالنسبة لدولة مبنية على المبادرة الاستراتيجية، قد يكون تعلّم العمل ضمن القيود أصعب اختبار حتى الآن.
---------------
العنوان الأصلي: How Netanyahu Backed Israel Into a Corner
الكاتب: William Keenan*
المصدر: The Times of Israel
التاريخ: 18 تشرين الثاني / نوفمبر 2025
*ويليام كينان: محلل استخبارات متقاعد لشؤون الشرق الأوسط، عمل في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والبنتاغون. عاش وعمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأكثر من خمسة عشر عامًا. وهو مؤلف كتاب "العربية - تسع سنوات في المملكة".