قائمة الموقع

السلام الذي تصنعه "الأسلحة التي لم يحلم بها أحد!"

2025-11-03T11:15:00+02:00
محمد العبدالله*

- " قاوم ولو بعصا، قاوم ولو بحجر، بكلمة إن لم يكن برصاصة."

القائد المشتبك، الشهيد "يحيى السنوار"

- "لن نقضي على الإمبريالية بازدرائها.

ولكن بالنسبة لنا، فإن أفضل أو أسوأ صرخة ضد الإمبريالية،

مهما كان شكلها، هي حمل السلاح والقتال".

"أميلكار كابرال" (1924-1973م) قائد ثوري لحركة التحرر من الاستعمار البرتغالي في"غينيا بيساو" و"الرأس الأخضر".

  مدخل

  جاء خطاب ترامب في جلسة " الكنيست " في الثالث عشر من أكتوبر / تشرين الأول 2025 في سياق الموقف الأمريكي / الغربي / الاستعماري، الذي تعرفه شعوب المنطقة، خاصة، أبناء الشعب الفلسطيني. لكن اللافت، أن التركيز على عنصري "القوة والسلاح" من أجل تحقيق "السلام" وبزوغ "فجر تاريخي لمستقبل شرق أوسط جديد" كانا عبر التلويح باستخدام "أسلحة لم يحلم بها أحد، مع الأمل بأن لا نضطر لاستخدامها"، وليس من خلال الحوار بين الشعوب، أو العلاقات / التفاهمات السياسية. مضيفا، "أن واشنطن زوّدت "إسرائيل" بكل هذه الأسلحة لتتمتع بالقوة الكافية لتحقيق السلام، وأن نتنياهو كان يتصل بي مراراً ويطالب بشتى أنواع الأسلحة، وبعضها لم أكن أعرفه، لكنني أرسلتها لهم، وقد أحسنوا استخدامها" بدون أية مراعاة لقادة عدد من الدول العربية والإسلامية الذين كانوا يُشددون في أحاديثهم، ومواقفهم "اللفظية" على ضرورة "وقف قتل المدنيين "، أولئك الذين انتظروا وصوله لعدة ساعات في " شرم الشيخ " لسماع قراره " وقف إطلاق النار" في غزة.

المال والسلاح الأمريكي والإبادة

لعب السلاح الأمريكي بمختلف أنواعه الدور الأكبر في كل ما تعرض له قطاع غزة منذ 8 أكتوبر / تشرين أول2023 وحتى الآن. فقد أسقطت قوات جيش الغزاة الصهاينة على تلك المساحة الصغيرة 356 كيلو متر مربع أكثر من 200 ألف طن من المتفجرات، ما يعادل في كمية المتفجرات 13 قنبلة نووية من التي ألقيت على هيروشيما، أدت لاستشهاد 68 ألفا، وحوالي 170 ألفا من الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة لأكثر من 10 آلاف مازالوا في عداد المفقودين، يُضاف لهم 465 فقدوا حياتهم بسبب حرب التجويع، بينهم 157 طفلا.

  إن مراجعة التقارير الصحافية والإعلانات الأمريكية تكشف الدعم الأمريكي العسكري. فمنذ اليوم الأول للإبادة وحتى 27 / 3 / 2025 حطت في الكيان 800 طائرة ورست 140 سفينة محملة بأسلحة أمريكية لدعم "إسرائيل" (القاموس اللغوي للإبادة الجماعية- دراسة "أنمار رفيدي ووسام  رفيدي" – مجلة الجنوب صيف 2025).

  وقدرت دراسة جديدة  نشرتها جامعة براون، يوم الثلاثاء السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2025، ضمن مشروع "ثمن الحرب" ( Costs of war ) الدّعم الأمريكي للكيان الصهيوني منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 ( أي خلال سنتَيْن) بنحو 34 مليار دولار، منها 21,7 مليار دولارا من المساعدات العسكرية المباشرة، أو ما يُعادل حوالي 3400 دولار على الحرب والأنشطة العسكرية لكل مُستعمر في فلسطين المحتلة  منذ العدوان القاتل والمُدَمِّر على فلسطينيِّي غزة، أي: "أن أسرة صهيونية من أربعة أفراد تتلقى دعمًا شهريًا قدره 577 دولارًا أمريكيًا، من دافعي الضرائب الأمريكيين، منذ عامين"، وفق التقرير. (اقتباس من مقال " فلسطين - تواطؤ "غربي" وعربي في الإبادة " الباحث الطاهر المعز)

     قام السلاح الأمريكي "الناري والبيولوجي" تاريخيا، بدور واضح وفاضح بذات الوقت، في القتل الجماعي. ومع وصول المستعمرين البيض لأمريكا الشمالية، بدأت عمليات الإبادة المنهجية للسكان الأصليين بالنار والذبح، واستخدام فيروس الجدري كسلاح بيولوجي لقتلهم. وأبرز حالة موثقة تاريخياً وقعت خلال القرن الثامن عشر. في يوليو 1763، اقترح الجنرال البريطاني جيفري أمهيرست، في رسائل إلى الكولونيل هنري بوكيه "ألا يمكن التفكير في وسيلة لإرسال الجدري إلى تلك القبائل؟ يجب علينا استخدام كل حيلة ممكنة لتقليص عددهم". وتنفيذا للخطة، تم توزيع البطانيات الملوثة بفيروس بالجدري على السكان الأصليين الذين يحاصرون حصن بيت من أجل إبادتهم.

    في أثناء العدوان الأمريكي الوحشي على فيتنام الذي استمر من أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 1955 إلى 30 أبريل / نيسان 1975. استخدم الجيش الأمريكي كل ما في ترسانته التدميرية، ومن ضمنها الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، كالمادة السامة BZ، و "العامل البرتقالي" من برنامج "الحرب السامة / عملية رانش هاند" الذي قامت برشه الطائرات الأمريكية فوق الغابات ومناطق الاكتظاظ السكاني.

   كما استخدم جيش الاحتلال الأمريكي في العراق "الفوسفور الأبيض" خلال الهجوم على مدينة الفلوجة في شهر تشرين الثاني / نوفمبر عام 2004. وقد وصف أحد الجنود الأمريكيين المشاركين في الهجوم على "الفلوجة"، الفسفور الأبيض وأثره على المواطنين من أهالي المدينة، بالقول "الفسفور الابيض يحرق الأجساد، بل في الواقع، يذيب اللحم حتى ينكشف العظم. رأيت جثثا محترقة لنساء واطفال. والفسفور ينفجر ويولد سحابة من الدخان فوق المكان".

وقد استخدم جيش "المستعمرة / الثكنة " الصهيوني، الفسفور الأبيض في حروبه المتكررة على قطاع غزة، وهو ما ظهر بشكل واضح ضد المدنيين أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009 التي أطلق عليها العدو اسم "الرصاص المصبوب"، بينما أسبغت عليها المقاومة الفلسطينية اسم "عملية الفرقان". وقد نتج عن هذا العدوان الإجرامي سقوط أكثر من 1430 شهيدا فلسطينيا، منهم أكثر من 400 طفل و240 امرأة و134 شرطيا، إضافة إلى أكثر من 5400 جريح. ودمرت أكثر من 10 آلاف منزل دمارا كليا أو جزئيا.

صناعة السلام على الطريقة الأمريكية

   يأتي السلام على مر التاريخ الإنساني حسب الوصفة الاستعمارية الغربية بمختلف أسماء دولها " فرنسا، إنجلترا، إيطاليا، ألمانيا، إسبانيا، البرتغال، وبلجيكا " وفي شكلها الأمريكي، راهنا، محمولا على السلاح، الأبيض والناري والبيولوجي. وهذا "."توماس جيفرسون" الملقب برسول الحرية الأمريكية وكاتب وثيقة استقلالها، يأمر وزير دفاعه بأن يواجه الهنود الذين يواجهون التوسع الأمريكي بالبلطة وأن لا يضع هذه البلطة حتى يفنيهم فقال له: " نعم إنهم قد يقتلون أفراداً منَّا، ولكننا سنفنيهم ونمحو آثارهم من الأرض" .

 لكن "وليم برادفورد" حاكم مستعمرة "بليموث" لأكثر من 30 عامًا في القرن السابع عشر، وجد تبريرا آخر لإبادة أصحاب الأرض الأصليين قائلا: " إن نشر هذه الأوبئة بين الهنود عمل يدخل السرور والبهجة على قلب الله، ويفرحه أن تزور هؤلاء الهنود وأنت تحمل إليهم الأمراض والموت، وهكذا يموت 950 هندي من كل ألف، وينتن بعضهم فوق الأرض دون أن يجد من يدفنه إنه على المؤمنين أن يشكروا الله على فضله هذا ونعمته". وهكذا، نحن أمام أفكار تحاول تغليف "الاستعمار الاستبدالي " كما شرحه الكاتب والمفكر الفرنسي " جاك بوس"، بالتضليل، والكذب، بأنها " تُفرح الله"! ، وهذا ما يُعاد إنتاجه منذ أكثر من قرن من الزمن على ألسنة حاخامات ورجال دين في تبرير إبادة الشعب الفلسطيني.

خاتمة

  في الخطاب " الأكثر جنونا " كما وصفته " آنا بارسكي " المراسلة السياسية لصحيفة " معاريف"، يفتخر ترامب بأن " " إسرائيل " استخدمت سلاحنا على نحو جيد "، ومقياس الجودة الذي اعتمده ترامب كما غيره من الرؤساء الأمريكيين، والمؤسسين للمستعمرة العنصرية البيضاء، هي نتائج استخدام هذا السلاح في المذابح / الحروب الاستعمارية. لقد استخدم هذا السلاح – ومازال – في تحويل أجساد أطفال ونساء ورجال غزة إلى أشلاء متناثرة، وقامت صواريخ الطائرات، مع قذائف المدفعية والدبابات بتدمير واسع " أرض محروقة “، وشطب أسماء آلاف العائلات من السجل المدني. هكذا يفهم التوحش الاستعماري " جودة السلاح ".

   لكن ما لا يجرؤ على الاعتراف به قادة حروب الإبادة، أن هذا التدمير وتلك المذابح لم تحققا " نصراً " لهم، على من أسماهم ترامب وقادة المستعمرين " الإرهابيين". إن كيان الإرهاب " الدولة " المارقة " الأكثر عدوانية وإرهابا، فشل، - بالتدمير والاقتلاع والمذابح - ومعه تحالف حكومات الهيمنة والتوسع، في تحقيق أهداف العدوان على قطاع غزة، واضطر الجميع للذهاب لطاولة التفاوض، أمام صمود وثبات الشعب، وبسالة المقاومة التي جعلت جيش المستعمرة، وتجمع المستوطنين داخلها يدفع " ثمنا باهظا ومؤلما: عامان من الحرب، ومئات القتلى، وآلاف الجرحى، وعشرات الآلاف الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة " كما كتبت " آنا بارسكي " في صحيفة "معاريف" ، مضافا لذلك ، الانهيار في عدة قطاعات اقتصادية، والهجرة المعاكسة، ونزع الشرعية الحقوقية والأخلاقية والسياسية، عالميا ، كما تتحقق في الجامعات وشوارع وميادين المدن ، ومدرجات الملاعب، وقاعات الاحتفالات.

 *  كاتب سياسي فلسطيني

اخبار ذات صلة